الحاجب المنصور رحمه الله

الحاجب المنصور رحمه الله

Safaa Mahmood

✮ 27 رمضان 392هـ/11 أغسطس 1002م

✮ وفاة الحاجب المنصور رحمه الله المجاهد الذي فرحت أوروبا كلها بموته والذي لم يهزم أبداً ولم تنكس له راية!


تمثال للحاجب المنصور.


أبي عامر محمد بن أبي عامر المشهور بلقب الحاجب المنصور، حاجب الخلافة والحاكم الفعلي للخلافة الأموية في الأندلس في عهد الخليفة هشام المؤيد بالله.

ذكر ابن خلدون في تاريخه أن: «محمد بن أبي عامر تولَّى الحُكم منذ سنة (366هـ= 976م) حتى (392هـ= 1002م) وقضى المدَّة في جهاد دائم لا ينقطع مع ممالك النصارى في الشمال، مع حسن إدارة وسياسة على المستوى الداخلي، حتى صارت الأندلس في عهده في ذروة مجدها».

✮ حياته ونشأته:

وهو محمد بن عبد الله بن عامر بن أبي عامر بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري، ولد في 327هـ ونشأ كمثله من أقرانه على القرآن والفقه إلا أنه كان ظاهر النجابة وكانت له حال عجيب فى قوة الإرادة والطموح والسعي وراء هدفه حتى قال عنه ابن الآبار فى كتابه "الحلة السيراء": كان أحد أعاجيب الدنيا في ترقيه والظفر بتمنيه!. كانت له همة عجيبة وإرادة قوية وحلماً عظيما بأن يصبح حاكم الأندلس، واليكم هذه القصة التي أوردها ابن الخطيب فى كتابه "أعمال الأعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الاسلام" وأوردها أيضا ابن النباهي فى ترجمة القاضي الجليل محمد بن يبقى في كتابه "المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء و الفتيا" يقول:

"ومن أعجب أحواله أي محمد بن أبي عامر أنه كان على بصيرة من أمره، هانئاً بما ذخرت له الأيام فى حداثة سنّه، فكان يتكلم فى ذلك بين أصحابه، ويشير الى ما خبأ الله له من غيبه، فحدث ابن ابي الفيّاض في كتابه قال: أخبره الفقيه أبو محمد علىّ بن أحمد، قال: أخبرني محمد بن موسى بن عزرون، قال: أخبرني أبي قال: اجتمعنا يوماً فى متنزه لنا بجهة الناعورة بقرطبة، ومعنا ابن أبي عامر، وهو فى حداثته، وابن عمه عمرو بن عسقلاجة، والكاتب ابن المارعزّي ورجلٌ يعرف بابن الحسن من جهة مالقة، كانت معنا سفرة فيها طعامٌ، فقال المنصور من ذلك الكلام الذى كان يتكلم به: « لا بد لي أن أملك الأندلس، وأقود العسكر، وينفذ حكمي فى جميع الأندلس » , ونحن نضحك منه ونهزأ به. وقال: «تمنّوا عليّ» فقال ابن عمه عمرو: أتمنّى أن توليني على المدينة، نضرب ظهور الجناة ونفتحها مثل هذه الشاردة، وقال ابن المارعزّي: أشتهي أن تولينى أحكام السوق، وقال ابن الحسن: أتمنّى أن توليني القضاء بجهتي، قال موسى بن عزرون: وقال: تمنّى أنت؟ فشققت لحيته، وأسمعته كلاماً سمجاً قبيحا.ً

فلم يك إلا أن صار الملك اليه، فولى ابن عمه المدينة، وولى ابن المارعزّي السوق، وكتب لإبن الحسن بالقضاء، قال: وأغرمني أنا مالاً عظيماً، أجحفني وأفقرنى لقبيح ما كنت جئت به. (إنتهى كلام ابن الخطيب).

