[2:255] - البقرة - الطبري

[2:255] - البقرة - الطبري

ابن جرير الطبري

﴿اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ الحَيُّ القَيّومُ لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَومٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ مَن ذَا الَّذي يَشفَعُ عِندَهُ إِلّا بِإِذنِهِ يَعلَمُ ما بَينَ أَيديهِم وَما خَلفَهُم وَلا يُحيطونَ بِشَيءٍ مِن عِلمِهِ إِلّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّماواتِ وَالأَرضَ وَلا يَئودُهُ حِفظُهُما وَهُوَ العَلِيُّ العَظيمُ﴾ [ البقرة - 2:255 ]

القول في تأويل قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ

قال أبو جعفر: قد دللنا فيما مضى على تأويل قوله: " الله " (17).

* * *

وأما تأويل قوله: " لا إله إلا هو " فإن معناه: النهي عن أن يعبد شيء غير الله الحي القيوم الذي صفته ما وصف به نفسه تعالى ذكره في هذه الآية. يقول: " الله " الذي له عبادة الخلق=" الحي القيوم "، لا إله سواه، لا معبود سواه، يعني: ولا تعبدوا شيئا سوى الحي القيوم الذي لا يأخذه سِنة ولا نوم، (18) والذي صفته ما وصف في هذه الآية.

* * *

وهذه الآية إبانة من الله تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله عما جاءت به أقوال المختلفين في البينات= (19) من بعد الرسل الذين أخبرنا تعالى ذكره أنه فضل بعضهم على بعض= واختلفوا فيه، فاقتتلوا فيه كفرا به من بعض، وإيمانا به من بعض. فالحمد لله الذي هدانا للتصديق به، ووفقنا للإقرار.

* * *

وأما قوله: " الحي" فإنه يعني: الذي له الحياة الدائمة، والبقاء الذي لا أول له بحد، ولا آخر له بأمد، (20) إذ كان كل ما سواه فإنه وإن كان حيا فلحياته أول محدود، وآخر ممدود، ينقطع بانقطاع أمدها، (21) وينقضي بانقضاء غايتها.

* * *

وبما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

5763 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " الحي" حي لا يموت.

5764 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله.

* * *

قال أبو جعفر: وقد اختلف أهل البحث في تأويل ذلك (22).

فقال بعضهم: إنما سمى الله نفسه " حيا "، لصرفه الأمور مصارفها وتقديره الأشياء مقاديرها، فهو حي بالتدبير لا بحياة.

وقال آخرون: بل هو حي بحياة هي له صفة.

وقال آخرون: بل ذلك اسم من الأسماء تسمى به، فقلناه تسليما لأمره (23).

* * *

وأما قوله: " القيوم "، فإنه " الفيعول " من " القيام " وأصله " القيووم "،: سبق عين الفعل، وهي" واو "،" ياء " ساكنة، فأدغمتا فصارتا " ياء " مشددة.

وكذلك تفعل العرب في كل " واو " كانت للفعل عينا، سبقتها " ياء " ساكنة. ومعنى قوله: " القيوم "، القائم برزق ما خلق وحفظه، كما قال أمية: (24).

لــم تخــلق الســماء والنجــوم

والشــمس معهــا قمــر يعــوم (25)

قــــدره المهيمـــن القيـــوم

والجســـر والجنـــة والجحــيم (26)

إلا لأمــر شـأنه عظيــم

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

5765 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " القيوم "، قال: القائم على كل شيء.

5766 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " القيوم "، قيم كل شيء، يكلؤه ويرزقه ويحفظه.

5767 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " القيوم " وهو القائم.

&; 5-389 &;

5768 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: " الحي القيوم "، قال: القائم الدائم.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " لا تأخذه سنة "، لا يأخذه نعاس فينعس، ولا نوم فيستثقل نوما.

* * *

" والوسن " خثورة النوم، (27) ومنه قول عدي بن الرقاع:

وســنان أقصـده النعـاس فـرنقت

فــي عينــه ســنة وليس بنـائم (28)

ومن الدليل على ما قلنا: من أنها خثورة النوم في عين الإنسان، قول الأعشى ميمون بن قيس:

تعـــاطى الضجــيع إذا أقبلــت

بعيــد النعــاس وقبــل الوســن (29)

وقال آخر: (30)

باكرتهـا الأغـراب فـي سـنة النـو

م فتجــري خـلال شـوك السـيال (31)

&; 5-391 &;

يعني عند هبوبها من النوم ووسن النوم في عينها، يقال منه: " وسن فلان فهو يوسن وسنا وسنة وهو وسنان "، إذا كان كذلك.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

5769 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله تعالى: " لا تأخذه سنة " قال: السنة: النعاس، والنوم: هو النوم (32).

