مشروعية جهاد الطلب
سُني﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأَشهُرُ الحُرُمُ فَاقتُلُوا المُشرِكينَ حَيثُ وَجَدتُموهُم وَخُذوهُم وَاحصُروهُم وَاقعُدوا لَهُم كُلَّ مَرصَدٍ فَإِن تابوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلّوا سَبيلَهُم إِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [التوبة: ٥]
[[ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْحَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ». ]]
[[ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ . ]]
📚 صحيح البخاري
[[ ثمَّ قالَ : ألا أخبرُكَ بِرَأسِ الأَمرِ كلِّهِ وعمودِهِ ، وذِروةِ سَنامِهِ ؟ قلتُ : بلى يا رسولَ اللَّهِ ، قالَ : رأسُ الأمرِ الإسلامُ ، وعمودُهُ الصَّلاةُ ، وذروةُ سَنامِهِ الجِهادُ ]]
📚 رواه الترمذي وصححه الألباني
[[ ١٦ - والغزو مَاض مَعَ الإِمَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة الْبر والفاجر لَا يتْرك ]]
📚 أصول السنة للإمام أحمد
[[ وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ إقَامَةِ الدِّينِ بِالسُّلْطَانِ وَالْجِهَادِ فَفَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ النَّصِيحَةِ بِقَلْبِهِ وَالدُّعَاءِ لِلْأُمَّةِ وَمَحَبَّةِ الْخَيْرِ وَفَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَيْرِ: لَمْ يُكَلَّفْ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ؛ فَإِنَّ قِوَامَ الدِّينِ بِالْكِتَابِ الْهَادِي وَالْحَدِيدِ النَّاصِرِ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى. فَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ الِاجْتِهَادُ فِي اتِّفَاقِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيدُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِطَلَبِ مَا عِنْدَهُ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ فِي ذَلِكَ؛ ثُمَّ الدُّنْيَا تَخْدِمُ الدِّينَ كَمَا قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ]]
📚 مجموع الفتاوى لابن تيمية
[[ وَإِنْ قَالَ: كُلَّ آيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجِهَادِ.قيل لَهُ الْجِهَادُ شُرِعَ عَلَى مَرَاتِبَ، فَأَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ الْإِذْنَ بِقَوْلِهِ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج: ٣٩] . فَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذِهِ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نَزَلَ وُجُوبُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ [البقرة: ٢١٦] . وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِقِتَالِ مَنْ طَلَبَ مُسَالَمَتَهُمْ، بَلْ قَالَ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا - إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ - أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ - وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٨٩ - ٩٠] . وَكَذَلِكَ مَنْ هَادَنَهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَأْمُورِينَ بِقِتَالِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْهُدْنَةُ عَقْدًا جَائِزًا غَيْرَ لَازِمٍ. ثُمَّ أَنْزَلَ فِي (بَرَاءَةَ) الْأَمْرَ بِنَبْذِ الْعُهُودِ، وَأَمَرَهُمْ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً، وَأَمَرَهُمْ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا لَمْ يُسْلِمُوا حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، وَلَمْ يُبِحْ لَهُمْ تَرْكَ قِتَالِهِمْ وَإِنْ سَالَمُوهُمْ وَهَادَنُوهُمْ هُدْنَةً مُطْلَقَةً مَعَ إِمْكَانِ جِهَادِهِمْ. ]]
📚 الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية
[[ (وَيُغْزَى مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ) يَعْنِي مَعَ كُلِّ إمَامٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَسُئِلَ، عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ: أَنَا لَا أَغْزُو وَيَأْخُذُهُ وَلَدُ الْعَبَّاسِ، إنَّمَا يُوَفَّرُ الْفَيْءُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، هَؤُلَاءِ قَوْمُ سُوءٍ، هَؤُلَاءِ الْقَعَدَةُ، مُثَبِّطُونَ جُهَّالٌ، فَيُقَالُ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ قَعَدُوا كَمَا قَعَدْتُمْ، مَنْ كَانَ يَغْزُو؟ أَلَيْسَ كَانَ قَدْ ذَهَبَ الْإِسْلَامُ؟ مَا كَانَتْ تَصْنَعُ الرُّومُ؟ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ؛ بَرًّا كَانَ، أَوْ فَاجِرًا.» وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ؛ الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، لَا نُكَفِّرُهُ بِذَنْبٍ، وَلَا نُخْرِجُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ، وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ، وَالْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ»
وَلِأَنَّ تَرْكَ الْجِهَادِ مَعَ الْفَاجِرِ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الْجِهَادِ، وَظُهُورِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاسْتِئْصَالِهِمْ، وَظُهُورِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَفِيهِ فَسَادٌ عَظِيمٌ
، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾ [البقرة: ٢٥١] ]]
[[ وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْقِتَالِ فِي عَامٍ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَجَبَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَوَجَبَ مِنْهُ مَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ. ]]
📚 المغني لابن قدامة المقدسي الحنبلي
🟥 مراتب تشريع الجهاد عند الإمام الشافعي
◾النهي عن مبادرة المشركين بالقتال
◾قتال المشركين إن قاتلوا أهل الإسلام
◾قتال المشركين مطلقاً وعدم التخلف عن ذلك لغير عذر
[[ وَيُقَالُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إنَّ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾.
لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا ﷺ أَنْزَلَ عَلَيْهِ فَرَائِضَهُ كَمَا شَاءَ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ثُمَّ أَتْبَعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَرْضًا بَعْدَ فَرْضٍ فِي حِينٍ غَيْرِ حِينِ الْفَرْضِ قَبْلَهُ.
وَيُقَالُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إنَّ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ بَعْدَهَا مَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِأَنْ يَدْعُوَ إلَيْهِ الْمُشْرِكِينَ فَمَرَّتْ لِذَلِكَ مُدَّةٌ.
ثُمَّ يُقَالُ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَنْ اللَّهِ بِأَنْ يُعَلِّمَهُمْ نُزُولَ الْوَحْيِ عَلَيْهِ وَيَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَخَافَ التَّكْذِيبَ وَأَنْ يُتَنَاوَلَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ فَقَالَ يَعْصِمُك مِنْ قَتْلِهِمْ أَنْ يَقْتُلُوك حِينَ تُبَلِّغُ مَا أُنْزِلَ إلَيْك فَلَمَّا أُمِرَ بِهِ فَاسْتَهْزَأَ بِهِ قَوْمٌ فَنَزَلَ عَلَيْهِ ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ - إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾.
وَأَعْلَمَهُ مَنْ عَلِمَهُ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِهِ فَقَالَ ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا - أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا﴾ قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى ﴿بَشَرًا رَسُولا﴾
وَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿ فِيمَا يُثَبِّتُهُ بِهِ إذَا ضَاقَ مِنْ أَذَاهُمْ ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ إلَى آخِرِ السُّورَةِ. فَفَرَضَ عَلَيْهِ إبْلَاغَهُمْ وَعِبَادَتَهُ، وَلَمْ يَفْرِضْ عَلَيْهِ قِتَالَهُمْ وَأَبَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِعُزْلَتِهِمْ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ - لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ وَقَوْلُهُ ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ﴾ قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ: وَقَوْلُهُ ﴿مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ﴾ مَعَ أَشْيَاءَ ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى وَأَمَرَهُمْ اللَّهُ بِأَنْ لَا يَسُبُّوا أَنْدَادَهُمْ فَقَالَ ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ الْآيَةُ مَعَ مَا يُشْبِهُهَا.