✮ تدرجه من القضاء إلى الحكم:

بعد وفاة الحكم المستنصر، تولى ولده هشام المؤيد بالله الخلافة، وصفا الحال لهشام المؤيد بالله، يساعده كل من الحاجب جعفر المصحفي، وأم الخليفة الصغير صبح البشكنسية، وهي الشخصية القوية في القصر، ثم ابن أبي عامر الشخصية القوية، التي تتولَّى العديد من الأعمال، والتي يتكئ عليها جعفر المصحفي، في كل عمل مهم.

وتعرضت الخلافة الجديدة في الأندلس لحادث خطير؛ إذ ما أن علم نصارى الشمال بوفاة الحكم المستنصر، وجدوا الفرصة سانحة لنقض كلَّ ما كان بينهم وبينه، من عهود ومواثيق، وشرعوا يُهاجمون الثغور الإسلامية هجمات عنيفة، بغرض الثأر من المسلمين وإضعافهم، فلا يجدون فرصة لاستجماع قواهم من جديد، ولا يجد حاكمهم الجديد أيضًا الفرصة لتوطيد مُلكه؛ فيستطيع من بعدُ أن يُوَجِّه لهم الضربات العنيفة، التي اعتادوها في عهد الحكام الأقوياء؛ ومن هنا فقد اشتدَّت هجمات نصارى الشمال، على الثغور الإسلامية، بل وتخطّوها حتى كادت حملاتهم تصل إلى قُرْطُبَة، عاصمة الخلافة الإسلامية في الأندلس!.

وكان الخليفة صغيراً صعيفاً، وانسحب على رجال الدولة جميعًا، فلم يُقدم أحد على كفاح النصارى وردِّهم، ولا يجدون أحدًا يتقدَّم لهم، كما أن حاجب الخلافة جعفر المصحفي، كان ضعيفا مترددا خائر الرأي، ليس له عزيمة، ولا يدري ماذا يفعل، وهو يجبن عن الخروج لملاقاة العدوِّ، بل بلغ به الأمر بالرغم من قوة الجيش الذي تركه الحكم المستنصر، ووفرة المال والسلاح والعتاد أن أمر أهل قلعة رباح بقطع سدِّ نهرهم، ظنًّا منه أن هذا قد يُنجيهم من ضربات النصارى المتلاحقة، إلا أن ابن أبي عامر استعد لصد هجمات النصارى، والذود عن الخلافة الإسلامية في الأندلس. فاستعدَّ ابن أبي عامر للغزوة أفضل استعداد، وقاد الجند، وأخذ معه المال، وسار في رجب سنة 366هـ إلى الشمال، وهرب من أمامه جيش النصاري، ثم استطاع الاستيلاء على حصن الحامة وربضه، وعاد إلى قُرْطُبَة بعد اثنين وخمسين يومًا من خروجه إلى الغزو محملاً بالسبي والغنائم، ففرح الناس بذلك فرحًا عظيمًا، وزاد حبُّهم وتقديرهم له.

✮ جهاده وفتوحاته:

قال ابن عذاري في كتابه «البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب»: "غزا محمد بن أبي عامر في حياته أربعًا وخمسين غزوة، لم يُهزم أبدًا في واحدة منها". وذكر السرجاني: "بل كان الأغرب من ذلك هو أن يصل في فتوحاته إلى أماكن في مملكة ليون وفي بلاد النصارى لم يصل إليها أحدٌ من قبل كمنطقة الصخرة".

تعدّدت حملات محمد بن أبي عامر، فلم يكتف كسابقيه بالحملات الصيفية فقط، بل وكانت له حملاته الشتوية، التي من خلالها استعاد مدن لُكّ وشلمنقة وشقوبية وآبلة وسمورة التي فقدها المسلمون في بداية عهد الدولة الأموية في الأندلس عندما استغل فرويلا الأول ملك أستورياس انشغال عبدالرحمن الداخل بإخضاع الثورات الداخلية في الأندلس في عهده، وضمّ فرويلا تلك المدن.