5770 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " لا تأخذه سنة " السنة: النعاس.

5771 - حدثنا الحسن بن يحيي، قال: أخبرنا عبد الرازق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة والحسن في قوله: " لا تأخذه سنة " قالا نعسة.

5772 - حدثني المثنى، قال، حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: " لا تأخذه سنة ولا نوم " قال: السنة: الوسنة، وهو دون النوم، والنوم: الاستثقال،

5773 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن &; 5-392 &; جويبر، عن الضحاك: " لا تأخذه سنة ولا نوم " السنة: النعاس، والنوم: الاستثقال.

5774 - حدثني يحيي بن أبي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، مثله سواء.

5775 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " لا تأخذه سنة ولا نوم " أما " سنة "، فهو ريح النوم الذي يأخذ في الوجه فينعس الإنسان (33).

5776 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " لا تأخذه سنة ولا نوم " قال: " السنة "، الوسنان بين النائم واليقظان.

5777 - حدثني عباس بن أبي طالب، قال: حدثنا منجاب بن الحرث، قال: حدثنا علي بن مسهر، عن إسماعيل عن يحيى بن رافع: " لا تأخذه سنة " قال: النعاس (34).

5778 - حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " لا تأخذه سنة ولا نوم " قال: " الوسنان ": الذي يقوم من النوم لا يعقل، حتى &; 5-393 &; ربما أخذ السيف على أهله.

* * *

قال أبو جعفر: وإنما عنى تعالى ذكره بقوله: " لا تأخذه سنة ولا نوم " لا تحله الآفات، ولا تناله العاهات. وذلك أن " السنة " و" النوم "، معنيان يغمران فهم ذي الفهم، ويزيلان من أصاباه عن الحال التي كان عليها قبل أن يصيباه.

* * *

فتأويل الكلام، إذ كان الأمر على ما وصفنا: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الذي لا يموت= الْقَيُّومُ على كل ما هو دونه بالرزق والكلاءة والتدبير والتصريف من حال إلى حال=" لا تأخذه سنة ولا نوم "، لا يغيره ما يغير غيره، ولا يزيله عما لم يزل عليه تنقل الأحوال وتصريف الليالي والأيام، بل هو الدائم على حال، والقيوم على جميع الأنام، لو نام كان مغلوبا مقهورا، لأن النوم غالب النائم قاهره، ولو وسن لكانت السماوات والأرض وما فيهما دكا، لأن قيام جميع ذلك بتدبيره وقدرته، والنوم شاغل المدبر عن التدبير، والنعاس مانع المقدر عن التقدير بوسنه. (35) كما:

5779 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر= قال: أخبرني الحكم بن أبان، (36) عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله: " لا يأخذه سنة ولا نوم " أن موسى سأل الملائكة: هل ينام الله؟ فأوحى الله إلى الملائكة، وأمرهم أن يؤرقوه ثلاثا فلا يتركوه ينام. ففعلوا، ثم أعطوه قارورتين فأمسكوه، ثم تركوه وحذروه أن يكسرهما. قال: فجعل ينعس وهما في يديه، &; 5-394 &; في كل يد واحدة. قال: فجعل ينعس وينتبه، وينعس وينتبه، حتى نعس نعسة، فضرب بإحداهما الأخرى فكسرهما= قال معمر: إنما هو مثل ضربه الله، يقول: فكذلك السماوات والأرض في يديه.

5780 - حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: حدثنا هشام بن يوسف، عن أمية بن شبل، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله ﷺ يحكي عن موسى ﷺ على المنبر، قال: وقع في نفس موسى: هل ينام الله تعالى ذكره؟ فأرسل الله إليه ملكا فأرّقه ثلاثا، ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة، أمره أن يحتفظ بهما. قال: فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ فيحبس إحداهما عن الأخرى، ثم نام نومة فاصطفقت يداه وانكسرت القارورتان. قال: ضرب الله مثلا له أن الله لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض (37).

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " له ما في السماوات وما في الأرض " أنه مالك جميع ذلك بغير شريك ولا نديد، وخالق جميعه دون كل آلهة ومعبود (38).

