التعامل مع الموافق والمخالف #1

التعامل مع الموافق والمخالف #1

سُني

🟥 محاولة أحمد السكري الانقلاب على البنا

[[ لقد حدثت من قبل محاولات عدة للإنقلاب على الأستاذ البنا نفسه وهو مؤسس الجماعة، ولكنها جميعاً باءت بالفشل وأدت إلى فصل أصحابها كما حدث مع أحمد السكرى فى أولى مراحل قيام الجماعة حيث كان السكرى يطمع فى قيادة الجماعة ووصل الأمر إلى فصله من الجماعة وكذلك انفصال شباب محمد الذين كانوا على علاقة بالأستاذ محمود شكرى وهو عالم إسلامي جليل، فكان يدرس لهم الإسلام من جديد وكان يقول لهم حين يلقاهم اخلعوا الأفكار التي علمها لكم البنا مع أحذيتكم خارج المنزل وبعد فلقد تمرد عليه مصطفى مؤمن حتى أدى الأمر فى النهاية إلى فصله، وهكذا فإن الطبيعة البشرية غلابة .. فهذا تاريخهم مملوء بالعلامات الواضحة التي تؤرخ للخلافات الشديدة والبأس بين الأفراد، حتى وإن ادّعوا غير ذلك وحاولوا الظهور بالملائكية، فإن الحقيقة تظهر دائماً صارخة للعيان ]]

[[ ومر بخاطرى ذلك الصراع الذى حدث قديماً، ولا يزال يحدث مع الرئاسة داخل الجماعة وتذكرت هذا الصراع الذى حدث أثناء وجود الأستاذ البنا، بسبب خلاف بينه وبين الأستاذ السكرى - وقد كان شريكاً له منذ البداية - والخلاف الذى وقع بينه وبين مصطفى مؤمن ـ وكان أحد الشباب اللامع داخل الجماعة - وأدى هذا كله إلى انفصال هؤلاء عن الجماعة ]]

🟥 حادثة فصل كبار أعضاء الجماعة وما تبعها

[[ إن تلك الشلل وهذه الصراعات التى تتم بغية السيطرة على الجماعة حدثت عدة مرات , من أبرزها المؤامرات التى تمت من قبل الثلاثي صلاح شادي وحسن عشماوي ومنير الدلة لتعيين حسن الهضيبي الذي أتوا به لتولى منصب المرشد بعد اغتيال حسن البنا . فلقد تم تعيين المرشد الحالي الأستاذ مهدي عاكف كمرحلة انتقالية لفترة لن تزيد على سنتين أو ثلاث على الأكثر لإعطاء الفرصة لتلميع وإظهار شخص آخر وإعداده لتولى هذا المنصب بعد ذلك، استبعاداً لآخرين كان يمكن أن تظهر أسماؤهم لتولى هذا المنصب هما عبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان لأن المطلوب هو تلميع وإظهار وإعداد الدكتور محمد السيد حبيب النائب الأول الحالى للمرشد العام الأستاذ محمد مهدي عاكف، فهو المؤهل لتولى منصب المرشد العام بعد أن يستقيل الأستاذ عاكف حين وصوله إلى سن الثمانين ، فإنهم في صراع مع الزمن لإعداد المرشد الجديد، فسوف يتولى بعد ذلك دون أى عناء ولا انتخابات ولا أى إجراء من الإجراءات المعتادة في مثل تلك الظروف، فسوف يتولى بسهولة بفترته الحالية كنائب أول للمرشد محمد وهكذا تم تنفيذ المخطط للاستيلاء على مقدرات الجماعة بسهولة ويسر هذه المرة وبأقل الخسائر  استفادةً من الدرس السابق الذي حدث مع صلاح شادى حينما أحضر الأستاذ حسن الهضيبي من خارج الجماعة ضرباً بخصومه المرشحين لتولى منصب المرشد العام بعد اغتيال الأستاذ حسن البنا وهم الشيخ صالح عشماوى أو الشيخ الباقورى أو الشيخ الغزالي، وهم على علاقة جيدة مع عدوه اللدود عبد الرحمن السندى والنظام الخاص الذى كان في صراع مستمر مع صلاح شادى ورفاقه خاصة منير الدلة الذي كان حديث عهد بالإخوان حيث دخل فى عام 1947 وقد وصف دخوله الجماعة وقتها أنه إدخال للكاديلاك والارستقراطية إلى قلب الحركة وكان الدلة قد ساهم بالكثير من ثروته كأحد كبار ملاك الوجه القبلى، وكان لهذه الأسباب مسموع الصوت فى اختيار حسن الهضيبي من خارج الجماعة رغم أنه ليس عضواً في مكتب الإرشاد، ولا حتى فى الهيئة التأسيسية وكأن من اختاروه يظنون أنه سيكون واجهة لهم يوجهونه كيف يشاءون، وقد عمل صلاح شادى الذى كان شديد التسلط والدكتاتورية على تصفية خصومه من أعضاء التنظيم الخاص، فقد استغلوا كراهية حسن الهضيبي للعنف والقتل وصورا له هؤلاء الخصوم على أنهم قتلة وسفاحون، حتى إنه رفض أن يقابل مجموعة من المفرج عنهم، وأن تلتقط معهم صورة تذكارية، فقال « أنا لا أقابل القتلة » وكان لهذا التصريح عمل السحر في تحفيز أعضاء النظام الخاص ضد الهضيبي. وكان من نتيجة ذلك وتمرد رجال السندى على القيادة الجديدة أن تم فصل السندى ومعه أحمد عادل كمال و أحمد زكى ومحمود الصباغ وهم يمثلون قيادة النظام الخاص. وقام أتباعهم بعد ذلك باحتلال المركز العام، ووصل الأمر إلى حــــد ذهاب بعضهم إلى منزل الهضيبي وقيام بعضهم بوضع المسدس فــــي رأســـــه ليجبره على إلغاء قرار الفصل، إلا أن حسن الهضيبي كان أكثر صلابة مما تصور الجميع وقام بفصل مجموعة أخرى حوالي ستين عضواً كان أبرزهم الشيخ محمد الغزالي والشيخ سيد سابق والشيخ يوسف القرضاوي وغيرهم. هكذا كانت المؤامرات التى دبرت للقفز على قيادة الجماعة وما أتت به من آثار سيئة كان أخرها دخول الإخوان إلى السجن. ]]

