[19:82] - مريم - القرطبي

[19:82] - مريم - القرطبي

القرطبي

﴿كَلّا سَيَكفُرونَ بِعِبادَتِهِم وَيَكونونَ عَلَيهِم ضِدًّا﴾ [ مريم - 19:82 ]

قال الله تعالى: كلا أي ليس الأمر كما ظنوا وتوهموا بل يكفرون بعبادتهم؛ أي ينكرون أنهم عبدوا الأصنام، أو تجحد الآلهة عبادة المشركين لها كما قال: تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون وذلك أن الأصنام جمادات لا تعلم العبادة. ويكونون عليهم ضدا أي أعوانا في خصومتهم وتكذيبهم. عن مجاهد والضحاك: يكونون لهم أعداء. ابن زيد: يكونون عليهم بلاء فتحشر آلهتهم، وتركب لهم عقول فتنطق، وتقول: يا رب عذب هؤلاء الذين عبدونا من دونك، وكلا هنا يحتمل أن تكون بمعنى لا ويحتمل أن تكون بمعنى حقا؛ أي حقا سيكفرون بعبادتهم وقرأ أبو نهيك: ( كلا سيكفرون ) بالتنوين. وروي عنه مع ذلك ضم الكاف وفتحها. قال المهدوي كلا ردع وزجر وتنبيه ورد لكلام متقدم، وقد تقع لتحقيق ما بعدها والتنبيه عليه كقوله: كلا إن الإنسان ليطغى فلا يوقف عليها على هذا، ويوقف عليها في المعنى الأول؛ فإن صلح فيها المعنيان جميعا جاز الوقف عليها والابتداء بها. فمن نون كلا من قوله: كلا سيكفرون بعبادتهم مع فتح الكاف فهو مصدر كل، ونصبه بفعل مضمر، والمعنى كل هذا الرأي والاعتقاد كلا، يعني " اتخاذهم الآلهة ليكونوا لهم عزا " فيوقف على هذا على عزا وعلى ( كلا ) وكذلك في قراءة الجماعة، لأنها تصلح للرد لما قبلها والتحقيق لما بعدها. ومن روى ضم الكاف مع التنوين فهو منصوب أيضا بفعل مضمر، كأنه قال: سيكفرون كلا سيكفرون بعبادتهم يعني الآلهة.

قلت: فتحصل في كلا أربعة معان: التحقيق وهو أن تكون بمعنى حقا والنفي والتنبيه، وصلة للقسم، ولا يوقف منها إلا على الأول. وقال الكسائي: ( لا ) تنفي فحسب، وكلا تنفي شيئا وتثبت شيئا، فإذا قيل: أكلت تمرا، قلت: كلا إني أكلت عسلا لا تمرا، ففي هذه الكلمة نفي ما قبلها، وتحقق ما بعدها. والضد يكون واحدا ويكون جمعا، كالعدو والرسول. وقيل: وقع الضد موقع المصدر أي ويكونون عليهم عونا، فلهذا لم يجمع، وهذا في مقابلة قوله: ليكونوا لهم عزا والعز مصدر، فكذلك ما وقع في مقابلته ثم قيل: الآية في عبدة الأصنام، فأجرى الأصنام مجرى من يعقل، جريا على توهم الكفرة. وقيل: فيمن عبد المسيح أو الملائكة أو الجن أو الشياطين؛ فالله تعالى أعلم.

Report Page