تعدّدت وجهات تلك الحملات، وقد ذكر لنا المؤرخون منها غزواته على حصن الحامة (رجب 366هـ) وحصن مولة (شوال 366هـ) وشلمنقة (صفر 367هـ وربيع الأول 373هـ) وريف مملكة نافارا وكونتية برشلونة (شوال 367هـ) والمُنية (ربيع الآخر 370هـ) وقلعة أيوب وأنتيسة (ذي القعدة 370هـ) وسمورة (رمضان 373هـ) وطرنكوشة (ربيع الآخر 371هـ). وفي ذي الحجة 371 هـ، واجه المنصور تحالف جيوش راميرو الثالث ملك ليون وغارسيا فرنانديث كونت قشتالة وسانشو الثاني ملك نافارا، في معركة حصن روطة وهزمهم هزيمة قاسية، أتبعها باحتلال حصن شنت منكش. وقد نتج عن تلك الهزيمة وما سبقها من هزائم متوالية أن خلع الليونيون ملكهم راميرو الثالث، وجعلوا محله ابن عمه برمودو الثاني الذي لجأ إلى التحالف مع المنصور على أن يدفع للمنصور جزية سنوية، ويمده المنصور بجيش يقيم في عاصمته ليون يقاتل به خصومه. ثم كانت للمنصور حملات أخرى على شنت منكش في محرم 373 هـ، وشقرمنية في جمادى الأولى 373 هـ.

برشلونة - إسبانيا.

غزوة برشلونة: في ذي الحجة 374هـ، غزا المنصور برشلونة وهزم بورل الثاني كونت برشلونة، ودخل المدينة عنوة في 15 صفر 375هـ،بعد أن حاصر المدينة بجيش عظيم من البر وبأسطوله من البحر لم يستطع بورل الثاني مقاومته، فاضطر إلى الهرب وترك المدينة لقدرها، ولم تمض أيام حتى سقطت المدينة فدمّرها المنصور وقتل عددًا كبيرًا من الكفار .

غزوة ليون: وفي صفر 376 هـ، غزا ألبة وليون وشلمنقة وحاصر سمورة ثم صالحهم، ثم غزا قندبخشة في جمادى الآخرة 376 هـ، وقلمرية في 378 وبنبلونة عام 379 هـ.

وعقابًا لغارسيا فرنانديث كونت قشتالة على مساعدته لولده عبد الله بن المنصور في تمرده على أبيه، حرّض المنصور سانشو بن غارسيا على التمرد على أبيه بمساعدة بعض نبلاء قشتالة. دارت بين سانشو وأبيه عدة معارك سانده فيها المنصور، انتهت تلك المعارك بمقتل غارسيا عام 385هـ، وخضوع سانشو للمنصور وأدائه الجزية للمسلمين.

وقد استغل المنصور تلك الحرب الأهلية بين غارسيا وولده، وضم شنت إشتيبن وقلونية. إلا أن أكبر غزواته كانت تلك التي بدأها في 24 جمادى الآخرة 387 هـ بغزو جليقية، حيث بدأ بغزو قورية ثم بازو وقلمرية، وفي الطريق انضمت إليه إليها قوات مناطق الثغور والكونتات المحليين بقواتهم الذين آثروا تجنب مواجهة جيشه، كما صاحبه أسطول بحري كان المنصور قد أمر ببنائه في قصر أبي دانس. فاجتاح المنصور بجيشه جليقية، حتى بلغ مدينة شنت ياقب التي بها ضريح القديس يعقوب بن زبدي وهي من الأماكن المقدسة عند مسيحيي الغرب، فبلغها في 2 شعبان وقد وجد أهلها قد غادروها، فأمر بهدم المدينة ما عدا الضريح، واستولى على كنوزها، ثم بعث السرايا للمناطق المجاورة والتي تابعت مسيرها حتى وصلت إلى شاطيء الأطلسي عند مدينة قرجيطة، ثم توجّه جنوبًا لغزو أراضي برمودو الثاني ملك ليون، وعند لميقة سمح لحلفائه من الكونتات المسيحيين بالعودة إلى بلادهم بعد أن أغدق عليهم عطاياه، وعاد هو إلى قرط.

