مفهوم السيادة عند الضالين وصلته بالشعائر الإسلامية
مجلة بلاغ- العدد الثاني عشر- شوال ١٤٤١الأستاذ: خالد شاكر
"وافق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على إقامة صلاة عيد الفطر لهذا العام في المسجدين الحرام والنبوي دون حضور مصلين".
كان هذا عنوان خبر أوردته وكالات الأنباء السعودية نهاية رمضان، وهو خبر أثار الاستغراب والسخرية كذلك، فالواقع يومها أن الحرمين الشريفين تقام فيهما الصلوات الخمس والجمعة دون حضور مصلين سوى الإمام وبعض الجنود والعمال..
فما الجديد في الأمر؟
ولو كان هناك جديد فهل يحتاج موافقة؟
وإن احتاج موافقة فهل هي موافقة أهل العلم أم الطغاة؟
إن هذا الخبر هو انعكاس لمفهوم السيادة في الفكر الغربي الذي يُؤله البشر والحكام منهم خاصة، ويجعل لهم السيادة على الدين، بل حتى على الشعائر الخاصة في الدين؛ حيث لم تكتف العلمانية الغربية بفصل الدين عن الدولة بل تدخلت في علاقة الدين بالإنسان وشعائره التعبدية، فكان لها موقف وتدخل في كثير من القضايا مثل: الزواج، والطلاق، والميراث، وذبح بهائم الأنعام، وفتح المساجد، وخطبة الجمعة، ومكان صلاة العيد، وتعليم العلم الشرعي، والقوامة، وتربية الأولاد، والحجاب، واللحية..، فضلا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله تعالى...
ورغم أن مفهوم السيادة على الدين في الفكر الغربي لا يجد رواجا بين المسلمين إلا أنه وجد مدخلا له عند من تأثروا بالفكر الغربي فحرَّفوا أحكام الإمامة وسلطات ولي الأمر لتتماشى مع تلك العقائد الباطلة؛ فحرف الطغاة والجهلة أحكام الشريعة تحت دعاوى: طاعة ولي الأمر، ورفع اجتهاد الإمام للخلاف، وتقييد المباح للمصلحة...، وهي شعارات عامة لها تفاصيل وأنواع وحالات يعلمها العلماء لا الجهال، فأطلقها المنحرفون مريدين بها معاني باطلة، وقد اشتهرت طوائف: علماء السلطان، والمداخلة، والدواعش، ولصوص الثورات، في استخدام تلك الأمور لإخضاع الشعائر الإسلامية الخاصة فضلا عن أحكام الإسلام العامة لشهوات الطغاة.
- والأصل في الخلاف مع تلك الطوائف الضالة معرفة أن حكامهم وزعماءهم فسقة غير عدول وأن شهادتهم على فِلس لا تقبل، وأن نظرهم في خاصة أنفسهم فضلا عن عامة الأمة هو نظر أعمى، فتحديد ما يدخل في اختصاصهم -إن سلمنا جدلا أن مِنهم من له نوع ولاية في مكان أو زمان- يُرجع فيه لأهل العلم الصادقين المبغضين لإجرامهم، لا الجهال أو الضلال الذين يأكلون بدينهم طلبا لدنياهم أو يبيعون دينهم لدنيا غيرهم..
أضاع الإمامة فسق الإمام وغش الوزير وجهل المشير
- ثم إذا تحددت مسألة وأنها اجتهادية وتدخل في اختصاصهم ولهم فيها إلزام، فالطاعة تكون للاجتهاد الحاصل فعلا، فإن لم يحصل اجتهاد أصلا، وكان الأمر مبنيا على جهل وهوى وتشهٍ واستعباد للناس بمجرد السلطة فهذا داخل في قوله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ).
- فإن حصل اجتهاد فتكون الطاعة بالمعروف لا المعصية، ولن يعدم الآمر بالمعصية من تأويل باطل يريد به تمرير خطئه، فهذا الصحابي الذي أمر من معه بحرق أنفسهم استدل لهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بطاعته، وهَمَّ بعض الصحابة بطاعته، فهل أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على من أراد طاعته متأولا أم ذمه؟ قال ابن القيم: "أخبر صلى الله عليه وسلم عن الذين أرادوا دخول النار لَمَّا أمرهم أميرهم بدخولها أنهم لو دخلوا لما خرجوا منها، مع أنهم إنما كانوا يدخلونها طاعة لأميرهم وظنا أن ذلك واجب عليهم، ولكن لما قصروا في الاجتهاد وبادروا إلى طاعة من أمر بمعصية الله وحملوا عموم الأمر بالطاعة بما لم يرده الآمر صلى الله عليه وسلم وما قد علم من دينه إرادة خلافه فقصروا في الاجتهاد، وأقدموا على تعذيب أنفسهم وإهلاكها من غير تثبت وتبين هل ذلك طاعة لله ورسوله أم لا".
اللهم ول أمورنا خيارنا لا شرارنا، والحمد لله رب العالمين.
هنا بقية مقالات العدد الثاني عشر من مجلة بلاغ