[[ وبدا للهضيبي أن المجموعة لن تتركه، ولكنه كان صلباً عنيداً جداً، فأصدر قراراً بفصل رؤساء النظام الأربعة عبد الرحمن السندي وأحمد زكي وأحمد عادل ومحمود الصباغ، ثم تلاها بكَشْف آخَر به حوالي ستين من القيادات المواليـــة للسندي منهم الشيخ الغزالي والسيد سابق ويوسف القرضاوي وغيرهم من المناوئين، و ترتب على ذلك اجتماعات من طرف مجموعة السندى لخلع الهضيبي. وفى نفس الوقت كان أفراد القيادة السابقة للنظام يتخوفون على ما لديهم من أسرار ، فذهب أحمد عادل كمال إلى أحد مرؤوسيه وكان مسئولاً عن النظام في شبرا وهو الأخ سيد عبده وترك عنده شنطة وجد بها جوازات سفر مصرية بدون أسماء وتقارير لمخابرات الإخوان عن حركة الجيش، وتحركات الجيش وتحركات السفارتين الأمريكية والبريطانية وتقارير عن تحركات الشيوعيين، وهكذا ترى كيف يفكر وماذا يبحثونه، وبعدها عمل أحمد عادل على تجميع مجموعة من الإخوان للذهاب و السؤال عن أسباب الفصل، فإذا لم يجب إجابة واضحة طالبوه بالاستقالة، ثم تذهب مجموعة أخرى إلى المركز العام للاعتصام هناك ومحاولة اختيار مرشد جديد، وكان من هؤلاء صالح عشماوى ومحمد الغزالي وعبد العزيز جلال وسيد سابق، وكان المفروض أن يختاروا صالح عشماوى مرشداً جديداً ، ذهب إلى منزل المرشد حوالي عشرين من شباب النظام الخاص من بينهم علي صديق وفتحى البوز ومحمود زينهم وعلى المنوفى ، اتفقوا على المنوفي لأنه أكثرهم هدوءاً , « زيادة أم مظاهرة ؟! »  فقالوا :  « زيادة »   ثم بدأ علي المنوفى بالكلام فقال:  « جئنا نسألك عن فصل قادة النظام »   ثم قال محمد حلمى فرغل « نحن لم نحضر للسؤال، ولكننا فقط تعبنا منك لأنك لا تعرف كيف تقود الجماعة ونحن نطالبك بالاستقالة »  فلما همّ بتركهم والخروج من الغرفة تصدى له محمد أحمد - وكان سكرتير السندي وفتحى البوز ومنعاه من الخروج وخلعا سماعة الهاتف فحاول الخروج من الباب المطل على السلم فلحق به على صديق ومحمود زينهم وقام ، زينهم بحمله وإعادته للغرفة، وهكذا تعاملوا مع الرجل الذي كان رمزاً للجماعة ومرشداً لها، أردت أن أروى هذا المشهد بالتفصيل حتى يرى القارئ كيفية تسوية أمورهم مع بعضهم البعض، فكيف يكون أخلاقهم مع الآخرين، وكيف هم إن حكموا، وما الذى يفعلونه مع الناس وهم حكام، إنه الدم والظلم والاستبداد باسم الله ! ثم تم احتلال المركز العام بقيادة النظام والاعتصام بداخله حتى يستقيل المرشد، وادعى البعض أن الشيخ سيد سابق ذهب لمقابلة جمال عبد الناصر، وقد عاد من عنده ليخبر الجميع أن جمال يؤيد الانقلاب على الهضيبي وأنه لن يتدخل فى الأمر ، كذلك ذهب سعيد رمضان مكلفاً من قبل المرشد لمقابلة صلاح سالم وزير الإرشاد يطلب منه عدم نشر هذه الأحداث في الصحف، وقد وافق صلاح سالم إلا أن جريدة عبد الناصر تنشر ما تشاء، وقد ذكر أحمد أبو الفتوح أن جمال عبد الناصر سمح له بالنشر، والمهم في هذه الملحمة التى شارك فيها المرشد ورجاله وصلاح شادي ورجاله، والسندى ورجاله ، وكلهم كان يخاطب جموع الإخوان عن السمع والطاعة حتى انتهى احتلال المركز العام بقيام المجموعات التابعة للأستاذ صلاح شادی بدخول المركز العام وطرد المتمردين منه وانتهت الأزمة ونجح صلاح شادي في تدعيم مركزه داخل الجماعة عن طريق المرشد الذى اختاره ]]