سانتياجو.

غزوة سانتياجو «شانت ياقب» : كانت أعظم غزواته قاطبة غزوة شانت ياقب وتعني سانت يعقوب أي القديس يعقوب، وكانت آخر معاقل النصارى في الشمال الغربي من الأندلس، تمتلك المرتبة الثالثة من المدن المقدسة عند النصارى، فتسبقها القدس وروما، وهم يظنون أن بها قبر مبشر بالدين المسيحي واسمه (يعقوب الحواري)، وضع المنصور خطة برية بحرية، بدأها من مدينة سالم، وقاد جيشه وصولا لنهر دويره الذي أعد به سفن بها موارد، ليمر الجند من خلالها ويأخذوا من مؤوناتها.

الخطة البرية البحرية كانت تقضي بأن يخرج المنصور بجيشه متجهاً نحو هدفه و في نفس الوقت يخرج جيش من السفن. فعندما يصل جيش المنصور إلى منطقة بحرية تقوم السفن بالاصطفاف خلف بعضها لبناء جسر يعبر من خلاله الجيش ( لتوفير وقت بناء الجسور )، و بعد أن ينتهي عبور الجيش تتجه السفن للعائق البحري التالي لتفعل نفس الشيء، وصلت الأخبار لمدينة سانت ياقب، ففروا من مدينتهم خوفا بسرعة تساوي سرعة جيش المنصور، وتركوا خلفهم العديد من الغنائم، وبعد فتح المدينة عام 387هـ وبعد مسيرة 40 يوما، أمر الحاجب المنصور ألا تمس الكنائس ولا القبر بأي سوء!.


✮ من مشاهد العزة 1:

الحاجب المنصور يلقبه الكثير بـ "خالد بن الوليد الغرب" غزا في حياته 54 غزوة لم يهزم بها قط، كان يغزو في كل سنة مرتين.. وقد وصلت خيول المسلمين أماكن لم يصلها الفاتحون الأوائل كموسى بن النصير و طارق بن زياد. وقد سَيَّر جيشًا كاملاً لإنقاذ ثلاث أسيراتٍ مسلمات:

إذ يروي ابن عذاري: أن رسولاً للحاجب المنصور كان في مملكة نيفار « نافارا» التي يملكها جارسيا سانشيز الثاني، وكانت بين الحاجب المنصور وبين جارسيا عهد وميثاق ان لا يعتدي طرف على آخر مقابل جزيه تدفعها مملكة نيفار النصرانيه للمسلمين وقد شاهد الرسول ثلاث أسيرات مسلمات في مملكة نيفار غضب الرسول وخرج متوجها إلى الاندلس واخبر ابن ابي عامر عن القصة فجهز المنصور الجيوش وأنطلق لمملكة نيفار فبعث ملك نيفار مستفسرا عن قدوم جيوش المسلمين وبينهم عهد فقالوا لهم لقد اخللتم بالعهد وعندكم اسيرات مسلمات فقالو والله لا نعلم عنهم شيء فاطلق جارسيا سراحهن وقالو هذا فعل أحد الجنود وقد عاقبناه وتوسلوا للمنصور الرجوع فرجع عنهم ومعه الأسيرات المسلمات.

صورة تخيلية للراية المنسية.
طابع بريدي.

‏طابع بريدي أسباني بمناسبة مرور ألف عام على وفاة الحاجب المنصور بن أبي عامر، أصدر عام 2002م وكانت وفاته 1002م .. فتأمل حقد الصليبيين بعد ألف عام!.

