[2:259] - البقرة - الطبري

[2:259] - البقرة - الطبري

ابن جرير الطبري

﴿أَو كَالَّذي مَرَّ عَلى قَريَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُروشِها قالَ أَنّى يُحيي هذِهِ اللَّهُ بَعدَ مَوتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَم لَبِثتَ قالَ لَبِثتُ يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ قالَ بَل لَبِثتَ مِائَةَ عامٍ فَانظُر إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَم يَتَسَنَّه وَانظُر إِلى حِمارِكَ وَلِنَجعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ وَانظُر إِلَى العِظامِ كَيفَ نُنشِزُها ثُمَّ نَكسوها لَحمًا فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ﴾ [ البقرة - 2:259 ]

أو كالذي مر على قرية

القول في تأويل قوله تعالى: { أو كالذي مر على قرية } يعني تعالى ذكره بقوله: { أو كالذي مر على قريه } نظير الذي عنى بقوله: { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } من تعجيب محمد ﷺ منه. وقوله: { أو كالذي مر على قريه } عطف على قوله: { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه }. وإنما عطف قوله: { أو كالذي } على قوله: { إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } وإن اختلف لفظاهما، لتشابه جنسهما، لأن قوله، { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } بمعنى: هل رأيت يا محمد كالذي حاج إبراهيم في ربه، ثم عطف عليه بقوله: { أو كالذي مر على قريه } لأن من شأن العرب العطف بالكلام على معنى نظير له قد تقدمه وإن خالف لفظه لفظه. وقد زعم بعض نحويي البصرة أن " الكاف " في قوله، { أو كالذي مر على قريه } زائدة، وأن المعنى: ألم ترى إلى الذي حاج إبراهيم جميعا، أو الذي مر على قرية. وقد بينا قبل فيما مضى أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. واختلف أهل التأويل في الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، فقال بعضهم: هو عزير. ذكر من قال ذلك: 4591 - حدثنا محمد بن بشار، قال، ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب. { أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها } قال: عزير. 4592 - حدثنا ابن حميد. قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو خزيمة، قال: سمعت سليمان بن بريدة في قوله: { أو كالذي مر على قريه } قال: هو عزير. 4593 - حدثنا بشر، قال، ثنا يزيد. قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { أو كالذي مر على قريه خاوية على عروشها } قال، ذكر لنا أنه عزير. 4594 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتاده مثله. 4595 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه قوله: { أو كالذي مر على قريه } قال: قال الربيع: ذكر لنا والله أعلم أن الذي أتى على القرية هو عزير. 4596 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن ابن جريج، عن عكرمة: { أو كالذي مر على قريه وهي خاوية على عروشها } قال: عزير. 4597 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط عن السدي: { أو كالذي مر على قرية } قال: عزير. 4598 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { أو كالذي مر على قريه وهي خاويه على عروشها } إنه هو عزير. 4599 - حدثني يونس، قال: قال لنا سلم الخواص: كان ابن عباس يقول: هو عزير. وقال آخرون: هو إرميا بن حلقيا وزعم محمد بن إسحاق أن إرميا هو الخضر. 4600 - حدثنا بذلك ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثنا ابن إسحاق، قال: اسم الخضر فيما كان وهب بن منبه يزعم عن بني إسرائيل، إرميا بن حلقيا، وكان من سبط هارون بن عمران. ذكر من قال ذلك: 4601 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: ثنا عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله: { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } إن إرميا لما خرب بيت المقدس وحرقت الكتب، وقف في ناحية الجبل، فقال: { أنى يحيي هذه الله بعد موتها }. 