وإنما يعنى بذلك أنه لا تنبغي العبادة لشيء سواه، لأن المملوك إنما هو طوع يد مالكه، وليس له خدمة غيره إلا بأمره. يقول: فجميع ما في السموات والأرض ملكي وخلقي، فلا ينبغي أن يعبد أحد من خلقي غيري وأنا مالكه، لأنه لا ينبغي للعبد أن يعبد غير مالكه، ولا يطيع سوى مولاه.

* * *

وأما قوله: " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " يعني بذلك: من ذا الذي يشفع لمماليكه إن أراد عقوبتهم، إلا أن يخليه، ويأذن له بالشفاعة لهم. (39) وإنما قال ذلك تعالى ذكره لأن المشركين قالوا: ما نعبد أوثاننا هذه إلا ليقربونا إلى الله زلفى! (40) فقال الله تعالى ذكره لهم: لي ما في السموات وما في الأرض مع السموات والأرض ملكا، فلا ينبغي العبادة لغيري، فلا تعبدوا الأوثان التي تزعمون أنها تقربكم مني زلفى، فإنها لا تنفعكم عندي ولا تغني عنكم شيئا، ولا يشفع عندي أحد لأحد إلا بتخليتي إياه والشفاعة لمن يشفع له، من رسلي وأوليائي وأهل طاعتي.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك أنه المحيط بكل ما كان وبكل ما هو كائن علما، لا يخفى عليه شيء منه.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

5781 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم: " يعلم ما بين أيديهم "، الدنيا=" وما خلفهم "، الآخرة.

5782 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " يعلم ما بين أيديهم "، ما مضى من الدنيا=" وما خلفهم " من الآخرة.

5783 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج قوله: " يعلم ما بين أيديهم " ما مضى أمامهم من الدنيا=" وما خلفهم " ما يكون بعدهم من الدنيا والآخرة.

5784 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " يعلم ما بين أيديهم "، قال: [ وأما ]" ما بين أيديهم "، فالدنيا=" وما خلفهم "، فالآخرة (41).

* * *

وأما قوله: " ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء "، فإنه يعني تعالى ذكره: أنه العالم الذي لا يخفي عليه شيء محيط بذلك كله، (42) &; 5-397 &; محص له دون سائر من دونه= وأنه لا يعلم أحد سواه شيئا إلا بما شاء هو أن يعلمه، فأراد فعلمه، وإنما يعني بذلك: أن العبادة لا تنبغي لمن كان بالأشياء جاهلا فكيف يعبد من لا يعقل شيئا البتة من وثن وصنم؟! يقول: أخلصوا العبادة لمن هو محيط بالأشياء كلها، (43) يعلمها، لا يخفي عليه صغيرها وكبيرها.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

5786 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " ولا يحيطون بشيء من علمه " يقول: لا يعلمون بشيء من علمه =" إلا بما شاء "، هو أن يعلمهم (44).

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى " الكرسي" الذي أخبر الله تعالى ذكره في هذه الآية أنه وسع السماوات والأرض.

فقال بعضهم: هو علم الله تعالى ذكره.

* ذكر من قال ذلك:

5787 - حدثنا أبو كريب وسلم بن جنادة، قالا حدثنا ابن إدريس، عن مطرف، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " وسع كرسيه " قال: كرسيه علمه.

5788 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا مطرف، &; 5-398 &; عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله= وزاد فيه: ألا ترى إلى قوله: وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ؟

* * *

وقال آخرون: " الكرسي": موضع القدمين.

* ذكر من قال ذلك:

5789 - حدثني علي بن مسلم الطوسي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثني أبي، قال: حدثني محمد بن جحادة، عن سلمة بن كهيل، عن عمارة بن عمير، عن أبي موسى، قال: الكرسي: موضع القدمين، وله أطيط كأطيط الرحل (45).

5790 - حدثني موسى بن هاوون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " وسع كرسيه السماوات والأرض "، فإن السماوات والأرض في جوف الكرسي، والكرسي بين يدي العرش، وهو موضع قدميه.

5791 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قوله: " وسع كرسيه السماوات والأرض "، قال: كرسيه الذي يوضع تحت العرش، الذي يجعل الملوك عليه أقدامهم،

5792 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، عن سفيان، عن عمار الدهني، عن مسلم البطين، قال: الكرسي: موضع القدمين (46).