[[ لما حدثت قرارات الفصل ذهب عدد من المفصولين لمقابلة الأستاذ الهضيبي في منزله لمناقشة قرار فصلهم من الجماعة لكنه كان حاداً معهم. فاحتد بعضهم وطالبوه بالاستقالة، حتى أن "محمود زينهم" أشهر مسدسه في وجهه محاولاً إرغامه على توقيع الاستقالة ولكنهم فشلوا في ذلك فذهبوا جميعاً إلى المركز العام واعتصموا داخله، غير أن بعض الأخوة من الجانب الآخر حضروا إلى المركز وتمكنوا من السيطرة عليه وإجبارهم على الرحيل. وكان من أثر ذلك كله ظهور قائمة أخرى من المفصولين مما زاد الأمر تعقيداً، وترتب على ذلك أن اعتبر أعضاء النظام القديم مشكوكاً فــــي ولائهم، مما حدا بالقيادة الجديدة ترتيب لقاءات "مبايعة" على دفعات بينهم وبين الأستاذ الهضيبي بحضور المرحوم يوسف طلعت والقيادة الجديدة. ]]

[[ وتذكرت ذلك الصراع الذى حدث بين النظام القديم وبين القادة الذين أرادوا أن يسيطروا عليه، ولما لم يستطيعوا حطموه وانقلبوا على الجماعة وفصلوا القادة القدامى الذين قاموا بهذا العبء والجهد الضخم من قديم. وشكلوا نظاماً خاصاً جديداً لم يعرفوا كيف يديرونه. هؤلاء القادة الذين اشتروا سلاحاً، ولم يعرفوا أين يخبئونه ؟ فوضعوه في أحد المقابر، وكان رجال النظام القديم فى أثرهم يتتبعونهم وذهبوا وسرقوه منهم ]]

🟥 إزهاق الأرواح و القيام بعمليات " فدائية " الغرض منها صراع على إدارة الجماعة !

[[ كان أول ما فعله أنهم طلبوا منه أن تلتقط له بعض الصور مع أفراد النظام المفرج عنهم بعد عودة الجماعة من الحل فقال: "إنني لا أقف بين سفاحين وقتلة "، وكان هذا هو وَصْلُه لرجال النظام الخارجين من السجون. وكانت فرصة للرباعي - أولاد الذوات - المنفذين للانقلاب، والذين وصفهم الشيخ الغزالى فى كتابه بقوله : "وقد تعرض المركز العام نفسه لهذا الخلل، فتولى أمانة الجماعة رجل ليست له الصلاحية النفسية أو الفكرية لأى مركز قيادى فى دعوة مكافحة، وكان تأثير هذا الشخص غريباً في تقريب الجماعة من القصر الملكي، واصطدمت بتيارات شعبية واسعة النفوذ، ولم تكن للإسلام أدنى فائدة من هذه الخصومات، بل لقد عادت عليه بضرر شديد، ولا غرو فإن أعيان القرى وأقرباء الباشوات تربطهم أحوالهم بمصالحهم قبل أى شئ آخر" 📚من معالم الحق ص224.

وهكذا كانت الفرصة سانحة للأستاذ صلاح شادى أن يحكم قبضته على الإخوان بالسيطرة التى كان يحلم بها على النظام الخاص، والتخلص من عبد الرحمن السندى ورفاقه، فقد كان صراعه معهم في السابق قائماً على إحراجهم بعد أن ولاه الأستاذ البنا قسم الوحدات وهو قسم من النظام الخارج يندرج به الجند وضباط الصف من الجيش والبوليس. ومنذ أن تولى هذا القسم - فى سنة 1944 - سخره للقيام ببعض العمليات الفدائية ضد الإنجليز أولاً، مثل حادث القطار ثم حادث فندق الإسماعيلية، ولم يأخذ إذناً بالتنفيذ لا من عبدالرحمن السندى ولا من الأستاذ البنا، ثم قام بعد ذلك بعمليات تفجير في 1948/6/20 في حارة اليهود بالقاهرة، ثم مرة أخرى في 1948/9/22 ثم فجروا عبوات ناسفة أسفل شيكوريل في 1948/7/19. وكانت كل هذه العمليات غير ذات تأثير يذكر، ولكنها كانت جزءاً من خطة الأستاذ صلاح شادى فى إحراج السندى والنظام الخاص عموماً، حتى تحين له الفرصة للسيطرة والتى حانت بالفعل بعد تولى الأستاذ الهضيبي، فبدأ فى تنفيذ غرضه الذي يتلخص في الآتي :

أولاً : محاولة النفاذ إلى أفراد النظام مستنداً إلى هجوم الأستاذ الهضيبي عليهم، وظهور بعض الأصوات فى مكتب الإرشاد ترفض وجود إزدواج فى القيادة داخل الجماعة، وكان من أنصار هذا الرأى الأستاذان عمر التلمساني وعبد القادر عودة، وبالاستعانة بالأستاذين سيد فايز وحلمى عبد المجيد، بدأ صلاح شادى فى الاتصال بقيادات النظام، ولما علم السندى بذلك اعتبره خيانة من سيد فايز وقام بتصفيته.

ثانياً : كان كل من صلاح شادى والسندى على صلة بجمال عبد الناصر، كان كل منهما يرى أنه مسئول وموجه لجمال عبدالناصر قائد الإخوان بالقوات المسلحة. وفى اعتقادى أن جمال عبد الناصر قد "لعب" بهذا الصراع بين الاثنين وضرب بعضهما ببعض بذكاء شديد ومقدرة تحسب له. فقد كان يقابل كلاً منهما على حده، ويعطيه الإحساس بنفسه بالجندية والإيمان بالدعوة حتى قامت الثورة، واستفاد – بالفعل - من الإخوان في الدور الذي حدده لهم. كان الصراع بين الاثنين فى تصاعد مستمر، كان عبد الناصر يعمل على تغذية هذا الصراع حتى أن السندى - بعد فصله من الجماعة ـ كـــان على قناعة بأن جمال عبد الناصر هو تتويج لكفاح الجماعة، وأنه قام بالثورة ليقيم الحكم الإسلامي، وأنه - أى عبدالرحمن السندي – ينبغي أن يكون بمثابة الأب الروحى الذى يتابع ما يقوم به رجاله من أمور كبيرة ]]