4602 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه، قال: هو إرميا. * - حدثني محمد بن عسكر، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: سمعت عبد الصمد بن معقل، عن وهب بن منبه، مثله. 4603 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميمون، عن قيس بن سعد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير في قول الله: { أو كالذي مر على قريه وهي خاوية على عروشها } قال: كان نبيا وكان اسمه إرميا. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن قيس بن سعد، عن عبد الله بن عبيد، مثله. 4604 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني بكر بن مضر قال: يقولون والله أعلم: إنه إرميا. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره عجب نبيه ﷺ ممن قال إذ رأى قرية خاوية على عروشها: { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } مع علمه أنه ابتدأ خلقها من غير شيء، فلم يقنعه علمه بقدرته على ابتدائها، حتى قال: أنى يحييها الله بعد موتها! ولا بيان عندنا من الوجه الذي يصح من قبله البيان على اسم قائل ذلك، وجائز أن يكون ذلك عزيرا، وجائز أن يكون إرميا، ولا حاجة بنا إلى معرفة اسمه، إذ لم يكن المقصود بالآية تعريف الخلق اسم قائل ذلك. وإنما المقصود بها تعريف المنكرين قدرة الله على إحيائه خلقه بعد مماتهم، وإعادتهم بعد فنائهم، وأنه الذي بيده الحياة والموت من قريش، ومن كان يكذب بذلك من سائر العرب، وتثبيت الحجة بذلك على من كان بين ظهراني مهاجر رسول الله ﷺ من يهود بني إسرائيل بإطلاعه نبيه محمد ﷺ على ما يزيل شكهم في نبوته، ويقطع عذرهم في رسالته، إذ كانت هذه الأنباء التي أوحاها إلى نبيه محمد ﷺ في كتابه من الأنباء التي لم يكن يعلمها محمد ﷺ وقومه، ولم يكن علم ذلك إلا عند أهل الكتاب، ولم يكن محمد ﷺ وقومه منهم، بل كان أميا وقومه أميون، فكان معلوما بذلك عند أهل الكتاب من اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره أن محمدا ﷺ لم يعلم ذلك إلا بوحي من الله إليه. ولو كان المقصود بذلك الخبر عن اسم قائل ذلك لكانت الدلالة منصوبة عليه نصبا يقطع العذر ويزيل الشك، ولكن القصد كان إلى ذم قيله، فأبان تعالى ذكره ذلك لخلقه. واختلف أهل التأويل في القرية التي مر عليها القائل: { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } فقال بعضهم: هي بيت المقدس. ذكر من قال ذلك: 4605 - حدثني محمد بن سهل بن عسكر ومحمد بن عبد الملك، قالا: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه، قال: لما رأى إرميا هدم بيت المقدس كالجبل العظيم، قال: { أنى يحيي هذه الله بعد موتها }. 4606 - ثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه، قال: هي بيت المقدس. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق عمن لا يتهم أنه سمع وهب بن منبه يقول ذلك. 4607 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنه بيت المقدس، أتى عزير بعدما خربه بختنصر البابلي. 4608 - حدثنا عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { أو كالذي مر على قريه وهي خاوية على عروشها } أنه مر على الأرض المقدسة. 4609 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة في قوله: { أو كالذي مر على قرية } قال: القرية: بيت المقدس، مر بها عزير بعد إذ خربها بختنصر. 4610 - حدثنا عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { أو كالذي مر على قريه } قال: القرية بيت المقدس، مر عليها عزير وقد خربها بختنصر. وقال آخرون: بل هي القرية التي كان الله أهلك فيها الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، فقال لهم الله موتوا. ذكر من قال ذلك: 4611 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله تعالى ذكره: { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف } قال: قرية كان نزل بها الطاعون، ثم اقتص قصتهم التي ذكرناها في موضعها عنه، إلى أن بلغ فقال لهم الله موتوا في المكان الذي ذهبوا يبتغون فيه الحياة، فماتوا ثم أحياهم الله { إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون }. 2 243 قال: ومر بها رجل وهي عظام تلوح، فوقف ينظر، فقال { أنى يحيي هذه الله بعد موتها، فأماته الله مائة عام ثم بعثه } إلى قوله { لم يتسنه }. والصواب من القول في ذلك كالقول في اسم القائل: { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } سواء لا يختلفان.وهي خاوية على عروشها