&; 5-399 &;

5793 - حدثني عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " وسع كرسيه السماوات والأرض "، قال: لما نـزلت: " وسع كرسيه السماوات والأرض " قال أصحاب النبي ﷺ: يا رسول الله هذا الكرسي وسع السموات والأرض، فكيف العرش؟ فأنـزل الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إلى قوله: سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر: 67] (47).

5794 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " وسع كرسيه السماوات والأرض " قال ابن زيد: فحدثني أبي قال: قال رسول الله ﷺ: " ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس "= قال: وقال أبو ذر: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض (48).

* * *

وقال آخرون: الكرسي: هو العرش نفسه.

* ذكر من قال ذلك:

5795 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك، قال: كان الحسن يقول: الكرسي هو العرش.

* * *

قال أبو جعفر: ولكل قول من هذه الأقوال وجه ومذهب، غير أن الذي هو أولى بتأويل الآية ما جاء به الأثر عن رسول الله ﷺ، وهو ما:-

&; 5-400 &;

5796 - حدثني به عبد الله بن أبي زياد القطواني، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، قال: أتت امرأة النبي ﷺ، فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة! فعظم الرب تعالى ذكره، ثم قال: " إن كرسيه وسع السماوات والأرض، وأنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع- ثم قال بأصابعه فجمعها - وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد، إذا ركب، من ثقله " (49).

5797 - حدثني عبد الله بن أبى زياد، قال: حدثنا يحيى بن أبي بكر، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر، عن النبي ﷺ، بنحوه.

5798 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، قال: جاءت امرأة، فذكر نحوه (50).

* * *

وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عنه أنه قال: " هو علمه " (51). وذلك لدلالة قوله تعالى ذكره: وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا على أن ذلك كذلك، فأخبر أنه لا يؤوده حفظ ما علم، وأحاط به مما في السماوات والأرض، وكما أخبر عن ملائكته أنهم قالوا في دعائهم: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا [غافر: 7]، &; 5-402 &; فأخبر تعالى ذكره أن علمه وسع كل شيء، فكذلك قوله: " وسع كرسيه السماوات والأرض ".

* * *

قال أبو جعفر: وأصل " الكرسي" العلم. (52) ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب " كراسة "، ومنه قول الراجز في صفة قانص:

* حتى إذا ما احتازها تكرسا * (53)

.

يعني علم. ومنه يقال للعلماء " الكراسي"، لأنهم المعتمد عليهم، كما يقال: " أوتاد الأرض ". يعني بذلك أنهم العلماء الذي تصلح بهم الأرض، (54) ومنه قول الشاعر: (55)

يحـف بهـم بيـض الوجـوه وعصبة

كراســي بــالأحداث حـين تنـوب (56)

يعني بذلك علماء بحوادث الأمور ونوازلها. والعرب تسمي أصل كل شيء " الكرس "، يقال منه: " فلان كريم الكرس "، أي كريم الأصل، قال العجاج:

&; 5-403 &;

قــد علـم القـدوس مـولى القـدس

أن أبـــا العبـــاس أولــى نفس

* بمعدن الملك الكريم الكِرْس * (57)

يعني بذلك: الكريم الأصل، ويروى:

* في معدن العز الكريم الكِرْس *

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " ولا يئوده حفظهما "، ولا يشق عليه ولا يثقله.

* * *

يقال منه: " قد آدني هذا الأمر فهو يؤودني أودا وإيادا "، (58) ويقال: " ما آدك فهو لي آئد "، يعني بذلك: ما أثقلك فهو لي مثقل.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

5799 - حدثنا المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: &; 5-404 &; حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " ولا يؤوده حفظهما " يقول: لا يثقل عليه.

5800 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يثقل عليه حفظهما.

5801 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ولا يؤوده حفظهما " لا يثقل عليه لا يجهده حفظهما.

5802 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن الحسن وقتادة في قوله: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يثقل عليه شيء.

5803 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: حدثنا يوسف بن خالد السمتي، قال: حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: " ولا يؤود حفظهما " قال: لا يثقل عليه حفظهما.

5804 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن أبي زائدة= وحدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: أخبرنا يزيد= قالا جميعا: أخبرنا جويبر، عن الضحاك: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يثقل عليه.

5805 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، عن عبيد، عن الضحاك، مثله.

