[19:13] - مريم - القرطبي
القرطبي﴿وَحَنانًا مِن لَدُنّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا﴾ [ مريم - 19:13 ]
قوله تعالى: وحنانا من لدنا حنانا عطف على الحكم. وروي عن ابن عباس أنه قال: والله ما أدري ما ( الحنان ). وقال جمهور المفسرين: الحنان الشفقة والرحمة والمحبة؛ وهو فعل من أفعال النفس. النحاس: وفي معنى الحنان عن ابن عباس قولان: أحدهما: قال: تعطف الله - عز وجل - عليه بالرحمة، والقول الآخر ما أعطيه من رحمة الناس حتى يخلصهم من الكفر والشرك. وأصله من حنين الناقة على ولدها. ويقال: حنانك وحنانيك؛ قيل: هما لغتان بمعنى واحد. وقيل: حنانيك تثنية الحنان. وقال أبو عبيدة: والعرب تقول: حنانك يا رب وحنانيك يا رب بمعنى واحد؛ تريد رحمتك. وقال امرؤ القيس:
ويمنحها بنو شمجى بن جرم معيزهم حنانك ذا الحنان
وقال طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض
وقال الزمخشري: حنانا رحمة لأبويه وغيرهما وتعطفا وشفقة؛ وأنشد سيبويه:
فقالت حنان ما أتى بك هاهنا أذو نسب أم أنت بالحي عارف
قال ابن الأعرابي: الحنان من صفة الله تعالى مشددا الرحيم. والحنان مخفف: العطف والرحمة. والحنان: الرزق والبركة. ابن عطية: والحنان في كلام العرب أيضا ما عظم من الأمور في ذات الله تعالى؛ ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل في حديث بلال: والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حنانا؛ وذكر هذا الخبر الهروي؛ فقال: وفي حديث بلال ومر عليه ورقة بن نوفل وهو يعذب، فقال: والله لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا؛ أي لأتمسحن به. وقال الأزهري: معناه لأتعطفن عليه ولأترحمن عليه لأنه من أهل الجنة.
قلت: فالحنان العطف، وكذا قال مجاهد. وحنانا أي تعطفا منا عليه أو منه على الخلق؛ قال الحطيئة:
تحنن علي هداك المليك فإن لكل مقام مقالا
عكرمة: محبة. وحنة الرجل امرأته لتوادهما؛ قال الشاعر:
فقالت حنان ما أتى بك هاهنا أذو نسب أم أنت بالحي عارف
قوله تعالى: وزكاة الزكاة التطهير والبركة والتنمية في وجوه الخير والبر؛ أي جعلناه مباركا للناس يهديهم. وقيل: المعنى زكيناه بحسن الثناء عليه كما تزكي الشهود إنسانا. وقيل: زكاة صدقة به على أبويه؛ قاله ابن قتيبة.
وكان تقيا أي مطيعا لله تعالى، ولهذا لم يعمل خطيئة ولم يلم بها.