القول في تأويل قوله تعالى: { وهي خاوية على عروشها }. يعني تعالى ذكره بقوله: { وهي خاويه } وهي خالية من أهلها وسكانها، يقال من ذلك: خوت الدار تخوي خواء وخويا، وقد يقال للقرية: خويت، والأول أعرب وأفصح. وأما في المرأة إذا كانت نفساء فإنه يقال: خويت تخوى خوى منقوصا، وقد يقال فيها: خوت تخوي، كما يقال في الدار، وكذلك خوي الجوف يخوى خواء شديدا، ولو قيل في الجوف ما قيل في الدار وفي الدار ما قيل في الجوف كان صوابا، غير أن الفصيح ما ذكرت. وأما العروش: فإنها الأبنية والبيوت، واحدها عرش، وجمع قليله أعرش، وكل بناء فإنه عرش، ويقال: عرش فلان دارا يعرش ويعرش، وعرش تعريشا، ومنه قول الله تعالى ذكره: { وما كانوا يعرشون } 7 137 يعني يبنون، ومنه قيل عريش مكه، يعني به: خيامها وأبنيتها. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك. 4612 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال، قال ابن جريج، قال ابن عباس: خاوية: خراب. قال ابن جريج: بلغنا أن عزيرا خرج فوقف على بيت المقدس وقد خربه بختنصر، فوقف فقال: أبعد ما كان لك من القدس والمقاتلة والمال ما كان! فحزن. 4613 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { وهي خاوية على عروشها } قال: هي خراب. 4614 - حدثنا عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: مر عليها عزير وقد خربها بختنصر. 4615 - حدثت عن موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { وهي خاوية على عروشها } يقول: ساقطة على سقفها.قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام

القول في تأويل قوله تعالى: { قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام } ومعنى ذلك فيما ذكرت: أن قائله لما مر ببيت المقدس، أو بالموضع الذي ذكر الله أنه مر به خرابا بعدما عهده عامرا، قال: { أنى يحيي هذه الله بعد موتها لا }؟ فقال بعضهم: كان قيله ما قال من ذلك شكا في قدرة الله على إحيائه. فأراه الله قدرته على ذلك بضربه المثل له في نفسه، ثم أراه الموضع الذي أنكر قدرته على عمارته وإحيائه، أحيا ما رآه قبل خرابه، وأعمر ما كان قبل خرابه. وذلك أن قائل ذلك كان فيما ذكر لنا عهده عامرا بأهله وسكانه، ثم رآه خاويا على عروشه، قد باد أهله وشتتهم القتل والسباء، فلم يبق منهم بذلك المكان أحد، وخربت منازلهم ودورهم، فلم يبق إلا الأثر. فلما رآه كذلك بعد الحال التي عهده عليها، قال: على أي وجه يحيي هذه الله بعد خرابها فيعمرها! استنكارا فيما قاله بعض أهل التأويل. فأراه كيفية إحيائه ذلك بما ضربه له في نفسه. وفيما كان من شرابه وطعامه، ثم عرفه قدرته على ذلك وعلى غيره بإظهاره إحياء ما كان عجيبا عنده في قدرة الله إحياؤه لرأي عينه حتى أبصره ببصره، فلما رأى ذلك قال: { أعلم أن الله على كل شيء قدير }. وكان سبب قيله ذلك كالذي: 4616 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه اليماني أنه كان يقول: قال الله لإرميا حين بعثه نبيا إلى بني إسرائيل: يا إرميا من قبل أن أخلقك اخترتك، ومن قبل أن أصورك في رحم أمك قدستك، ومن قبل أن أخرجك من بطنها طهرتك، ومن قبل أن تبلغ السعي نبأتك، ومن قبل أن تبلغ الأشد اخترتك، ولأمر عظيم اجتبيتك، فبعث الله تعالى ذكره إرميا إلى ملك بني إسرائيل يسدده ويرشده، ويأتيه بالبر من الله فيما بينه وبينه؛ قال: ثم عظمت الأحداث في بني إسرائيل، وركبوا المعاصي، واستحلوا المحارم، ونسوا ما كان الله صنع بهم، وما نجاهم من عدوهم سنحاريب، فأوحى الله إلى إرميا: أن ائت قومك من بني إسرائيل، فاقصص عليهم ما آمرك به، وذكرهم نعمتي عليهم وعرفهم أحداثهم، ثم ذكر ما أرسل الله به إرميا إلى قومه من بني إسرائيل، قال: ثم أوحى الله إلى إرميا: إني مهلك بني إسرائيل بيافث، ويافث أهل بابل، وهم من ولد يافث بن نوح؛ فلما سمع إرميا وحي ربه، صاح وبكى وشق ثيابه، ونبذ الرماد على رأسه، فقال: ملعون يوم ولدت فيه، ويوم لقيت التوراة، ومن شر أيامي يوم ولدت فيه، فما أبقيت آخر الأنبياء إلا لما هو شر علي، لو أراد بي خيرا ما جعلني آخر الأنبياء من بني إسرائيل، فمن أجلي تصيبهم الشقوة والهلاك؛ فلما سمع الله تضرع الخضر وبكاءه وكيف يقول: ناداه: إرميا أشق عليك ما أوحيت إليك؟ قال: نعم يا رب أهلكني في بني إسرائيل ما لا أسر به، فقال الله: وعزتي العزيزة لا أهلك بيت المقدس وبني إسرائيل حتى يكون الأمر من قبلك في ذلك، ففرح عند ذلك إرميا لما قال له ربه، وطابت نفسه، وقال: لا والذي بعث موسى وأنبياءه بالحق، لا آمر ربي بهلاك بني إسرائيل أبدا، ثم أتى ملك بني إسرائيل، وأخبره بما أوحى الله إليه، ففرح واستبشر، وقال: إن يعذبنا ربنا فبذنوب كثيرة قدمناها لأنفسنا، وإن عفا عنا فبقدرته؛ ثم إنهم لبثوا بعد هذا الوحي ثلاث سنين لم يزدادوا إلا معصية، وتمادوا في الشر، وذلك حين اقترب هلاكهم، فقل الوحي، حتى لم يكونوا يتذكرون الآخرة، وأمسك عنهم حين ألهتهم الدنيا وشأنها، فقال ملكهم: يا بني إسرائيل انتهوا عما أنتم عليه قبل أن يمسكم بأس من الله، وقبل أن يبعث عليكم ملوك لا رحمة لهم بكم، فإن ربكم قريب التوبة، مبسوط اليدين بالخير، رحيم من تاب إليه، فأبوا عليه أن ينزعوا عن شيء مما هم عليه، وإن الله ألقى في قلب بختنصر بن نعون بن زادان أن يسير إلى بيت المقدس، ثم يفعل فيه ما كان جده سنحاريب أراد أن يفعله، فخرج في ستمائة ألف راية يريد أهل بيت المقدس؛ فلما فصل سائرا أتى ملك بني إسرائيل الخبر أن بختنصر أقبل هو وجنوده يريدكم، فأرسل الملك إلى إرميا، فجاءه فقال: يا إرميا أين ما زعمت لنا أن ربنا أوحى إليك أن لا يهلك أهل بيت المقدس حتى يكون منك الأمر في ذلك، فقال إرميا للملك: إن ربي لا يخلف الميعاد، وأنا به واثق؛ فلما اقترب الأجل، ودنا انقطاع ملكهم، وعزم الله على هلاكهم، بعث الله ملكا من عنده، فقال له: اذهب إلى إرميا فاستفته، وأمره بالذي يستفتيه فيه، فأقبل الملك إلى إرميا، وقد تمثل له رجلا من بني إسرائيل، فقال له إرميا: من أنت؟ قال: رجل من بني إسرائيل أستفتيك في بعض أمري، فأذن له، فقال الملك: يا نبي الله أتيتك أستفتيك في أهل رحمي، وصلت أرحامهم بما أمرني الله به، لم آت إليهم إلا حسنا، ولم آلهم كرامة، فلا تزيدهم كرامتي إياهم إلا إسخاطا لي، فأفتني فيهم يا نبي الله، فقال له: أحسن فيما بينك وبين الله، وصل ما أمرك الله به أن تصل، وأبشر بخير، فانصرف عنه الملك؛ فمكث أياما ثم أقبل إليه في صورة ذلك الرجل الذي جاءه، فقعد بين يديه، فقال له إرميا: من أنت؟ قال: أنا الرجل الذي أتيتك في شأن أهلي، فقال له نبي الله، أوما طهرت لك أخلاقهم بعد، ولم تر منهم الذي تحب، فقال: يا نبي الله، والذي بعثك بالحق ما أعلم كرامة يأتيها أحد من الناس إلى أهل رحمه إلا وقد أتيتها إليهم وأفضل من ذلك، فقال النبي ﷺ: ارجع إلى أهلك فأحسن إليهم، أسأل الله الذي يصلح عباده الصالحين أن يصلح ذات بينكم، وأن يجمعكم على مرضاته، ويجنبكم سخطه، فقال الملك من عنده، فلبث أياما، وقد نزل بختنصر بجنوده حول بيت المقدس أكثر من الجراد، ففزع بنو إسرائيل فزعا شديدا، وشق ذلك على ملك بني إسرائيل، فدعا إرميا، فقال: يا نبي الله، أين ما وعدك الله، إني بربي واثق، ثم إن الملك أقبل إلى إرميا وهو قاعد على جدار بيت المقدس يضحك ويستبشر بنصر ربه الذي وعده، فقعد بين يديه، فقال له إرميا: من أنت؟ قال: أنا الذي كنت استفتيتك في شأن أهلي مرتين، فقال له النبي ﷺ: أولم يأن لهم أن يفيقوا من الذي هم فيه؟ فقال الملك: يا نبي الله كل شيء كان يصيبني منهم قبل اليوم كنت أصبر عليه، وأعلم أنما قصدهم في ذلك سخطي، فلما أتيتهم اليوم رأيتهم في عمل لا يرضي الله، ولا يحبه الله، فقال النبي ﷺ: على أي عمل رأيتهم؟ قال: يا نبي الله رأيتهم على عمل عظيم من سخط الله، ولو كانوا على مثل ما كانوا عليه قبل اليوم لم يشتد عليهم غضبي، وصبرت لهم ورجوتهم، ولكن غضبت اليوم لله ولك، فأتيتك لأخبرك خبرهم، وإني أسألك بالله الذي بعثك بالحق إلا ما دعوت عليهم ربك أن يهلكهم، فقال إرميا: يا مالك السموات والأرض، إن كانوا على حق وصواب فأبقهم، وإن كانوا على سخطك وعمل لا ترضاه، فأهلكهم؛ فلما خرجت الكلمة من في إرميا أرسل الله صاعقة من السماء في بيت المقدس، فالتهب مكان القربان وخسف بسبعة أبواب من أبوابها؛ فلما رأى ذلك إرميا صاح وشق ثيابه، ونبذ الرماد على رأسه، فقال يا ملك السماء، ويا أرحم الراحمين أين ميعادك الذي وعدتني؟ فنودي إرميا إنه لم يصبهم الذي أصابهم إلا بفتياك التي أفتيت بها رسولنا، فاستيقن النبي ﷺ أنها فتياه التي أفتى بها ثلاث مرات، وأنه رسول ربه، فطار إرميا حتى خالط الوحوش، ودخل بختنصر وجنوده بيت المقدس، فوطئ الشام وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم، وخرب بيت المقدس، ثم أمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه ترابا ثم يقذفه في بيت المقدس، فقذفوا فيه التراب حتى ملئوه، ثم انصرف راجعا إلى أرض بابل، واحتمل معه سبايا بني إسرائيل، وأمرهم أن يجمعوا من كان في بيت المقدس كلهم، فاجتمع عنده كل صغير وكبير من بني إسرائيل، فاختار منهم تسعين ألف صبي؛ فلما خرجت غنائم جنده، وأراد أن يقسمهم فيهم، قالت له الملوك الذين كانوا معه: أيها الملك، لك غنائمنا كلها، واقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذين اخترتهم من بني إسرائيل، ففعل، فأصاب كل واحد منهم أربعة غلمة، وكان من أولئك الغلمان: دانيال، وعزاريا، ومسايل، وحنانيا. وجعلهم بختنصر ثلاث فرق: فثلثا أقر بالشام، وثلثا سبى، وثلثا قتل، وذهب بأسبية بيت المقدس حتى أقدمها بابل وبالصبيان التسعين الألف حتى أقدمهم بابل، فكانت هذه الواقعة الأولى التي ذكر الله تعالى ذكره نبي الله بأحداثهم وظلمهم، فلما ولى بختنصر عنه راجعا إلى بابل بمن معه من سبايا بني إسرائيل، أقبل إرميا على حمار له معه عصير من عنب في زكرة وسلة تين، حتى أتى إيليا، فلما وقف عليها، ورأى ما بها من الخراب دخله شك، فقال: { أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام } وحماره وعصيره وسلة تينه عنده حيث أماته الله، ومات حماره معه، فأعمى الله عنه العيون، فلم يره أحد، ثم بعثه الله تعالى، فقال له: { كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } يقول: لم يتغير { وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما } فنظر إلى حماره يتصل بعضه إلى بعض، وقد مات معه بالعروق والعصب، ثم كيف كسي ذلك منه اللحم، حتى استوى، ثم جرى فيه الروح، فقام ينهق، ونظر إلى عصيره وتينه، فإذا هو على هيئته حين وضعه لم يتغير. فلما عاين من قدرة الله ما عاين قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير، ثم عمر الله إرميا بعد ذلك، فهو الذي يرى بفلوات الأرض والبلدان. 4617 - حدثني محمد بن عسكر وابن زنجويه، قالا: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول: أوحى الله إلى إرميا وهو بأرض مصر أن الحق بأرض إيليا، فإن هذه ليست لك بأرض مقام، فركب حماره، حتى إذا كان ببعض الطريق، ومعه سلة من عنب وتين، وكان معه سقاء حديد، فملأه ماء، فلما بدا له شخص بيت المقدس وما حوله من القرى والمساجد، ونظر إلى خراب لا يوصف، ورأى هدم بيت المقدس كالجبل العظيم، قال: { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } وسار حتى تبوأ منها منزلا، فربط حماره بحبل جديد. وعلق سقاءه، وألقى الله عليه السبات؛ فلما نام نزع الله روحه مائة عام؛ فلما مرت من المائة سبعون عاما، أرسل الله ملكا إلى ملك من ملوك فارس عظيم يقال له يوسك، فقال: إن الله يأمرك أن تنفر بقومك فتعمر بيت المقدس وإيلياء وأرضها، حتى تعود أعمر ما كانت، فقال الملك: أنظرني ثلاثه أيام حتى أتأهب لهذا العمل ولما يصلحه من أداء العمل، فأنظره ثلاثة أيام، فانتدب ثلاثمائة قهرمان، ودفع إلى كل قهرمان ألف عامل، وما يصلحه من أداة