5806 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعته = يعني خلادا = يقول: سمعت أبا عبد الرحمن المديني يقول في هذه الآية: " ولا يؤوده حفظهما "، قال: لا يكبر عليه (59).

5807 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى بن &; 5-405 &; ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يكرثه (60).

5808 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يثقل عليه.

5809 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " ولا يؤوده حفظهما " يقول: لا يثقل عليه حفظهما.

5810 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يعز عليه حفظهما.

* * *

قال أبو جعفر: " والهاء "، و" الميم " و" الألف " في قوله: " حفظهما "، من ذكر السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ . فتأويل الكلام: وسع كرسيه السماوات والأرض، ولا يثقل عليه حفظ السموات والأرض.

* * *

وأما تأويل قوله: " وهو العلي" فإنه يعني: والله العلي.

* * *

و " العلي" " الفعيل " من قولك: " علا يعلو علوا "، إذا ارتفع،" فهو عال وعلي"،" والعلي" ذو العلو والارتفاع على خلقه بقدرته.

* * *

وكذلك قوله: " العظيم "، ذو العظمة، الذي كل شيء دونه، فلا شيء أعظم منه. كما:-

5811 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " العظيم "، الذي قد كمل في عظمته.

* * *

&; 5-406 &;

قال أبو جعفر: واختلف أهل البحث في معنى قوله: (61).

" وهو العلي".

فقال بعضهم: يعني بذلك; وهو العلي عن النظير والأشباه، (62) وأنكروا أن يكون معنى ذلك: " وهو العلي المكان ". وقالوا: غير جائز أن يخلو منه مكان، ولا معنى لوصفه بعلو المكان، لأن ذلك وصفه بأنه في مكان دون مكان.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: وهو العلي على خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه، لأنه تعالى ذكره فوق جميع خلقه وخلقه دونه، كما وصف به نفسه أنه على العرش، فهو عال بذلك عليهم.

* * *

وكذلك اختلفوا في معنى قوله: " العظيم ".

فقال بعضهم: معنى " العظيم " في هذا الموضع: المعظم، صرف " المفعل " إلى " فعيل "، كما قيل للخمر المعتقة،" خمر عتيق "، كما قال الشاعر: (63).

وكــأن الخـمر العتيـق مـن الإس

فنـــط ممزوجـــة بمــاء زلال (64)

وإنما هي" معتقة ". قالوا: فقوله " العظيم " معناه: المعظم الذي يعظمه خلقه ويهابونه ويتقونه. قالوا: وإنما يحتمل قول القائل: " هو عظيم "، أحد معنين: أحدهما: ما وصفنا من أنه معظم، والآخر: أنه عظيم في المساحة والوزن. قالوا: وفي بطول القول بأن يكون معنى ذلك: أنه عظيم في المساحة والوزن، صحة القول بما قلنا.

* * *

وقال آخرون: بل تأويل قوله: " العظيم " هو أن له عظمة هي له صفة.

وقالوا: لا نصف عظمته بكيفية، ولكنا نضيف ذلك إليه من جهة الإثبات، (65).

وننفي عنه أن يكون ذلك على معنى مشابهة العظم المعروف من العباد. لأن ذلك تشبيه له بخلقه، وليس كذلك. وأنكر هؤلاء ما قاله أهل المقالة التي قدمنا ذكرها، وقالوا: لو كان معنى ذلك أنه " معظم "، لوجب أن يكون قد كان غير عظيم قبل أن يخلق الخلق، وأن يبطل معنى ذلك عند فناء الخلق، لأنه لا معظم له في هذه الأحوال.

* * *

وقال آخرون: بل قوله: إنه " العظيم " وصف منه نفسه بالعظم. وقالوا: كل ما دونه من خلقه فبمعنى الصغر لصغرهم عن عظمته.

------------------

الهوامش:

(17) انظر تفسير"الله" فيما سلف 1: 122- 126.

(18) في المطبوعة: "ولا تعبدوا شيئا سواه الحي القيوم"، والصواب من المخطوطة.

(19) في المطبوعة: "المختلفين في البينات"، بزيادة"في"، وهو خطأ مخل بالكلام، والصواب ما في المخطوطة، و"البينات"فاعل"جاءت به"، و"المختلفين"مفعوله. والجملة التي بين الخطين، معترضة، وقةله: بعد"واختلفوا فيه فاقتتلوا فيه..."، عطف على قوله: "عما جاءت به...".

