[16:1] - النحل - القرطبي
القرطبي﴿بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ أَتى أَمرُ اللَّهِ فَلا تَستَعجِلوهُ سُبحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشرِكونَ﴾ [ النحل - 16:1 ]
تفسير سورة النحل وهي مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. وتسمى سورة النعم بسبب ما عدد الله فيها من نعمه على عباده. وقيل: هي مكية غير قوله - تعالى -: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به الآية؛ نزلت بالمدينة في شأن التمثيل بحمزة وقتلى أحد. وغير قوله - تعالى -: واصبر وما صبرك إلا بالله. وغير قوله: ثم إن ربك للذين هاجروا الآية. وأما قوله: والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا فمكي، في شأن هجرة الحبشة. وقال ابن عباس: هي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة بعد قتل حمزة، وهي قوله: ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إلى قوله بأحسن ما كانوا يعملون.
أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون
قوله تعالى: أتى أمر الله فلا تستعجلوه قيل: أتى بمعنى يأتي؛ فهو كقولك: إن أكرمتني أكرمتك. وقد تقدم أن إخبار الله - تعالى - في الماضي والمستقبل سواء؛ لأنه آت لا محالة، كقوله: ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار. وأمر الله عقابه لمن أقام على الشرك وتكذيب رسوله. قال الحسن وابن جريج والضحاك: إنه ما جاء به القرآن من فرائضه وأحكامه. وفيه بعد؛ لأنه لم ينقل أن أحدا من الصحابة استعجل فرائض الله من قبل أن تفرض عليهم، وأما مستعجلو العذاب والعقاب فذلك منقول عن كثير من كفار قريش وغيرهم، حتى قال النضر بن الحارث: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية، فاستعجل العذاب.
قلت: قد يستدل الضحاك بقول عمر - رضي الله عنه -: وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر؛ خرجه مسلم والبخاري. وقد تقدم في سورة البقرة. وقال الزجاج: هو ما وعدهم به من المجازاة على كفرهم، وهو كقوله: حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور. وقيل: هو يوم القيامة أو ما يدل على قربها من أشراطها. قال ابن عباس: لما نزلت اقتربت الساعة وانشق القمر قال الكفار: إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت، فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون، فأمسكوا وانتظروا فلم يروا شيئا، فقالوا: ما نرى شيئا فنزلت اقترب للناس حسابهم الآية. فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة، فامتدت الأيام فقالوا: ما نرى شيئا فنزلت أتى أمر الله فوثب رسول الله - ﷺ - والمسلمون وخافوا؛ فنزلت فلا تستعجلوه فاطمأنوا، فقال النبي - ﷺ -: بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بأصبعيه: السبابة والتي تليها. يقول: إن كادت لتسبقني فسبقتها. وقال ابن عباس: كان بعث النبي - ﷺ - من أشراط الساعة، وأن جبريل لما مر بأهل السماوات مبعوثا إلى محمد - ﷺ - قالوا الله أكبر، قد قامت الساعة.
قوله تعالى: سبحانه وتعالى عما يشركون أي تنزيها له عما يصفونه به من أنه لا يقدر على قيام الساعة، وذلك أنهم يقولون: لا يقدر أحد على بعث الأموات، فوصفوه بالعجز الذي لا يوصف به إلا المخلوق، وذلك شرك. وقيل: عما يشركون أي عن إشراكهم. وقيل: ما بمعنى الذي أي ارتفع عن الذين أشركوا به.