العمل، فسار إليها قهارمته، ومعهم ثلاثمائة ألف عامل؛ فلما وقعوا في العمل رد الله روح الحياة في عين إرميا، وأخر جسده ميتا، فنظر إلى إيليا وما حولها من القرى والمساجد والأنهار والحروث تعمل وتعمر وتجدد، حتى صارت كما كانت. وبعد ثلاثين سنة تمام المائه، رد إليه الروح، فنظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنه، ونظر إلى حماره واقفا كهيئته يوم ربطه لم يطعم ولم يشرب، ونظر إلى الرمة في عنق الحمار لم تتغير جديدة، وقد أتى على ذلك ريح مائة عام وبرد مائة عام وحر مائة عام، لم تتغير ولم تنتقض شيئا، وقد نحل جسم إرميا من البلى، فأنبت الله له لحما جديدا، ونشز عظامه وهو ينظر، فقال له الله: { انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير }. 4618 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله: { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } إن إرميا لما خرب بيت المقدس وحرقت الكتب، وقف في ناحية الجبل، فقال: { أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام } ثم رد الله من رد من بني إسرائيل على رأس سبعين سنة من حين أماته يعمرونها ثلاثين سنة تمام المائة؛ فلما ذهبت المائة رد الله روحه وقد عمرت على حالها الأولى، فجعل ينظر إلى العظام كيف تلتام بعضها إلى بعض، ثم نظر إلى العظام كيف تكسى عصبا ولحما. { فلما تبين } له ذلك { قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } فقال الله تعالى ذكره: { انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } قال: فكان طعامه تينا في مكتل، وقلة فيها ماء. 4619 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { أو كالذي مر على قريه وهي خاويه على عروشها } وذلك أن عزيرا مر جائيا من الشام على حمار له معه عصير وعنب وتين؛ فلما مر بالقرية فرآها، وقف عليها وقلب يده وقال: كيف يحيي هذه الله بعد موتها؟ ليس تكذيبا منه وشكا. فأماته الله وأمات حماره، فهلكا ومر عليهما مائة سنة. ثم إن الله أحيا عزيرا فقال له: كم لبثت؟ قال له: لبثت يوما أو بعض. قيل له: بل لبثت مائة عام، فانظر إلى طعامك من التين والعنب، وشرابك من العصير { لم يتسنه }. الآية.ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام

القول في تأويل قوله تعالى: { ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل مائة عام }. يعني تعالى ذكره بقوله: { ثم بعثه } ثم أثاره حيا من بعد مماته. وقد دللنا على معنى البعث فيما مضى قبل. وأما معنى قوله: { كم لبثت } فإن كم استفهام في كلام العرب عن مبلغ العدد، وهو في هذا الموضع نصب ب " لبثت "، وتأويله: قال الله له: كم قدر الزمان الذي لبثت ميتا قبل. أن أبعثك من مماتك حيا؟ قال المبعوث بعد مماته: لبثت ميتا إلى أن بعثتني حيا يوما واحدا أو بعض يوم. وذكر أن المبعوث هو إرميا أو عزير، أو من كان ممن أخبر الله عنه هذا الخبر. وإنما قال: { لبثت يوما أو بعض يوم } لأن الله تعالى ذكره كان قبض روحه أول النهار، ثم رد روحه آخر النهار بعد المائة عام فقيل له: كم لبثت؟ قال: لبثت يوما؛ وهو يرى أن الشمس قد غربت فكان ذلك عنده يوما لأنه ذكر أنه قبض روحه أول النهار وسئل عن مقدار لبثه ميتا آخر النهار وهو يرى أن الشمس قد غربت، فقال: لبثت يوما، ثم رأى بقية من الشمس قد بقيت لم تغرب، فقال: أو بعض يوم، بمعنى: بل بعض يوم، كما قال تعالى ذكره: { وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } 37 147 بمعنى: بل يزيدون. فكان قوله: { أو بعض يوم } رجوعا منه عن قوله: { لبثت يوما }. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 4620 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم } قال: ذكر لنا أنه مات ضحى، ثم بعثه قبل غيبوبة الشمس، فقال: لبثت يوما. ثم التفت فرأى بقية من الشمس، فقال: أو بعض يوم. فقال: بل لبثت مائة عام. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } قال: مر على قرية فتعجب، فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها! فأماته الله أول النهار، فلبث مائة عام، ثم بعثه في آخر النهار، فقال: كم لبثت؟ قال: لبثت يوما أو بعض يوم، قال: بل لبثت مائة عام. 4621 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، قال: قال الربيع: أماته الله مائة عام، ثم بعثه، قال: كم لبثت؟ قال: لبثت يوما أو بعض يوم. قال: بل لبثت مائة عام. 4622 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال، ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: لما وقف على بيت المقدس وقد خربه بختنصر، قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها! كيف يعيدها كما كانت؟ فأماته الله. قال: وذكر لنا أنه مات ضحى، وبعث قبل غروب الشمس بعد مائة عام، فقال: كم لبثت؟ قال: يوما. فلما رأى الشمس، قال: أو بعض يوم.فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه

القول في تأويل قوله تعالى: { فانطر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه }. يعني تعالى ذكره بقوله: { فانطر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } لم تغيره السنون التي أتت عليه. وكان طعامه فيما ذكر بعضهم سلة تين وعنب وشرابه قلة ماء. وقال بعضهم: بل كان طعامه سلة عنب وسلة تين وشرابه زق من عصير. وقال آخرون: بل كان طعامه سلة تين، وشرابه دن خمر أو زكرة خمر. وقد ذكرنا فيما مضى قول بعضهم في ذلك ونذكر ما فيه فيما يستقبل إن شاء الله. وأما قوله { لم يتسنه } ففيه وجهان من القراءة: أحدهما: " لم يتسن " بحذف الهاء في الوصل وإثباتها في الوقف. ومن قرأه كذلك فإنه يجعل الهاء في يتسنه زائدة صلة كقوله: { فبهداهم اقتده } 6 90 وجعل فعلت منه: تسنيت تسنيا، واعتل في ذلك بأن السنة تجمع سنوات، فيكون تفعلت على نهجه. ومن قال في السنه سنينة فجائز على ذلك وإن كان قليلا أن يكون تسننت تفعلت، أبدلت النون ياء لما كثرت النونات كما قالوا: تظنيت وأصله الظن؛ وقد قال قوم. هو مأخوذ من قوله: { من حمإ مسنون } 15 26 وهو المتغير. وذلك أيضا إذا كان كذلك، فهو أيضا مما بدلت نونه ياء، وهو قراءة عامة قراء الكوفة. والآخر منهما: إثبات الهاء في الوصل والوقف، ومن قرأه كذلك فإنه يجعل الهاء في يتسنه لام الفعل ويحملها مجزومة بلم، ويحصل فعلت منه تسنهت، ويفعل: أتسنه تسنها، وقال في تصغير السنه: سنيهة، ومنه: أسنهت عند القوم، وتسنهت عندهم: إذا أقمت سنة، هذه قراءة عامة قراء أهل المدينة والحجاز. والصواب من القراءة عندي في ذلك، إثبات الهاء في الوصل والوقف، لأنها مثبتة في مصحف المسلمين، ولإثباتها وجه صحيح في كلتا الحالتين في ذلك. ومعنى قوله: { لم يتسنه } لم يأت عليه السنون فيتغير، على لغة من قال: أسنهت عندكم أسنه: إذا أقام سنة، وكما قال الشاعر: وليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائح فجعل الهاء في السنة أصلا، وهي اللغة الفصحى، وغير جائز حذف حرف من كتاب الله في حال وقف أو وصل لإثباته وجه معروف في كلامها. فإن اعتل معتل بأن المصحف قد ألحقت فيه حروف هن زوائد على نية الوقف، والوجه في الأصل عند القراءة حذفهن، وذلك كقوله: { فبهداهم اقتده } 6 90 وقوله: { يا ليتني لم أوت كتابيه } 69 25 فإن ذلك هو مما لم يكن فيه شك أنه من الزوائد، وأنه ألحق على نية الوقف. فأما ما كان محتملا أن يكون أصلا للحرف غير زائد فغير جائز، وهو في مصحف المسلمين مثبت صرفه إلى أنه من الزوائد والصلات. على أن ذلك وإن كان زائدا فيما لا شك أنه من الزوائد، فإن العرب قد تصل الكلام بزائد، فتنطق به على نحو منطقها به في حال القطع، فيكون وصلها إياه وقطعها سواء. وذلك من فعلها دلالة على صحة قراءة من قرأ جميع ذلك بإثبات الهاء في الوصل والوقف، غير أن ذلك وإن كان كذلك فلقوله: { لم يتسنه } حكم مفارق حكم ما كان هاؤه زائدا لا شك في زيادته فيه. ومما يدل على صحة ما قلنا، من أن الهاء في يتسنه من لغة من قال: " قد أسنهت " و" المسانهة "، ما: 4623 - حدثت به عن القاسم بن سلام، قال: ثنا ابن مهدي، عن أبي الجراح، عن سليمان بن عمير، قال: ثني هانئ مولى عثمان، قال: كنت الرسول بين عثمان وزيد بن ثابت، فقال زيد: سله عن قوله: لم يتسن، أو لم يتسنه؟ فقال عثمان: اجعلوا فيها هاء. 4624 - حدثت عن القاسم، وحدثنا محمد بن محمد العطار، عن القاسم، وحدثنا أحمد والعطار جميعا، عن القاسم، قال: ثنا ابن مهدي، عن ابن المبارك، قال: ثني أبو وائل شيخ من أهل اليمن عن هانئ البربري، قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف، فأرسلني بكتف شاة إلى أبي بن كعب فيها: " لم يتسن " و" فأمهل الكافرين " و" لا تبديل للخلق ". قال: فدعا بالدواة، فمحا إحدى اللامين وكتب: { لا تبديل لخلق الله } 30 30 ومحا " فأمهل " وكتب: { فمهل الكافرين } 86 17 وكتب: " لم يتسنه " ألحق فيها الهاء. ولو كان ذلك من " يتسنى " أو " يتسنن " لما ألحق فيه أبي هاء لا موضع لها فيه، ولا أمر عثمان بإلحاقها فيها. وقد روي عن زيد بن ثابت في ذلك نحو الذي روي فيه عن أبي بن كعب. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله { لم يتسنه } فقال بعضهم بمثل الذي قلنا فيه من أن معناه لم يتغير. ذكر من قال ذلك: 4625 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن المفضل، عن محمد بن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه: { لم يتسنه } لم يتغير. 4626 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { لم يتسنه } لم يتغير. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله. 4627 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } يقول: فانظر إلى طعامك من التين والعنب، وشرابك من العصير لم يتسنه، يقول: لم يتغير فيحمض التين والعنب، ولم يختمر العصير هما حلوان كما هما. وذلك أنه مر جائيا من الشام على حمار له معه عصير وعنب وتين، فأماته الله، وأمات حماره، ومر عليهما مائة سنة. 4628 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } يقول: لم يتغير، وقد أتى عليه مائة عام. * - حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك، بنحوه. 4629 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: { لم يتسنه } لم يتغير. 4630 - حدثنا سفيان، قال: ثنا أبي، عن النضر، عن عكرمة: { لم يتسنه } لم يتغير. 4631 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: { لم يتسنه } لم يتغير في مائة سنة. 4632 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني بكر بن مضر، قال: يزعمون في بعض الكتب أن إرميا كان بإيليا حين خربها بختنصر، فخرج منها إلى مصر فكان بها، فأوحى الله إليه أن اخرج منها إلى بيت المقدس. فأتاها فإذا هي خربة، فنظر إليها فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها! فأماته الله مائة عام ثم بعثه، فإذا حماره حي قائم على رباطه، وإذا طعامه سل عنب وسل تين لم يتغير عن حاله. قال يونس: قال لنا سلم الخواص: كان طعامه وشرابه سل عنب وسل تين وزق عصير. وقال آخرون: معنى ذلك: لم ينتن. ذكر من قال ذلك: 4633 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: { لم يتسنه } لم ينتن. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 4634 - حدثني القاسم، قال: ثنا الحسن، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد قوله: { إلى طعامك } قال: سل تين، { وشرابك } دن خمر، { لم يتسنه } يقول: لم ينتن. وأحسب أن مجاهدا والربيع ومن قال في ذلك بقولهما رأوا أن قوله: { لم يتسنه } من قول الله تعالى ذكره: { من حمإ مسنون } 15 26 بمعنى المتغير الريح بالنتن من قول القائل: تسنن. وقد بينت الدلالة فيما مضى على أن ذلك ليس كذلك. فإن ظن ظان أنه من الآسن من قول القائل: أسن هذا الماء يأسن أسنا، كما قال الله تعالى ذكره: { فيها أنهار من ماء غير آسن } 47 15 فإنه ذلك لو كان كذلك لكان الكلام: فانطر إلى طعامك وشرابك لم يتأسن، ولم يكن يتسنه. فإنه منه، غير أنه ترك همزة، قيل: فإنه وإن ترك همزه فغير جائز تشديد نونه، لأن النون غير مشددة، وهي في يتسنه مشددة، ولو نطق من يتأسن بترك الهمزة لقيل يتسن بتخفيف نونه بغير هاء تلحق فيه، ففي ذلك بيان واضح أنه غير جائز أن يكون من الأسن.وانظر إلى حمارك

Report Page