(20) في المطبوعة: "لا أول له يحد" بالياء، فعلا، ثم جعل التي تليها"ولا آخر له يؤمد"، فأتى بفعل عجيب لا وجود له في العربية، وفي المخطوطة: "بحد" غير منقوطة وصواب قراءتها بباء الجر في أوله. وفيها"بأمد" كما أثبت، والأمد: الغاية التي ينتهى إليها. بقول: ليس له أول له حد يبدأ منه وليس له آخر له أمد ينتهى إليه.

(21) في المطبوعة: "وآخر مأمود"، أتى أيضًا بالعجب في تغيير المخطوطة، وباستخراج كلمة لا يجيزها اشتقاق العربية، ولم تستعمل في كلام قط. وفي المخطوطة"ممدود"كما أثبتها. وهي من قولهم: "مد له في كذا" أي طويل له فيه. بل أولى من ذلك أن يقال إنها من"المد"، وهي الطائفة من الزمان.

وقد استعملو من المدة: "ماددت القوم". أي جعلت لهم مدة ينهون إليها. وفي الحديث: "يا ويح قريش، لقد نهكتهم الحرب! ما ضرهم لو ماددناهم مدة"، أي جعلنا لهم مدة، وهي زمان الهدنة. وقال ابن حجر في مقدمته الفتح: 182"قوله: (في المدة التي فيها أبا سفيان): أي جعل بينه وبينه مدة صلح، ومنه: (إن شاؤوا ماددتهم). فهو"فاعل" من"المد". ولا شك أن الثلاثى منه جائز أن يقال: " مد له مدة" أي جعل له مدة ينتهى من عند آخرها. وكأتى قرأتها في بعض كتب السير، فأرجو أن أظفر بها فأقيدها إن شاء الله، فمعنى قوله: "وآخر ممدود ينقطع بانقطاع أمدها" أي: آخر قد ضربت له مدة ينقطع بانقطاع غايتها.

(22) هذه أول مرة يستعمل فيها الطبري: "أهل البحث"، ويعنى بذلك أهل النظر من المتكلمين.

(23) في المطبوعة: "فقلناه"، وما في المخطوطة صواب أيضًا جيد.

(24) هو: أمية بن أبي الصلت الثقفى.

(25) ديوانه: 57، والقرطبي 3: 271، وتفسير أبي حيان 25: 277. وفي المطبوعة والقرطبي"قمر يقوم"، وهو لا معنى له، والصواب في المخطوطة وتفسير أبي حيان. عامت النجوم تعوم عوما: جرب، مثل قولهم: "سبحت النجوم في الفلك تسبح سبحا"

(26) في المراجع كلها"والحشر"، وهو خطأ وتصحيف لا ريب فيه عندي، وهو في المخطوطة"والحسر" غير منقوطة، وصواب قراءتها"الجسر" كما أثبت. وفي حديث البخاري: "ثم يؤتى بالجسر" قال ابن حجر: أي الصراط، وهو كالقنطرة بين الجنة والنار، يمر عليها المؤمنون. ولم يذكر في بابه في كتب اللغة، فليقيد هناك، فإن هذا هو سبب تصحيف هذه الكلمة. وفي بعض المراجع: "والجنة والنعيم"، والذي في الطبري هو الصواب. هذا وشعر أمية كثير خلطه.

(27) الخثورة: نقيض الرقة، يقال: "خثر اللبن والعسل ونحوهما"، إذا ثقل وتجمع، والمجاز منه قولهم: "فلان خاثر النفس" أي ثقيلها، غير طيب ولا نشيط، قد فتر فتورا. واستعمله الطبري استعمالا بارعا، فجعل للنوم"خثورة"، وهي شدة الفتور، كأنه زالت رقته واستغلط فثقل، وهذا تعبير لم أجده قبله.

(28) من أبيات له في الشعر والشعراء: 602، والأغانى 9: 311، ومجاز القرآن 1: 78، واللسان (وسن) (رنق)، وفي جميعها مراجع كثيرة، وقبل البيت في ذكرها صاحبته"أم القاسم":

وكأنهــا وســط النسـاء أعارهـا

عينيــه أحـور مـن جـاذر جاسـم

وسـنان أقصـده النعـاس..........

...................