🟥 فصل الباقوري لأنه قبل منصباً دون إذن القيادة

[[ في هذا الاجتماع نفسه سئل الأستاذ الهضيبي عن قبول الأستاذ الباقوري منصب الوزارة وقرار فصله من الجماعة .. وأجاب : "أن جمال عبدالناصر قد طلب منه ترشيح بعض الأسماء للاشتراك في الوزارة ولكنه رفض، فعاد عبد الناصر وطلب أن يشترك حسن عشماوى، ولكنه رفض، فذهب ـ بعد ذلك – يعرض الأمر على باقى الإخوان، ولم يوافق إلا الشيخ الباقورى، رغم علمه أن ذلك ضد رغبة القيادة، ولهذا تم فصله من الجماعة. ]]

🟥 التهديد بإبلاغ البوليس في حالة التحرك بدون إذن القيادة و الاتهام بالجاسوسية والمخابراتية

[[إن مكتب الإرشاد الحالى مطعم بمجموعة من الشباب إلى جانب الحرس القديم، وما كنت أتصور أن ينضم إلى مكتب الإرشاد مجموعة من فضيلة سنة 1965 منهم الدكتور محمود عزت إبراهيم والشيخ محمد الخطيب إلى جانب بعض رؤساء المناطق مثل السيد نزيلي محمد وغيره، وأذكر أن الأستاذ صلاح شادى حين أبلغ فى سنة 1965 بوجود هذا التنظيم وأصدر أوامره إلى المهندس مراد الزيات أن يبلغ البوليس عن هذا التنظيم !! إلى هذا الحد كان القرار غير مستند إلى شرع أو عقل ولكن إلى الهوى الشخصى و الغضب فكان المهم في نظرهم الطاعة والاستئذان أولاً وإلا إبلاغ البوليس ]]

[[ تعددت اللقاءات وبدأ التنظيم يأخذ شكلاً كبيراً يشمل الكثير من مدن الجمهورية، وانتظمت المجموعات التي تخدم القيادة مثل مجموعة الأعلام، المعلومات، التدريب .. وهكذا . وفى أحد الاجتماعات جاءنا خبر مزعج نقله إلينا الأخ مجدى عبدالعزيز - وكان على صلة بالأخ مراد الزيات زوج ابنة الأستاذ صلاح شادى – هذا الخبر مؤداه أن الأخ مراد يرى أن يكون هناك تنظيم بلا تنظيم – أي لا يأخذ شكلاً يقع تحت طائلة القانون – لأنـــه حـــين شعر بوجودنا أخبر الأستاذ صلاح شادي في السجن الذي أمره بأن يبلغ البوليس عنا ... !!! لأن وجودنا - إذا شعرت به أجهزة الأمن ـ سـوف يعرقل الإفراج عنهم.أصبنا برعب شديد حين سماع هذا الخبر ، وأحسست أنهم جادون في هذا الأمر، حاولنا عمل ما يمكن لوقف تلك الفكرة، وكنا نعلم أن الإخوان بنظامهم التقليدي قد اكتفوا بما حدث، وأن الأستاذ فريد عبد الخالق يعتبر مركز الاتصال الذي ارتضوه للاتصال بالوفود التى تأتى مــن الخــارج وبالإخوة في السجون وبالأستاذ الهضيبي، وأنه ـ أيضاً ـ ضد أى تحــــرك تنظيمي، فأرسلنا إلى الأستاذ الهضيبي فطلب منه إرسال توجيه للأستاذ فريد عبد الخالق ليكف يده عن الحركة الموجودة بل ويشارك معها. ولكن رد المرشد كان كالآتي : لن أقول للقاعد تحرك .. ولن أقول للمتحرك أقعد وبهذا حدد المرشد موقفه بوضوح، وأنه قرر أن يترك كل فرد يفعل ما يراه، وأن يقر كل مجموعة على رأيها حتى لو تعارضت المجموعات، وهذا الموقف يستحق أن نقف عنده للتأمل !! ]]

[[ أطلقت علينا بعد ذلك مجموعة صلاح شادى أننا جواسيس للحكومة أو للأمريكان أو لأى جهة المهم أننا جواسيس لأننا خرجنا عن رأيهم كمجموعة ، ولم نخرج على رأى الجماعة بدليل معرفة المرشد عنا وإقراره لوجودنا. وهنا يمكن بحث هذا السلوك والفكر الذي قاد انقلاباً داخل الجماعة ضد السندى ومجموعته ليقوموا بأحكام قبضتهم على الجماعة وتوجيهها إلى الوجهة التي يريدون، ولست بذلك أدافع عن السندى، ولكنى أقرر حقيقة ما حدث. بعد ذلك بسنوات قابلت الإخوة داخل السجون، وسألت الأستاذ محمد شاكر لخيل - وهو من أقرب المقربين إلى الأستاذ صلاح شادى عن تلك الواقعة التى أخبرنا بها الأخر مجدى عبد العزيز والخاصة بموقف صلاح شادى، فطلب مهلة للتحرى ، ثم أخبرني - بعد فترة ـ أنه سأل الأستاذ شادى عن هذا الأمر، وقد أنكره بشدة وقال : إنه لم يكن له أن يأمر بإبلاغ جهات الأمن عن إخوان له حتى لو اختلفوا في الرأي معه. ولما التقيت بالأستاذ صلاح شادى بعد ذلك وسألته عن تلك الواقعة أجاب أنه بالفعل قال ذلك وأنه لا ينكره. هكذا كانت الحياة داخل الجماعة، ولك أن تتصور أي نوع من الإحباط يأتيك إذا كنت من عشاق الحقيقة والمثالية في الفكر والسلوك ؟!! ]]