✮الحاجب المنصور .. والرّاية المَنسيّة:

كان "الحاجِبُ المنصور بن أبي عامر" كُلّما غزا غزوة أخذ جنوده الرّايات فيثبتونها على الأماكن العالية ثم يأخذونها حين يرحلون، وفي أحد الغزوات نسي أحد الجنود راية جيش الحاجب المنصور على أعلى التّبة بين الحصون والقلاع بعدما فر أهلها وهرب جنود النصارى بين الشعاب والجبال، ورَحل المُسلمون ونسوا تلك الراية فظَلّ النّصارى يرمقون تلك الرّاية في رعب شديد وهم يظُنّون أنّ المسلمين مازالوا هناك، وظلّوا على ذلك فترة حتى علموا برجوع المسلمين منذ زمن!. هكذا كانت العِزّة.. مجرّد راية واحدة منسية أرعبت جنود النّصارى القوطيين وعاشوا من أجلها في ذعر ورعب وهلع.

✮ يا منصور كل الناس مسرور إلا أنا:

ربما لا يعرف الناس من قائل العبارة أو متى قيلت وما مناسبتها، وربما لا يخطر ببالهم من منصور هذا الذى يخاطب بهذه العبارة الحزينة.

كان عصر الحاجب المنصور هو العصر الذهبى للأندلس، حيث بلغت دولة الإسلام في الأندلس أوج قوتها وأقصى إتساعها، وكان المنصور شغوفاً بالجهاد فى سبيل الله، لا ينقطع عنه صيفاً ولا شتاءً، وقد انزوى الصليبيون فى عهده فى أقصى شمال الأندلس وأقصى أمانيهم أن يكف المنصور عن غزو بلادهم، وذات مرة خرج للجهاد فى سبيل الله، وبعد أن حقق النصر كعادته على الإسبان، عاد إلى قرطبة ووافق رجوعه صلاة عيد الأضحى والناس فى المصلى يكبرون ويهللون، وقبل أن ينزل من على صهوة جواده، اعترضت طريقه امرأة عجوز، وقالت له بقلب متفطر باكي: يا منصور كل الناس مسرور إلا أنا، قال المنصور: وما ذاك؟ قالت: ولدي أسير عند الصليبيين فى حصن رباح ، فإذا بالبطل العظيم الذي لم ينزل بعد من على ظهر جواده، والذى يعلم قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه أمة الإسلام، والذب عن حياض الأمة والدين، إذا به يلوي عنق فرسه مباشرة وينادى فى جيشه ألا ينزل أحد من على فرسه ثم ينطلق متوجها إلى حصن رباح ويظل يجاهدهم حتى يجبرهم على إطلاق سراح أسرى المسلمين عندهم ومنهم ولد العجوز.

✮ عصره وأعماله:

ويقول ابن الاثير: «كان المنصور بن أبي عامر عالماً، محباً للعلماء، يكثر مجالستهم ويناظرهم، وأكثر العلماء ذكر مناقبه، وصنفوا لها تصانيف كثيرة، وكان حسن الاعتقاد والسيرة، عادلاً، وكانت أيامه أعياداً لنضارتها، وأمن الناس فيها».

أمر ببناء مدينة الزاهرة التي انتقل إليها عام 370هـ وقام بتوسعة مسجد قرطبة وتجديد وبناء القناطر. وقدّر إحصاء دواوين دولته عدد دور قرطبة وأرباضها فقط في عهده 213,077 دار للعامة، و 60,300 دار للأكابر والوزراء والكتاّب والقادة والحاشية، إضافة إلى 80,455 حانوت.

بلغ تعداد جيشه 46,000 فارس والمشاة إلى 100,000 رجل. وأنشأ دور للصناعات الحربية التي تُمدّ جيش المسلمين بالسلاح والتي تعمل على مدار العام، فكانت دار الترّاسين تنتج 13,000 ترس و 12,000 قوس و 20,000 من النبل، و 3,000 خباء كل عام.

