[7:4] - الأعراف - القرطبي

[7:4] - الأعراف - القرطبي

القرطبي

﴿وَكَم مِن قَريَةٍ أَهلَكناها فَجاءَها بَأسُنا بَياتًا أَو هُم قائِلونَ﴾ [ الأعراف - 7:4 ]

قوله تعالى: وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون

قوله تعالى: وكم من قرية أهلكناها كم للتكثير؛ كما أن رب للتقليل. وهي في موضع رفع بالابتداء، وأهلكنا الخبر. أي وكثير من القرى - وهي مواضع اجتماع الناس - أهلكناها. ويجوز النصب بإضمار فعل بعدها، ولا يقدر قبلها؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. ويقوي الأول قوله: وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح ولولا اشتغال " أهلكنا " بالضمير لانتصب به موضع " كم ". ويجوز أن يكون أهلكنا صفة للقرية، و" كم " في المعنى هي القرية؛ فإذا وصفت القرية فكأنك قد وصفت " كم " يدل على ذلك قوله تعالى: وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا فعاد الضمير على " كم " على المعنى؛ إذ كانت الملائكة في المعنى. فلا يصح على هذا التقدير أن يكون " كم " في موضع نصب بإضمار فعل بعدها.

فجاءها بأسنا فيه إشكال للعطف بالفاء. فقال الفراء: الفاء بمعنى الواو، فلا يلزم الترتيب. وقيل: أي وكم من قرية أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا؛ كقوله: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم. وقيل: إن الهلاك. واقع ببعض القوم؛ فيكون التقدير: وكم من قرية أهلكنا بعضها فجاءها بأسنا فأهلكنا الجميع. وقيل: المعنى وكم من قرية أهلكناها في حكمنا فجاءها بأسنا. وقيل: أهلكناها بإرسالنا ملائكة العذاب إليها، فجاءها بأسنا وهو الاستئصال. والبأس: العذاب الآتي على النفس. وقيل: المعنى أهلكناها فكان إهلاكنا إياهم في وقت كذا؛ فمجيء البأس على هذا هو الإهلاك. وقيل: البأس غير الإهلاك؛ كما ذكرنا. وحكى الفراء أيضا أنه إذا كان معنى الفعلين واحدا أو كالواحد قدمت أيهما شئت؛ فيكون المعنى وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها؛ مثل: دنا فقرب، وقرب فدنا، وشتمني فأساء، وأساء فشتمني؛ لأن الإساءة والشتم شيء واحد. وكذلك قوله: اقتربت الساعة وانشق القمر. المعنى - والله أعلم - انشق القمر فاقتربت الساعة. والمعنى واحد.

بياتا أي ليلا؛ ومنه البيت، لأنه يبات فيه. يقال: بات يبيت بيتا وبياتا.

أو هم قائلون أي أو وهم قائلون، فاستثقلوا فحذفوا الواو؛ قاله الفراء. وقال الزجاج: هذا خطأ، إذا عاد الذكر استغني عن الواو، تقول: جاءني زيد راكبا أو هو ماش، ولا يحتاج إلى الواو. قال المهدوي: ولم يقل بياتا أو وهم قائلون لأن في الجملة ضميرا يرجع إلى الأول فاستغني عن الواو. وهو معنى قول الزجاج سواء، وليس " أو " للشك بل للتفصيل؛ كقولك: لأكرمنك منصفا لي أو ظالما. وهذه الواو تسمى عند النحويين واو الوقت. وقائلون من القائلة وهي القيلولة؛ وهي نوم نصف النهار. وقيل: الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر وإن لم يكن معها نوم. والمعنى جاءهم عذابنا وهم غافلون إما ليلا وإما نهارا.

Report Page