[15:87] - الحجر - ابن كثير

[15:87] - الحجر - ابن كثير

ابن كثير

﴿وَلَقَد آتَيناكَ سَبعًا مِنَ المَثاني وَالقُرآنَ العَظيمَ﴾ [ الحجر - 15:87 ]

يقول تعالى لنبيه: كما آتيناك القرآن العظيم، فلا تنظرن إلى الدنيا وزينتها، وما متعنا به أهلها من الزهرة الفانية لنفتنهم فيه، فلا تغبطهم بما هم فيه، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات حزنا عليهم في تكذيبهم لك، ومخالفتهم دينك. ( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ) [ الشعراء: 215 ] أي: ألن لهم جانبك كما قال تعالى: ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) [ التوبة: 128 ]

وقد اختلف في السبع المثاني: ما هي؟

فقال ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والضحاك وغير واحد: هي السبع الطول. يعنون: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، نص عليه ابن عباس، وسعيد بن جبير.

وقال سعيد: بين فيهن الفرائض، والحدود، والقصص، والأحكام.

وقال ابن عباس: بين الأمثال والخبر والعبر

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي عمر قال: قال سفيان: ( المثاني ) المثنى: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال وبراءة سورة واحدة.

قال ابن عباس: ولم يعطهن أحد إلا النبي - ﷺ - وأعطي موسى منهن ثنتين.

رواه هشيم، عن الحجاج، عن الوليد بن العيزار عن سعيد بن جبير عنه.

[ و] قال الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أوتي النبي - ﷺ - سبعا من المثاني الطول، وأوتي موسى - عليه السلام - ستا، فلما ألقى الألواح ارتفع اثنتان وبقيت أربع.

وقال مجاهد: هي السبع الطول. ويقال: هي القرآن العظيم.

وقال خصيف، عن زياد بن أبي مريم في قوله تعالى: ( سبعا من المثاني ) قال: أعطيتك سبعة أجزاء: آمر، وأنهى، وأبشر وأنذر، وأضرب الأمثال، وأعدد النعم، وأنبئك بنبأ القرآن. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.

والقول الثاني: أنها الفاتحة، وهي سبع آيات. روي ذلك عن عمر وعلي، وابن مسعود، وابن عباس. قال ابن عباس: والبسملة هي الآية السابعة، وقد خصكم الله بها. وبه قال إبراهيم النخعي، وعبد الله بن عبيد بن عمير، وابن أبي مليكة، وشهر بن حوشب، والحسن البصري، ومجاهد.

وقال قتادة: ذكر لنا أنهن فاتحة الكتاب، وأنهن يثنين في كل قراءة. وفي رواية: في كل ركعة مكتوبة أو تطوع.

واختاره ابن جرير، واحتج بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد قدمناها في فضائل سورة " الفاتحة " في أول التفسير، ولله الحمد.

وقد أورد البخاري - رحمه الله - هاهنا حديثين:

أحدهما: قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد بن المعلى قال: مر بي النبي - ﷺ - وأنا أصلي، فدعاني فلم آته حتى صليت، ثم أتيته فقال: " ما منعك أن تأتيني؟ ". فقلت: كنت أصلي. فقال: " ألم يقل الله: ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ) [ الأنفال: 24 ] ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد؟ " فذهب النبي - ﷺ - ليخرج، فذكرته فقال: " ( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة: 2 ] هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته "

[ و] الثاني: قال: حدثنا آدم، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثنا المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: " أم القرآن هي: السبع المثاني والقرآن العظيم "

فهذا نص في أن الفاتحة السبع المثاني والقرآن العظيم، ولكن لا ينافي وصف غيرها من السبع الطول بذلك، لما فيها من هذه الصفة، كما لا ينافي وصف القرآن بكماله بذلك أيضا، كما قال تعالى: ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ) [ الزمر: 23 ] فهو مثاني من وجه، ومتشابه من وجه، وهو القرآن العظيم أيضا، كما أنه - عليه السلام - لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى، فأشار إلى مسجده، والآية نزلت في مسجد قباء، فلا تنافي، فإن ذكر الشيء لا ينفي ذكر ما عداه إذا اشتركا في تلك الصفة، والله أعلم.

Report Page