[[ في هذه الأثناء التي كنا فيها فى حمى الإعداد للمواجهة وإعداد الإخوان بالتدريبات المكثفة استعداداً لأى هجوم من الحكومة علينا. في ذا الجو الذي كنا فيه في قمة التوتر، جاءتنا أنباء - مرة أخرى – تفيد بأن عنا الأستاذ صلاح شادي أرسل إلى الأستاذ مراد الزيات يأمره بإبلاغ البوليس . لأننا لم نسر على رأيهم كقادة، وأننا انفردنا بالعمل دون إذن منهم وأنه اعتبر أنهم هم القيادة التي ينبغي ألا يخرج عليها أحد. ونسى أننا كنا قد اتصلنا بالمرشد الذي من المفروض أنه هو أيضاً يلتزم برأيه، ولكن هكذا كانت الحال، كل أنه يرى هو القائد، وكل يعطى تعليمات، ولا أحد يدرى من المسئول عن من ؟! ]]

[[ ثم تحدثنا في موضوع كان يقلقنا ويقض مضاجعنا، هو مسألة تهديد الأستاذ فريد عبد الخالق والأستاذ مراد الزيات والخوف من أن يبلغوا عنا و أن يكشفوا عملنا. وقال لنا : إن الأستاذ منير الدلة قد أخبره بشيء من هذا القبيل، وأنه حذره منا ومن الأستاذ عبد العزيز على ومن الحاجة زينب الغزالي، وقال: إن سبب خوفهم هو اتصالنا بالحاجة زينب وبالأستاذ عبدالعزيز على اللذين يعملان لصالح المخابرات الأمريكية. كان رأيه أن نترك له الأمر تماماً، وألا نشغل أنفسنا إلا بشيء واحد وهو إعادة بناء التنظيم وإعادة بناء الفكر كما سيرتبه لنا، وبالأسلوب الذى يراه هو، وقد ورد ذلك المعنى في كتابه حيث قال : { كذلك كان الأستاذ منير الدلة قد قال لي أثناء تحذيره وتخوفه من شبان متهورين يقومون بتنظيم يعتقد هو أنه دسيس على الإخوان بمعرفة قلم مخابرات أمريكي عن طريق الحاجة زينب الغزالي. وأن المخابرات كشفتهم وأنهم يفكرون - في مكتب المشير – بالتعجيل بضربهم أو بتركهم فترة. كما قال لي من قبل قريباً من هذا الكلام الحاج عبدالرزاق هويدي، نقلاً عن الأستاذ منير الزيات صهر الأستاذ فريد عبد الخالق والأستاذ صلاح شادي، والأستاذ منير متصل بالأستاذ فريد وبينهما توافق في التفكير والاتجاه. وكان الحاج عبد الرزاق هويدي قد ذكر لي كذلك أن هؤلاء الشبان متصلون بالأستاذ عبدالعزيز على الوزير السابق أو اتصلوا به، وأنه يقال إنهم اتصلوا بالأمريكان ومدسوس عليهم، وكنت قد عرفت من الشباب أنهم فعلاً - التقوا بالأستاذ عبد العزيز على والأستاذ فريد في بيت الحاجة زينب الغزالي أثناء بحثهم عن قيادة، ولكنهم لم يستريحوا له، فلم يكاشفوه بأسرار تنظيمهم. وفى كلام الأستاذ فريد معي أشار إلى اتصالهم بأشخاص مشكوك فيهم وكنت أعرف أنه يشير إلى اتصالهم بالأستاذ عبد العزيز على وبالحاجة زينب الغزالي ورأيه من رأى الأستاذ منير أنهما مدسوسان لعمل مذبحة للإخوان } 📚 لماذا أعدموني ص 56

وقد أخذ على عاتقه أن يوقف تصرف منير الدلة وفريد عبد الخالق ومراد الزيات، وقال إنه "يضمن الحاجة زينب الغزالي وعلينا أن نتركها له، لأنه يرى أنها مكشوفة وأنه لا يمكن أن تستعين بها مخابرات دولة أجنبية وهي مكشوفة بهذا الشكل، ثم أشار أنها على علاقة طيبة بمنزل الأستاذ الهضيبي وأن هذا في صالحها. ]]

[[كنت أعلم أن مثل ذلك لا يجدى ومع هذا فقد نفذت ما أشارا به لأن الإخوان بطبيعتهم يحبون أن يتهمون بعضهم بعضاً بالخيانة والعمالة، فإذا أردت أن تقول لهم إن هذا لم يحدث زادوا فى الأمر وقالوا إنك عميل للمباحث، تقول لهم : لا .. يقولون : إذن فأنت فى المخابرات، تنفى ذلك فيقولون: إذن أنت عميل للأمريكان .. المهم أن تظل عميلاً لأحد، فهم لن يرضوا بعد ذلك حتى يصدقوا أنفسهم ويصدقوا ما يحلو لهم من الأقاويل. ]]

