[7:9] - الأعراف - ابن كثير

[7:9] - الأعراف - ابن كثير

ابن كثير

﴿وَمَن خَفَّت مَوازينُهُ فَأُولئِكَ الَّذينَ خَسِروا أَنفُسَهُم بِما كانوا بِآياتِنا يَظلِمونَ﴾ [ الأعراف - 7:9 ]

يقول تبارك وتعالى: ( والوزن ) أي: للأعمال يوم القيامة ) الحق ) أي: لا يظلم تعالى أحدا، كما قال تعالى: ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) [ الأنبياء: 47 ] وقال تعالى: ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) [ النساء: 40 ] وقال تعالى: ( فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية ) [ القارعة: 6 - 11 ] وقال تعالى: ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ) [ المؤمنون: 101 - 103 ].

فصل:

والذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل: الأعمال وإن كانت أعراضا، إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساما.

قال البغوي: يروى هذا عن ابن عباس كما جاء في الصحيح من أن " البقرة " و" آل عمران " يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان - أو: غيايتان - أو فرقان من طير صواف. من ذلك في الصحيح قصة القرآن وأنه يأتي صاحبه في صورة شاب شاحب اللون، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا القرآن الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك وفي حديث البراء، في قصة سؤال القبر: " فيأتي المؤمن شاب حسن اللون طيب الريح، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح " وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق.

وقيل: يوزن كتاب الأعمال، كما جاء في حديث البطاقة، في الرجل الذي يؤتى به ويوضع له في كفة تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر، ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها: " لا إله إلا الله " فيقول: يا رب، وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول الله تعالى: إنك لا تظلم. فتوضع تلك البطاقة في كفة الميزان. قال رسول الله ﷺ: " فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة "

رواه الترمذي بنحو من هذا وصححه.

وقيل: يوزن صاحب العمل، كما في الحديث: " يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين، فلا يزن عند الله جناح بعوضة " ثم قرأ: ( فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) [ الكهف: 105 ].

وفي مناقب عبد الله بن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: " أتعجبون من دقة ساقيه، فوالذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد "

وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحا، فتارة توزن الأعمال، وتارة توزن محالها، وتارة يوزن فاعلها، والله أعلم.

Report Page