[19:73] - مريم - الطبري

[19:73] - مريم - الطبري

ابن جرير الطبري

﴿وَإِذا تُتلى عَلَيهِم آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذينَ كَفَروا لِلَّذينَ آمَنوا أَيُّ الفَريقَينِ خَيرٌ مَقامًا وَأَحسَنُ نَدِيًّا﴾ [ مريم - 19:73 ]

يقول تعالى ذكره: ( وإذَا تُتْلَى ) على الناس ( آياتُنا ) التي أنـزلناها على رسولنا محمد ( بَيِّنَات )، يعني واضحات لمن تأمَّلها وفكَّر فيها أنها أدلة على ما جعلها الله أدلة عليه لعباده، ( قال الذين كفروا بالله ) وبكتابه وآياته، وهم قريش، ( لِلَّذِينَ آمَنُوا ) فصدّقوا به، وهم أصحاب محمد ( أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا ) يَعْني بالمقام: موضع إقامتهم، وهي مساكنهم ومنازلهم ( وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) وهو المجلس، يقال منه: ندوت القوم أندوهم ندوا: إذا جمعتهم في مجلس، ويقال: هو في نديّ قومه وفي ناديهم: بمعنى واحد، ومن النديّ قول حاتم:

ودُعِيــتُ فـي أُولـي النَّـدِيّ ولَـمْ

يُنْظَـــرْ إلــيَّ بــأعْيُنٍ خُــزْرِ (1)

وتأويل الكلام: وإذا تتلى عليهم آياتنا بيِّنات، قال الذين كفروا للذين آمنوا: أيّ الفريقين منا ومنكم أوسع عيشا، وأنعم بالا وأفضل مسكنا، وأحسن مجلسا، وأجمع عددا وغاشية في المجلس، نحن أم أنتم؟

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، قوله ( خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) قال: المقام: المنـزل، والنديّ: المجلس.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ عن شعبة، عن سليمان، عن أبى ظَبيان، عن ابن عباس بمثله.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) قال: المقام: المسكن، والنديّ، المجلس والنعمة والبهجة التي كانوا فيها، وهو كما قال الله لقوم فرعون، حين أهلكهم وقصّ شأنهم في القرآن فقال كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ فالمقام: المسكن والنعيم، والنديّ: المجلس والمجمع الذي كانوا يجتمعون فيه، وقال الله فيما قصّ على رسوله في أمر لوط إذ قال وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ، والعرب تسمي المجلس: النادي.

حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) يقول: مجلسا.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله ( أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ ) قال: قريش تقولها لأصحاب محمد ﷺ ( وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) قال: مجالسهم، يقولونه أيضا.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين قال: ثنِي حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) رأوا أصحاب محمد ﷺ في عيشهم خشونة، وفيهم قشافة، فعرّض أهل الشرك بما تسمعون. قوله ( وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) يقول: مجلسا.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) قال: النديّ، المجلس، وقرأ قول الله تعالى فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ قال: مجلسه.

------------------------

الهوامش:

(1) البيت لحاتم الطائي، من شعره في كتاب ( شعراء النصرانية: القسم الأول ص 115 ) وفي ( اللسان: ندى ): والندى: المجالسة وناديته: جالسته، وتنادوا: تجالسوا في النادي، والندي: المجلس ما داموا مجتمعين فيه، فإذا تفرقوا عنه فليس بندي. وقيل: الندي: مجلس القوم نهارا عن كراع. والنادي: كالندي. التهذيب: النادي المجلس، يندو إليه من حواليه، ولا يسمى ناديا حتى يكون فيه أهله، وإذا تفرقوا لم يكن ناديا، وهو الندي، والجمع الأندية. أه. الخزر: جمع خزراء من الخزر، وهو كما في ( اللسان: خزر ) كسر العين بصرها خلقة. وقيل: هو ضيق العين وصغرها. وقيل هو النظر الذي كأنه في أحد الشقين، ثم استشهد ببيت حاتم، وقد استشهد المؤلف به، على أن معنى الندي: مجلس القوم.

Report Page