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ هَذَا فِي الْحَالِ الَّتِي فَرَضَ فِيهَا عُزْلَةَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ مِمَّا فَرَضَ عَلَيْهِ فَقَالَ ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا﴾ قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾.وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ مُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ زَمَانًا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ فِيهِ بِالْهِجْرَةِ مِنْهَا ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ بِالْهِجْرَةِ وَجَعَلَ لَهُمْ مَخْرَجًا فَيُقَالُ نَزَلَتْ ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ فَأَعْلَمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ بِالْهِجْرَةِ مَخْرَجًا وَقَالَ ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾ الْآيَةَ. وَأَمَرَهُمْ بِبِلَادِ الْحَبَشَةِ فَهَاجَرَتْ إلَيْهَا مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ثُمَّ دَخَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الْإِسْلَامِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَائِفَةً فَهَاجَرَتْ إلَيْهِمْ غَيْرَ مُحَرِّمٍ عَلَى مَنْ بَقِيَ تَرْكَ الْهِجْرَةِ إلَيْهِمْ وَذَكَرَ اللَّه جَلَّ ذِكْرُهُ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَقَالَ ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ ﷺ بِالْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يُحَرِّمْ فِي هَذَا عَلَى مَنْ بَقِيَ بِمَكَّةَ الْمُقَامَ بِهَا وَهِيَ دَارُ شِرْكٍ، وَإِنْ قَلُّوا بِأَنْ يُفْتَنُوا، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ بِجِهَادٍ. ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ بِالْجِهَادِ، ثُمَّ فُرِضَ بَعْدَ هَذَا عَلَيْهِمْ أَنْ يُهَاجِرُوا مِنْ دَارِ الشِّرْكِ، وَهَذَا مَوْضُوعٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
فَأَذِنَ لَهُمْ بِأَحَدِ الْجِهَادَيْنِ بِالْهِجْرَةِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمْ بِأَنْ يَبْتَدِئُوا مُشْرِكًا بِقِتَالٍ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ بِأَنْ يَبْتَدِئُوا الْمُشْرِكِينَ بِقِتَالٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ - الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ الْآيَةُ، وَأَبَاحَ لَهُمْ الْقِتَالَ بِمَعْنَى أَبَانَهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ - وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى ﴿كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾.
يُقَالُ: نَزَلَ هَذَا فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَهُمْ كَانُوا أَشَدَّ الْعَدُوِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَفُرِضَ عَلَيْهِمْ فِي قِتَالِهِمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ ثُمَّ يُقَالُ: نُسِخَ هَذَا كُلُّهُ وَالنَّهْيُ عَنْ الْقِتَالِ حَتَّى يُقَاتَلُوا وَالنَّهْيُ عَنْ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ بِقَوْلِ اللَّهِ ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ الْآيَةُ وَنُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْجِهَادِ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ فِي مَوْضِعِهَا.
وَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ الْجِهَادَ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ وَجَاهَدَ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ إذْ كَانَ أَبَاحَهُ وَأَثْخَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَرَأَوْا كَثْرَةَ مَنْ دَخَلَ فِي دِينِ اللَّهِ اشْتَدُّوا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَفَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، أَوْ مَنْ فَتَنُوا مِنْهُمْ فَعَذَرَ اللَّهُ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْ الْمَفْتُونِينَ فَقَالَ ﴿إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ وَبَعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَكُمْ مَخْرَجًا وَفَرَضَ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَى الْهِجْرَةِ الْخُرُوجَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُفْتَنُ عَنْ دِينِهِ، وَلَا يُمْتَنَعُ» فَقَالَ فِي رَجُلٍ مِنْهُمْ تُوُفِّيَ تَخَلَّفَ عَنْ الْهِجْرَةِ فَلَمْ يُهَاجِرْ ﴿الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ﴾ الْآيَةَ. وَأَبَانَ اللَّهُ عُذْرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَقَالَ ﴿إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً﴾ إلَى «رَحِيمًا».
وَيُقَالُ «عَسَى» مِنْ اللَّهِ وَاجِبَةٌ.
وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ أَطَاقَهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ بِالْبَلَدِ الَّذِي يُسْلِمُ بِهَا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَذِنَ لِقَوْمٍ بِمَكَّةَ أَنْ يُقِيمُوا بِهَا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ مِنْهُمْ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَغَيْرُهُ إذْ لَمْ يَخَافُوا الْفِتْنَةَ «وَكَانَ يَأْمُرُ جُيُوشَهُ أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ أَسْلَمَ إنْ هَاجَرْتُمْ فَلَكُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَإِنْ أَقَمْتُمْ فَأَنْتُمْ كَأَعْرَابٍ وَلَيْسَ يُخَيِّرُهُمْ إلَّا فِيمَا يَحِلُّ لَهُمْ».
