[16:9] - النحل - الطبري
ابن جرير الطبري﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصدُ السَّبيلِ وَمِنها جائِرٌ وَلَو شاءَ لَهَداكُم أَجمَعينَ﴾ [ النحل - 16:9 ]
يقول تعالى ذكره: وعلى الله أيها الناس بيان طريق الحقّ لكم، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضلّ فإنما يضلّ عليها، والسبيل: هي الطريق، والقصد من الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، كما قال الراجز:
فَصَدَّ عَنْ نَهْجِ الطَّرِيقِ القاصِدِ (3)
وقوله ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ) يعني تعالى ذكره: ومن السبيل جائر عن الاستقامة معوجّ، فالقاصد من السبيل: الإسلام، والجائر منها: اليهودية والنصرانية، وغير ذلك من ملل الكفر كلها جائر عن سواء السبيل وقصدها، سوى الحنيفية المسلمة، وقيل: ومنها جائر، لأن السبيل يؤنث ويذكر، فأنثت في هذا الموضع، وقد كان بعضهم يقول: وإنما قيل: ومنها، لأن السبيل وإن كان لفظها لفظ واحد فمعناها الجمع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) يقول: البيان.
حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) يقول: على الله البيان، أن يبين الهدى والضلالة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن. قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) قال: طريق الحقّ على الله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) يقول: على الله البيان، بيان حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) قال: السبيل: طريق الهدى.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) قال: إنارتها.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) يقول: على الله البيان، يبين الهدى من الضلالة، ويبين السبيل التي تفرّقت عن سبله، ومنها جائر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ): أي من السبل، سبل الشيطان، وفي قراءة عبد الله بن مسعود: " وَمِنْكُمْ جَائِرٌ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَهَدَاكُمْ أجمَعِينَ".
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ) قال: في حرف ابن مسعود: " وَمِنْكُمْ جَائِرٌ".
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ) يعني: السبل المتفرّقة.
حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ) يقول: الأهواء المختلفة.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ) يعني السبل التي تفرّقت عن سبيله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ) السبل المتفرقة عن سبيله.
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَمِنْهَا جَائِرٌ ) قال: من السبل جائر عن الحقّ قال: قال الله وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
وقوله ( وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) يقول: ولو شاء الله للطف بجميعكم أيها الناس بتوفيقه، فكنتم تهتدون وتلزمون قصد السبيل، ولا تجورون عنه، فتتفرّقون في سبل عن الحقّ جائرة.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) قال: لو شاء لهداكم أجمعين لقصد السبيل، الذي هو الحقّ، وقرأ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا الآية، وقرأ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ... الآية.
------------------------
الهوامش:
(3) البيت شاهد على أن الطريق القاصد معناه: المستقيم. قال في اللسان: القصد: استقامة الطريق، قصد يقصد قصدا فهو قاصد، وقوله تعالى: ( وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ) أي على الله تبيين الطريق المستقيم، والدعاء بالحجج والبراهين الواضحة. " ومنها جائر " أي ومنها طريق غير قاصد.
وطريق قاصد: سهل مستقيم.