كتب المستشرق رينولد يقول: " جال غُزاة المسلمين تحت رايات المنصور بن ابي عامر في قشتالة وليون ونابارة وأرغون وكتلونية إلى ان وصلوا إلى غسقونية وحنوبي فرنسا وجاست خيل الإسلام في اماكن لم يكن يخفق عليها علم إسلامي وسقطت في ايدي المسلمين مدينة سنتياجو الحصينة وكان فيها اقدس معهد مسيحي ".

✮ مرعب الصليبيين حتى بعد وفاته:

حين مات القائد الحاجب المنصور فرح بخبر موته كل أوروبا وبلاد الإفرنج .. ولم يكن قد مر زمن طويل على إنتقال روح المنصور إلى بارئها إلا أن صدى انتصاراته وارتعاب ملوك النصارى منه ظل يتردد في أجواء الأندلس ليشعل فتيل الثأر حتى بعد مماته بنحو ثمانين عامًا.

ويروي شجاع مولى المستعين بالله أحمد بن يوسف بن هود حاكم سرقسطة في عهد ملوك الطوائف، أنه لما ذهب لملاقاة ملك النصارى ألفونسو السادس وجده في مدينة سالم وقد أقام خيمة كبيرة نصب فيها سريره فوق قبر الحاجب المنصور وزوجته متكئة إلى جانبه، جلسوا على قبره يرقصون ويتناولون الخمور!! فقال له ألفونسوا: يا شجاع، أما تراني اليوم قد ملكت بلاد المسلمين وجلست على قبر مليكهم ؟! فأجابه شجاع وقد حملته الغيرة ليقول له: «والله لو تنفس صاحب هذا القبر وأنت عليه ما سُمِعَ منك ما يكره سماعه، وما استقر بك قرار»

فهمّ به وكاد يقضي عليه لولا أن زوجة ألفونسو حالت بينه وبين شجاع، وقالت له: صدقك فيما قال، أفيفخر مثلك بهذا ؟! فأنى للإفرنج أن ينسوا من سن سُنة الصوائف والشواتي في بلاد الأندلس، كيف لهم أن يتناسوا من جعلهم ينحون جثث موتاهم جانبًا ليفسحوا له الطريق ليرحل بعد أن اشترط عليهم ذلك.

وبرغم جريمة ألفونسو وقبيح فعله فإنه حق للمنصور أن يهنأ ويرقد بسلام مطمئنًا تحت عرش ملوك النصارى بعد أن غزاهم أكثر من 54 مرة فلم تُنكس له راية ولم تهلك له سرية ولم ينهزم له جيشٌ قط.

✮ من مشاهد العزة 2:

غزا الحاجب المنصور بلاد البشكنس غزوة، فدخل فيها أعماق بلادهم، وأصبح وراء الجبال، وفي أثناء عودته سالماً غانماً كان القوط النصارى قد تجمعوا في مضيق ضيق جداً وحازوا على أطرافه وهيئوا سبلاً كثيرة لمنع الحاجب المنصور وجنوده من عبوره، ومن أصعب المواجهات، مواجهة عدو تمكن من ممرّ إجباري!!

فماذا فعل الحاجب المنصور؟!

لم يقتحم، ولم يقاتل! بل اختار مدينة قريبة من ذلك المكان، فنزلها ووزع جنوده في أرجائها، يعملون ويحرثون، يبيعون ويشترون، ويقوم بكل متطلبات الحياة فيها، وبعث الحاجب الجند بالسرايا يميناً وشمالاً يأسرون ويغنمون، حتى ضج القوط من غاراتهم، وأرسلوا إليه أن اعبر المضيق أنت وجنودك، إلا أن المنصور رفض قائلاً: لقد طابت لنا المعيشة هنا وإن هذه البلاد جميلة، يطيب سكناها، وسأبقى إلى السنة القادمة، لأغزو في الصيف القادم إن شاء الله تعالى، وكان جنده يأتون بقتلى النصارى منهم ومن القرى في السرايا والغارات ويلقونها إمام الوادي، حتى ضج سكان المنطقة إلى الذين في الوادي أن دعوه يعبر، فأرسلوا ثانية بذلك إلى الحاجب المنصور الذي قبل أن يمر عبر المضيق برجاله وذلك بشرطين: أن يحمل النصارى ما معه من الغنائم والأسلاب على دوابهم أمامه. وأن يقوموا هم بإزالة الجثث التي ألقاها على الطريق بفم الوادي. رضي القوط بذلك تخلصاً منه، وذلك هو العزم والحزم من المنصور رحمه الله تعالى.