وَلَمَّا مَضَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُدَّةٌ مِنْ هِجْرَتِهِ أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا عَلَى جَمَاعَةٍ بِاتِّبَاعِهِ حَدَثَتْ لَهُمْ بِهَا مَعَ عَوْنِ اللَّهِ قُوَّةٌ بِالْعَدَدِ لَمْ تَكُنْ قَبْلَهَا فَفَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الْجِهَادَ بَعْدَ إذْ كَانَ إبَاحَةً لَا فَرْضًا فَقَالَ ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾ وَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ الْآيَةَ. وَقَالَ ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ وَقَالَ ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ وَقَالَ ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾ وَقَالَ ﴿مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ﴾ إلَى قَدِيرٌ وَقَالَ ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾ الْآيَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْمًا تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِمَّنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ فَقَالَ ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ﴾ الْآيَةَ، فَأَبَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ عَلَيْهِمْ الْجِهَادَ فِيمَا قَرُبَ وَبَعُدَ بَعْدَ إبَانَتِهِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَكَان فِي قَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ﴾ قَرَأَ الرَّبِيعُ إلَى ﴿أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وَسَنُبَيِّنُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَضَرَنَا عَلَى وَجْهِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ وَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ وَقَالَ ﴿وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ مَعَ مَا ذُكِرَ بِهِ فَرْضُ الْجِهَادِ وَأُوجِبَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِ عَنْهُ. ]]
📚 الأم للشافعي
🟥 دحض تشبيهات الزنادقة لإبطال جهاد الطلب في القرآن
🟥 خيار الجزية لأهل الكتاب والمجوس أما أهل الأوثان فلهم السيف أو الإسلام
🟥 مشروعية قتل الأسرى
🟥 السبي ينال عموم أهل دار الحرب
🟥 يجوز قتال الكفار قبل دعائهم وتبييتهم ورميهم بالمنجنيق
🟥 جواز قتل النساء والصبيان والشيوخ إن قاتلوا
[[ ولا يقتل منهم صبي ولا مجنون ولا امرأة ولا راهب ولا شيخ فان ولا زمن ولا من لا رأي لهم إلا أن يقاتلوا ]]
📚 عمدة الفقه لابن قدامة المقدسي الحنبلي
🟥 في جواز قطع النخيل و عقر الأفراس عند الحاجة
[[ فصل :
قال: «فأما قطع نخيلهم، وإحراقُ أموالهم ... إلى آخره» .
١١٣٤٧ - إذا أراد المسلمون قطع النخيل التي في دار الكفر، وإحراق الأموال، نُظر: فإن كانوا يرجون أن تصير للمسلمين، لم يجز. وإن بعد الرجاء فيه، جاز ذلك، ولكن على شرط ألاّ يلهيَهم ذلك عن الاشتغال بالأهم، وهو القتال والتشمير لوجوه الحزم فيه، وقد روي «أن رسول الله ﷺ قطع نخيلًا بخيبرَ والطائف» ، «وأمر بقطع نخيل بني النضير، فنادى واحدٌ من الحصن: إن هذا فسادٌ يا محمد، وإنك تنهى عن الفساد، فتركه» .
وفي هذا الفصل استدراك؛ فإن اليأس عن مصير الأشجار للمسلمين غير ممكن، حتى يخصص القطعُ بها، وقد روي أن رسول الله ﷺ قطع نخيلًا بخيبر والطائف، ثم صارت الناحيتان في زمن رسول الله ﷺ للمسلمين، فقد يغمُض على ذلك إطلاق القول بأن قطع النخيل لا يجوز حيث نرجو أن يصير للمسلمين؛ فإنها ليست مملوكة لنا في الحال، وليست لها حرمة الحيوانات، فالكراهية ألْيق بهذا المقام من التحريم. والله أعلم.
ويمكن أن يقال: ما يتعلّق بالاستصواب، ويرتبط برأي الإمام، فما يراه صوابًا، لا يجوز لنا مخالفته، كما لا يترك الولي ما يظنه غبطة للطفل. وفي المسألة احتمال على حالٍ. والعلم عند الله تعالى.
١١٣٤٨ - وإن أدركونا، وفي أيدينا نساؤهم وصبيانهم، وعلمنا أنهم يستردونها ، فلا يجوز لنا أن نقتلهم لنغيظهم، وفي مثل هذا المقام، تحرق الأموال، ويقطع النخيل، ولا نبالي.
ثم قال الأئمة: كما لا يحلّ لنا قتل النساء والولدان إذا أدركونا، فكذلك لا يحل لنا قتل البهائم رعايةً لحرمة الروح بخلاف الأموال والأشجار المثمرة وغير المثمرة،
ويجوز عقر الفرس تحت الكافر؛ فإنه قد لا نتوصل إلى الكافر إلا بذلك، والفرس أداتُه وآلته، والأخبار في عقر الأفراس تحت الأبطال مشهورة. ]]
📚 نهاية المطلب في دراية المذهب للجويني الشافعي