العيد في إدلب ثغر باسم وعين دامعة

العيد في إدلب ثغر باسم وعين دامعة

مجلة بلاغ- العدد 2 - ذو الحجة 1440

 

 

كلمة التحرير



كلما اقترب عيد فاضت قرائح فريقين من الكُتَّاب مُعبِّرين عما اعتمل في نفوسهم عند قدوم هذا العيد الجديد..؛

1- فأما الفريق الأول: فهو فريق هبت عليه نسائم فرحة العيد فاصطدمت بأحزان دفينة وخواطر كسيرة وآلام شديدة؛ فهاجت تلك الأحزان والآلام وهيجت مجالسها وغنت بألم قول المتنبي:

عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ،،،

بمَا مَضَى أمْ لأمْرٍ فيكَ تجْديدُ

أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ،،،

فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ

أصَخْرَةٌ أنَا، ما لي لا تُحَرّكُني،،،

هَذِي المُدامُ وَلا هَذي الأغَارِيدُ


ورددت بحسرة قوله كذلك:

بِمَ التّعَلّلُ لا أهْلٌ وَلا وَطَنُ ،،،

وَلا نَديمٌ وَلا كأسٌ وَلا سَكَنُ


وتذكرت قول أبي فراس:

أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ ،،،

أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ؟

بلى أنا مشتاقٌ وعندي لوعة ،،،

ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ!

إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى ،،،

وأذللتُ دمعا منْ خلائقه الكبرُ


وتنهدت بقول الآخر:

أَقبَلت يَا عِيد والأحزان أحزانُ ،،،

وَفِي ضمير القوافي ثَار بُركانُ


وقد يحتج لتلك المشاعر بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»، وأن: «مَنْ لا يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ».


2- وأما الفريق الثاني: فهو فريق يُرجِّح اللحظة الراهنة ويُقدم حق اليوم، فهو يدعو للبهجة والفرح والسرور، ويلوم دعاة التوجع والحزن يوم العيد...

ويحتج هذا الفريق بقوله صلى الله عليه وسلم: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا»..

ويستأنسون كذلك بأن العهد المدني لم يخل من آلام وأحزان، وكان المسجد الأقصى تحت يد العدا، بل وكان المسجد الحرام تحت سلطان كفار قريش، وتحت قهرهم كذلك أناس من ﴿الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا﴾، ومع ذلك شرع الإسلام للمسلمين في المدينة الفرح بالأعياد، والسرور بها، وإدخال البهجة على المجتمع المسلم.


* لكن حقيقة واقع المجتمع في إدلب هو مزيج من المذهبين وجمع بين القولين، فها قد مر على المسلمين عامة والمجاهدين خاصة في أراضي سوريا المحررة ستة عشر عيدا خَطُّوا فيها مذهبهم الجديد وطريقتهم النابعة من واقع حياتهم، فكلما جاء العيد أظهروا بسمة لطيفة على ثغورهم النيرة، وهنؤوا أهاليهم وإخوانهم وأصحابهم بالطاعة والعيد السعيد، وأخذوا أطفالهم إلى الأراضي الخضراء وأركبوهم الأحصنة وأطعموهم الحلواء..

- وهم مع ذلك يتتبعون سير طائرات الدمار، ويتسمعون صفارات الإنذار، ويدفنون شهداءهم، ويداوون جرحاهم، ويبكون شوقا لغائبين تحت التراب وآخرين مشتتين في أصقاع الأرض..

- هم مع ذلك لا ينسون أن: هذا يتيم، وتلك أرملة، وذاك معاق، وأولئك فقراء معدمون، ويسمون الأشياء بمسمياتها؛ فهذه خيمة، وتلك مقبرة، وذاك بيت مهدم، وأولئك نازحون.

- هم مع ذلك يتناوبون يوم العيد على الثغور خوفا من أن يجد العدو خللا يتسلل منه أو ضعفا يهجم عليه.

- إنهم لا يجترون الأحزان الماضية ولا يجددون المآسي الفائتة، ولكن أنى لهم الغيبة عن واقع أليم وجراح متجددة.

= نعم إن الإسلام يستحب الفرح يوم العيد، ولكنه مع ذلك يشرع في العيد دفن الموتى وعيادة الجرحى وإنقاذ الهدمى وسد الثغور ومواساة المحروم..


* إن مذهب أهل إدلب اليوم هو مذهب من أصيب ابنه يوم العيد، أو من مات أبوه ليلة زفافه، أو من قاده العدو للأَسْر ساعة نجاحه..، وهو مذهب لا يعيه إلا من عاناه واقعا معاشا لا تصورا وتصويرا، فلله دركم يا أهل إدلب الخضراء وهو حسبكم ونعم الوكيل. 

Report Page