🟥 التنصل من المسؤولية وإلقاء اللائمة على الغير

[[ استقبلني سيد فى منزله، وكان على ما يبدو لديه ضيوف في غرفة أخرى، وجاءه أناس آخرون وأنا عنده، فأدخلهم حجرة ثالثة. وكان مرتبكاً إلى حد ما، لأنه لم يكن فى انتظارى، ويبدو أننى أربكت "جدوله" في هذا اليوم. ولكن كان لابد أن أخذ منه رأياً بصفته المسئول الأول عن التنظيم، وقرأ الرسالة، وقال: إن هذا أمر جيد، وأننى أحسنت صنعاً بطلبي هـذا السلاح في حينه، وأنه أتى فى الوقت المناسب. وأخذ يعطيني بعض النصائح والتعليمات عن كيفية نقل السلاح حتى أنه قال لى بالحرف الواحد: "يمكنك أن تضع السلاح في أوعية مثل "القفة" التي ينقل فيها البلح والدوم، وأن يوضع السلاح وفوقه بلح ودوم، وأن تملأ عربة النقل بهذه الشحنة على أن تكون شحنة بلح ودوم قادمة من أسوان، وأن يتم تجهيز مكــان فــــي إحدى القرى لتخزين هذا السلاح تخزيناً مركزياً لا يعلم عنه أحد شيئاً حتـــى يـــتم الاحتياج إليه واستعماله في حينه. وطلب منى أن أجمع القيادة وأخبرهم برأيه، وأجهز كل شئ يلزم الشحن. ولكني قلت له إننا سوف نحتاج إلى أموال للنقل، فمثل هذا الأمر سيكون مكلفاً، فقال لي: أطلب من الشيخ عبد الفتاح إسماعيل أن يعطيك ألف جنيه تحت الحساب، وإن لم يفعل فأحضر إلى وأنا أعطيك ما تريد. جمعت مجموعة القيادة، وجلسنا نتدبر الأمر، خاصة وأنه كان على غير هوى الشيخ عبد الفتاح الذى كان يعتز بأنه المسئول عن الاتصال بالخارج، وأنه قد فقد هذه الميزة فى هذا الوقت فثار جداً، وأثار المجموعة من حولنا، وقال إن هذا الأمر لا ينبغي أن يتصرف فيه أحد دون رأى الجميع، وأننا قد انفردنا بالرأى أنا وسيد قطب، وأنه لن يسكت على هذا ا وكانت ثورته غريبة جداً، فقد تناسى ما نحن فيه، وما نحن في حاجة إليه، وتناسى أننا مقبلون على صدام، وأراد أن ينتصر لنفسه بشكل أو بآخر. وأثار المجموعة من حوله فثاروا معه وكان شيئاً غريباً. وقد أعطاني ذلك إحساساً بأن هذه المجموعة تتكلم وتتكلم وتتكلم ولكن حينما يصل الأمر إلى حد التنفيذ والجدية، فإن حالهم تكون أقل بكثير مما هو مقدر أن يكون فيه. بعد الاجتماع ذهب الشيخ عبد الفتاح إسماعيل إلى سيد قطب، وأتانا بعد أيام وقال: { إنه سأل الأستاذ سيد إن كان قد أعطى هذه التعليمات لي لكي أتسلم شحنة السلاح وأنقلها وأقوم بتخزينها ، فنفى ذلك }. وهنا أحسست بإحباط شديد وخيبة أمل كبيرة. فقد كان الأستاذ سيد قطب بالنسبة لي المثل الكبير للقائد والمفكر والفيلسوف وكنت متأثراً به إلى حد كبير. ولكنه ـ بعد أن أنكر ما قاله لى أمام ثورة الشيخ عبد الفتاح إسماعيل - سقط في نظري، وقلت للشيخ عبد الفتاح إنني سوف أذهب للقائه وذهبت إليه ـ وكان معـــــى بعض الإخوة - في صباح يوم جمعة وواجهته بما بدر منه، فقال: { إنه ينبغي أن نسأل إخواننا في القيادة، وألا ننفرد بقرار وينبغي أن يكونوا راضين عما نفعل، وأنني قد فهمت الأمر خطأ فهو لا يقصد المعنى الذي فهمته وتأكدت أنه قد عاد في كل كلمة قالها لي بشدة. في هذه اللحظة - ومن كثرة غيظي وإحباطي – أحسست أننى قــــد ضيعت عمري، وقد ضيعت حياتي وسرت بعيداً في طريق خطأ. فقد انكسرت في نفسى أمور كثيرة لا يمكن أن "تجبر" بعد ذلك. ومع تسارع هذا الإحساس داخلى أجهشت بالبكاء أمامه وأمام من كان معي من الإخوة. ولكن الأستاذ سيد قطب أحس أن موقفه في غاية الحرج، وجاء وقت صلاة الجمعة، فقلت له دعنا نقم ونصلى وكانت المفاجأة أن علمت – ولأول مرة أنه لا يصلى الجمعة، وقال: إنه يرى - فقهياً - أن صلاة الجمعة تسقط إذا سقطت الخلافة، وأنه لا جمعة إلا بخلافة، وكان هذا الرأى غريباً علـــى، ولكني قبلته لأنه ــ فيما أحسب ـــ أعلم مني. وأصر على أن نتناول الغداء معه، وظل طوال فترة الغداء على غير عادته، ويحاول أن يقول بعض الدعابات والنكات وأن يجعل الجلسة أخف ظلاً مما حدث بيني وبينه، لكنى كنت متجهماً، ولم أستجب لمثل تلك المحاولات وشكرته، وخرجنا - ومن معي – من منزله. في هذا اليوم صممت على أن أنسحب من الأمر كله، ولا أستطيع أن أصف ما اعتمل في نفسي هذا اليوم، ولا أن أصف مشاعري في هذه اللحظات بعد استعراض لكل العمر الذى ضيعته مع الجماعة، والذى رأيته ينكسر في لحظة واحدة بعد إحساسي بأن أحد القادة والمفكرين والزعماء يمكن أن يرجع في قولته بهذه السهولة، وكيف كنا نلقى بأنفسنا، وأقدارنا، وكل شئ في حياتنا بين يدى أي فرد، وتساءلت بينى وبـيـن نفـسـي: لمــــاذا أعطى نفسى لأى فرد وأوقف عقلى وأوقف إرادتي، وأسلبها عن طواعية، وأعطى قيادى لشخص آخر دون سبب مفهوم، وتكون النهاية مثل ذلك وأشد. كانت هذه هي حال الجميع في قيادات الإخوان ولا أقول إنه سيد قطب فقط، وكما ذكرت من قبل فقد كان بعض قادة الإخوان إذا أردنا أن نفعل ما هو مطلوب منا لا نفعله إلا حسب تقديراتهم، وإذا فعلنا غير ذلك فإنهم يصلون لحد الشطط الكامل فى إبلاغ البوليس عنا، فأى قيادات تلك، وأى خطأ قد فعلته بنفسى كى أصل إلى هذا الحد ؟! ]]