✮ وفاته رحمه الله:

توفي الحاجب المنصور في 27 رمضان 392هـ/11 أغسطس 1002م في مدينة سالم، وهو عائد من إحدى غزواته على برغش، التي أصيب فيها بجروح، وكان أوصى بأن يدفن حيث مات، وكان يشتكي علة النقرس.. توفي بعد سبعةٍ وعشرين (27) عامًا من حكمه، وكان عمره أربعة وستون (64) سنة. وترك المنصور من الولد اثنين عبد الملك وعبد الرحمن، غير ابنه عبد الله الذي قتل عام 380 هـ.

وقد ذكر لنا المؤرخون أربعاً من زوجاته على الأقل، وهن أسماء بنت غالب الناصري، والذلفاء أم ولده عبد الملك وتريسا بنت برمودو الثاني ملك ليون، وأوراكا ابنة سانشو الثاني ملك نافارا التي تزوجها عام 371هـ، وأسلمت وسمّاها المنصور "عبدة" وهي أم ولده عبد الرحمن. وقد ترك المنصور من المال 54 بيتًا في مدينته الزاهرة.

ومن علامات حسن الخاتمة ، ان يموت المنصور في نفس اليوم الذي قام فيه بأعظم فتوحاته وغزواته، وهي غزوة شنت ياقب ، مات رحمه الله بعد أعوامٍ من الغزوات والفتوحات الناجحة. وقد بلغت غزواته التي غزاها بنفسه 54 غزوة، لم يهزم في أحدها وما نكست له راية قط، ووصل بفتوحاته حيث لم تطىء قدم قائد مسلم قبله.


دُفِن في قصره بمدينة سالم ونُقِش على قبره:

آثـاره تنبيك عــن أخبـاره

حتى كأنك بالعيان تراه

تالله لا يأتي الزمان بمثله أبداً

ولا يحمي الثغور سواه

الصورة لمدينة سالم التي دفن فيها المنصور.

يوجد مثل شعبي في إسبانيا يقول: "في قلعة النسور مات المنصور وفقد الطنبور". فمن هو المنصور؟ وما هو الطنبور؟

المنصور هو "الحاجب المنصور أبي عامر" من اقوى حكام الأندلس. والطنبور بالإسبانية يعني الطبلة tambor وكان جيش المنصور يدق الطبول في حربه، بعكس الإسبان الذين ينفخون بالأبواق المزعجة.

بيت الحاجب المنصور في قرطبة الأموية.


تروي الحوليات الإسبانية أن 7 من الفرسان‏ القشتالييين أتوا من برغش لتحرير والدهم ‏وقتل الحاجب المنصور فقبض عليهم وعلق رؤوسهم في هذا الزقاق الذي يسمى اليوم las cabezas زقاق الرؤوس!.

قنطرة القنطرة.

قنطرة القنطرة ، على نهر التاجه ، بناها الحاجب المنصور عام 999م ومازالت قائمة حتى اليوم.

✮ مصادر:

الحاجب المنصور البطل الذي ارعب اوروبا الصليبية

الحاجب المنصور - قناة عشها بعقل.


محمد بن أبي عامر المجاهد الذي لايهزم - قصة الإسلام.


محمد بن ابي عامر المنصور - فارس كحل.

لتحميل الكتاب من هنا.

قصة الأندلس من الفتح إلى السقوط - راغب السرجاني.

لتحميل الكتاب من هنا.



Report Page