[2:27] - البقرة - الوسيط

[2:27] - البقرة - الوسيط

الطنطاوي

﴿الَّذينَ يَنقُضونَ عَهدَ اللَّهِ مِن بَعدِ ميثاقِهِ وَيَقطَعونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يوصَلَ وَيُفسِدونَ فِي الأَرضِ أُولئِكَ هُمُ الخاسِرونَ﴾ [ البقرة - 2:27 ]

ثم وصف الله - تعالى - هؤلاء الفاسقين بثلاث خصال ذميمة فقال: في بيان الخصلة الأولى: ( الذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ ).

والنقض: في اللغة حقيقة في فسخ وحل ما ركب ووصل، بفعل يعاكس الفعل الذي كان به التركيب مثل نقض الحبل المفتول وقد استعمل هنا مجازاً في إبطال العهد بقرينة إضافته إلى عهد الله.

وعبر عن إبطال العهد بالنقض، لأنه أبلغ في الدلالة على الإِبطال من القطع والصرم ونحوهما، لأن فى النقض إفساداً لهيئة الحبل.

والعهد: اسم للموثق الذي يلزم مراعاته وحفظه، يقال: عهد إليه في كذا، إذا أوصاه به ووثقه عليه.

وعهد الله: تارة يكون بما ركز في العقول من الحجة على التوحيد، وتارة يكون بما أوجبه الله على الناس على لسان رسله - صلوات الله عليهم - وتارة بما يلتزمه المؤمن. وليس بلازم له في أصل الشرع مما ليس بمعصية كالنذور وما يجري مجراها.

والميثاق: التوثقة، وهي التقوية والتثبيت، والمراد به: ما قوى الله به عهده.

وقوله: ( مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) متعلق بينقضون، ومن لابتداء الغاية، وميثاقه الضمير فيه يجوز أن يعود على العهد، وأن يعود على اسم الله - فهو على الأولى مصدر مضاف إلى المفعول، وعلى الثاني مضاف للفاعل.

أما الصفة الثانية التي وصفهم الله بها فهي قوله: ( وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ ) وهو عام في كل قطيعة لا يرضاها الله، كقطع الرحم، والإِعراض عن موالاة المؤمنين، وترك الجماعات المفروضة، وعدم وصل الأقوال الطيبة بالأعمال الصالحة، وسائر ما فيه رفض خير أو تعاطي شر.

وأما الصفة الثانية التي وصفهم بها فهي قوله - تعالى -:

( وَيُفْسِدُونَ فِي الأرض ).

والفساد في الأرض يقع بعبادة غير الله، وبالدعاية إلى الكفر به، وبالاستهزاء بالحق، وبالاعتداء على حقوق الغير، وبغير ذلك من الأمور التي حرمها الله - تعالى -.

وعبر بقوله ( فِي الأرض ) للإِشعار بأن فسادهم لا يقتصر عليهم، وإنما هو يتعداهم إلى غيرهم.

ثم بين - سبحانه - بعد أن دمغهم بتلك الصفات المرذولة - عاقبة أمرهم فقال: ( أولئك هُمُ الخاسرون ).

الخاسرون: جمع خاسر مأخوذ من الخسر والخسران وهو النقص، ومن نقض عهد الله، وقطع ما أمر الله بوصله، وأفسد في الأرض، لا شك أنه قد نقص نفسه حظها من الفلاح والفوز، وكانت عاقبته الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة.

قال ابن جرير: " والخاسرون جمع خاسر، وهم الناقصون أنفسهم حظوظهم من رحمة الله بسسبب معصيتهم له، كما يخسر الرجل في تجارته بأن يوضع من رأس ماله في بيعه، وكذلك المنافق والكافر قد خسرا بحرمان الله لهما من رحمته التي خلقها لعباده... "

وبعد أن عدد القرآن مساوئ أولئك الضالين، وبين سوء مصيرهم، ومآلهم، وجه إليهم الإِنكار والتوبيخ فخاطبهم بقوله:

( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ... )

Report Page