[[ مر بخاطري بعض مواقفى مع القادة فى هذا العمل الذي كنت أتفاني في أدائه ابتغاء وجه الله كما أفهموني - ووجدت أنهم لا يستطيعون أن يحتفظوا بكلمة قالوها حتى لا يغضب منهم أحد، وحتى يحتفظوا برأى الآخرين فيهم ]]

[[ بعد عدة أشهر أعادوني إلى عنبر رقم 5 بناءً على تعليمات صدرت بذلك، واعفائى من الطوابير. وهنا فقط علمت أن نص تخفيف الحكم قد جاء فيه بخصوص" أننى ساعدت السلطات وأن هذا كان أحد أسباب تخفيف الحكم. وبذلك فقد أجهزوا على البقية الباقية من أية ثقة قد تقوم بينى وبين الإخوان الذين كانوا يتلقفون مثل هذه الايماءات ويضخمونها ويضيفون من عندياتهم الكثير، لأنهم - في داخلهم - يريدون أن يكون ذلك حقيقة ويريدون بذلك أن أكون الشماعة التى يعلقون عليها أخطائهم.وكلما زادوا في إساءتهم إلى كنت أبتعد عنهم لأننى عشت فترة غريبة جداً ]]

🟥 الاعتراف على بعضهم في السجن ( بعضهم تحت التعذيب وبعضهم دون تعذيب )

و إلقاء التهم على بعضهم

[[ ظللت واقفاً لا يسأل عنــــى أحــــد. لا أدرى ماذا سيحدث بعد لحظات رأيت بعض الأخوة محمود فخرى، وكان من الشباب، صغير السن، قليل الخبرة الذين حضروا مرة أو مرتين في تدريبات الدفاع عن النفس، والأخ صلاح عبد الحق. وقد اعترف عليهما الشيخ على إسماعيل الذي رأيته هو أيضاً ملقى فى جانب , رأيت عدداً آخر من الإخوة الذين أعرفهم ويعرفونني أدركت بطبيعة الحال أن كل هؤلاء قد اعترفوا على اعترفوا بأننى أحد المسئولين أو – على الأقل ــ أننى كنــت الموجـــه والمدرب الذي تتلمذوا على يديه. .. بدأت حفلة التعذيب - كما كانوا يسمونها - استمرت حوالي عشر ساعات متصلة، بدأت - كما قلت - بأن طرحوني أرضاً، ثم مزقوا ملابسي، وأوثقوا يدي ووضعوهما مع قدمى ووضعوا بينهما ماسورة حديد، ثم علقوها فوق كرسيين، فصرت معلقاً - رأسى أسفل، وقدماى ويداى مربوطتان بالحديدة المشدودة على الكرسيين بدأ حاملوا الكرابيج الثلاثة: يضربون فوق قدمى بثلاثة كرابيج فى أيديهم، استمر الضرب نصف ساعة تقريباً، ثم أنزلوني، وقال لى شمس بدران: { لقد اعترفوا عليك، ونعلم أنــك أنت الجوكر}.]]

[[ قلت لهم : { إننى سوف أعترف على مكان السلاح حتى لا يستخدم وتكون المذبحة التى توعد بها شمس بدران لجميع الإخوة الموجودين فى السجن إن وقع أى حادث في الخارج. وأكون أنا مسئولاً عنها } .. فإننى لا أحتمل مثل هذا العبء النفسي، ولم يكن السلاح بالكثير، لكنه كان فى مكان واحد - فى شقة المطرية - وجزء يسير منه في شقة دیر الملاك عند الأخ ممدوح الديري. أعطوني كأساً من الليمون بها الكثير من السكر، شربتها وتمالكت نفسي، بدأت أحس بعودة الدورة الدموية إلى مكانها ، كانت ملابسي ممزقة، فأحضروا لى سترة مما يلبسه الجند، لبستها وأحضروا سيارة، وذهب معى المقدم نور الدين عفيفى والرائد محيى العشماوى واتجهنا إلى المطرية فوجدوا السلاح والمفرقعات، ثم ذهبنا إلى شقة ممدوح الدويرى فوجدوا ما فيها وعدنا مرة ثانية إلى السجن الحربي. ]]

[[ تم اعتقال عدد كبير من الإخوان - بعد ذلك ـ ومنهم الأخر مبارك عبد العظيم الذي اعترف على جميع الأسماء الموجودة في القاهرة دون أن يُضرب أو يتعرض لأى نوع من أنواع التعذيب، ويبدو أنه قد استفاد مـــــن خبرته القديمة حين كان محبو بوساً عام 1954 ، وحكم عليه بعشر سنوات، حيث تأكد له ولغيره أن النتيجة النهائية للتعذيب هى الاعتراف. وهذا ما وجدته ورأيته بعيني، فكل من اعتقلوا - بلا استثناء - قد اعترفوا بأقل وجبة مـــــن وجبات التعذيب التي رأيتها. ]]

[[ وكان من عادة حسين توفيق أنه يكره أن يُعذِّب. وحين يقبض عليه يجلس ويطلب فنجان قهوة وسيجارة، ويروى القصة وكأنه يفتخر بأنه فعل ذلك، وأنه مناضل وطنى، وكان يقول لهم : { لا تضربونى فسوف اعترف بكل شي.} ولذلك كان الأفراد من خارج عائلته يكرهونه جداً  ]]

[[ حدث أن كان بعض الأخوة مثل فتحى رفاعى وعوض عبدالعال في الجزائر، وكنا نعرف أنهما بعيدان عن مصر، فحملتهما بعض الأعباء التي كنت أرى أننى أحمى بها أشخاصاً آخرين ولكن كانت المفاجأة أن يتم تسليم هذين الأخوين من الجزائر بمساع من شمس بدران ونفاجأ بأنهما يتم التحقيق ووجدت معهما على أمور لا يفعلها. وكان لابد من تصحيح الأمر وأن نرفع عن كاهيلهما ما وضعناه، وكنت أنا المنوط به أن يفعل ذلك، ففي كثير من الحالات كان بعض الإخوة يتنكر لجزء مما فعل ويلقيه على شخص آخر أنه مادام اعترف الجميع أننا لن نستطيع أن نخفي شيئاً، فعلى الأقل لابد أن يحمل كل وزر ما فعله، وأن يتحمل نتائجه حتى النهاية، وهذا أبسط ما يمكن أن يفعله أى إنسان في مثل هذه الظروف، وكان هذا هو دورى طوال فترة التحقيق أن أرد الأمور إلى مكانها. حدث الشئ نفسه بين الحاجة زينب الغزالي والأخت حميدة قطب ومن فحينما عذبت الحاجة زينب طلبوا منى أن أواجهها بما فعلت ـ وكانت قــــد أنكرت جزءاً منه ووضعته على عاتق حميدة قطب. فقلت لهم: إنها فعلت كذا وكذا. وحميدة قد فعلت كذا، وأنه لابد لكل واحد أن يتحمل نتيجة فعله، يومها والحاجة زينب الغزالى لا تغفر لى هذا الموقف، حتى أنها كتبت تهاجمني بشدة وتفترى على افتراءات تعلم هى أنها غير صحيحة، وسوف نعود لهذه النقطة مرة أخرى في حينه. حدث مثل هذا بين كثير من الإخوان، وبينما كان بعضهم ينكر تماماً ما حدث ويلقيه على، كنت أرد عن نفسى وأقول : أننى فعلت ذلك، وأن فلاناً قد فعل ذلك، وكان ينبغى أن تسير الأمور على المنوال نفسه مادام الجميع قد اعترف ولم ينج أحد. ]]

[[ بدأت تحقيقات النيابة، وكنا نذهب ومعنا الأوراق التي اعترفنا بها في تحقيقات المباحث الجنائية العسكرية، وتبدأ نيابة أمن الدولة برئاسة صلاح نصار فى أخذ أقوالنا. فى هذه الأثناء كنت لا أزال أسكن في العنبر الموجود به الأخوات المعتقلات ( بسبب المرض في ساقيه إثر التعذيب ) وفى صباح أحد الأيام - وقبل أن يستدعوني للتحقيق فوجئت بزنزانتي تفتح. وتدخل الأخت حميدة "قطب". أصبت بذهول شديد، فلو رأنا أحد فسوف يجعلون من الأمر فضيحة. وقالت لى إنها مدفوعة بما قالته عنها الحاجة زينب الغزالي، لأنها قد افترت عليها كثيراً في التحقيقات وادعت أنها هى التى قامت بكل الأدوار. وكانت فى يدها ورقة مكتوبة أعطتها لي وقالت: { اقرأها بسرعة وأرجوك ساعدني، ثم أعدم الورقة حتى لا تصل إلى يد أحد }. وسألتها كيف دخلت الزنزانة؛ فقالت { إن الأخت أمينة تقف عند الحمامات تتحدث مع الحارس، وقد غافلته واتفقنا معاً على ذلك }. كان بالورقة كل ما قالته الحاجة زينب الغزالي عنها، والأمور التي تريدني أن أصححها في تحقيقات النيابة، وبهذا أكون قد وضعت الحق في نصابه، وقد رفعت عنها الظلم الذى يمكن أن يلحقها إذا تحملت هي وحدها كل هذه الاتهامات ولو أن هذه الأدوار تحملتها أخت واحدة فسوف تأخذ حكماً بالإعدام، أما إذا وزعت الأدوار ، واعترف كل واحد بدوره فيمكن أن نخرج من حكم الإعدام، أما إذا وزعت الأدوار ، واعترف كل واحد بدوره فيمكن ن نخرج من حكم الإعدام إلى أحكام بالسجن للأختين، ولذا فقد قررت أن أقول الحقيقة وأساعدها وكان هذا أحد الأمور الأخرى التي أغضبت الحاجة زينب الغزالي. ]]

[[ ولم أحاول أن أناقش أحداً في أمر، ولا أسعى إلى التخفيف من حدة موقفه، وكان كل ما يقال عنى أننى كنت قد اعترفت عليهم وهى دعوى باطله ومرفوضه، ومما يثبت ذلك بالإضافة إلى اعترافهم هم أنفسهم - أنه قد جاءني الأخ "عباس السيسي" ونحن في عنبر التأديب فى ليمان طرة - وسألني سؤالاً مباشراً : { هل تنوى أن تؤيد الحكومة ؟ دعنا مما سبق فكلنا اعترفنا وكلنا لم يُخف شيئاً، وأنت معذور بالتعذيب الذى حدث. لكننا نود أن نتأكد من نقطة واحدة وهى هل تنوى الاعتراف بالحكومة وتأييدها في محاولة للخروج من السجن ؟! }]]

الجزء الثاني


المقال الأصلي


Report Page