يصطــاد يقظـان الرجـال حديثهـا

وتطــير بهجتهــا بـروح الحـالم

والجآذر بقر الوحش، وهي حسان العيون. وجاسم: موضع تكثر فيه الجآذر. و" أقصده النعاس" قتله النعاس وأماته. يقال: "عضته حبة فإقصدته"، أي قتلته على المكان -أي من فوره. و"رفقت" أي خالطت عينه. وأصله من ترنيق الماء، وهو تكديره بالطين حتى يغلب على الماء. وحسن أن يقال هو من ترنيق الطائر بجناحيه، وهو رفرفته إذا خفق بجناحيه في الهواء فثبت ولم يطر، وهذا المجازأعجب إلى في الشعر.

(29) ديوانه: 15، وهو يلي البيت الذي سلف 1: 345، 346، وفي ذكر نساء استمع بهن:

إذا هـــن نـــازلن أقـــرانهن

وكـان المصـاع بمـا فـي الجـون

تعـــاطى الضجـــيع...........

...................

صريفيـــة طيبـــا طعمهـــا

لهــا زبــد بيــن كــوب ودن

وقوله"تعاطى" من قولهم للمرأة: "هى تعاطى خلها" أي صاحبها -أن تناوله قبلها وريقها.

وقوله: "أقبلت"، هو عندي بمعنى: سامحت وطاوعت وانقادت، من"القبول" وهو الرضا. ولم يذكر ذلك أصحاب اللغة، ولكنه جيد في العربية، شبيه بقولهم: "أسمحت"، من السماح، إذا أسهلت وانقادت ووافقت ما يطلبه صاحبها. وذلك هو الجيد عندي. ليس من الإقبال على الشيء. بل من القبول. ويروي مكمان ذلك: "إذا سامها"، ورواية الديوان:

"بعيد الرقـــاد وعنــد الوســن"

والصريفية: الخمر الطيبة، جعلها صريفية، لأنها أخذت من الدن ساعتئذ، كاللبن الصريف وهو اللبن الذي ينصرف من الضرع حارا إذا حلب. وفي الديون: "صليفية"، باللام، والصواب بالراء يقول: إذا انقادت لصاحبها بعيد رقادها، أو قبل وسنها، عاطته من ريقها خمرا صرفا تفور بالزبد بين الكوب والدن، ولم يمض وقت عليها فتفسد. يقول: ريفها هو الخمر، في يقظتها قبل الوسن -وذلك بدء فتور الفس وتغير الطباع -وبعد لومها، وقد تغيرت أفواه البشر واستكرهت روائحها ينفي عنها العيب في الحالين. وذلك قل أن يكون في النساء أو غيرهن.

(30) هو الاعشى أيضًا

(31) ديوانه: 5، واللسان (غرب)، من قصيدة جليلة، أفضى فيها إلى ذكر صاحبته له يقول قبله:

وكـأن الخـمر العتيـق مـن الإسفنط

ممزوجــــة بمــاء زلال

باكرتها الأغراب.......................

...............................

الإسفنط: أجود أنواع الخمر وأغلاها. وباكرتها، أي في أول النهار مبادرة إليها.

والأغراب جمع غرب (بفتح فسكمون)، وهو القدح. والسيال: شجر سبط الأغصان، عليه شوك أبيض أصوله أمثال ثنايا اعذارى، وتشبه به أسنانهن يقول: إذا نامت لم يتغير طيب ثغرها، بل كأن الخمر تجرى بين ثناياها طيبة الشذا. وقوله: "باكرتها الأغراب"، وهو كفوله في الشعر السالف أنها"صريفية" أي أخذت من دنها لسعتها. يقول: ملئت الأقداح منها بكرة، يعنى تبادرت إليها الأقداح من دنها، وذلك أطيب لها.

هذا، وقد جاء في شرح الديوان: الأغراب: حد الأسنان وبياضها، وأظال في شرحه، ولكنى لا أرتضيه، والذي شرحته موجود في اللسان، وهو أعرق في الشعر، وفي فهمه.

(32) يعنى أن النوم معروف، والسنة غير النوم، وانظر الأثر الآتي: 5772 وما بعده.

(33) في المخطوطة"ريح" غير منقوطة. والريح هنا: الغلبة والقوة، كما جاء في شعر أعشى فهو أو سليك بن السلكة.

أتنظران قليلا ريث غفلتهمأوتعدوان فإن الريح للعادى

أي الغلبة. وربما قرئت أيضًا: "الرنح" (بفتح الراء وسكون النون) وهو الدوار. ومنه: "ترنح من السكر" إذا تمايل، و"رنح به" (بالبناء للمجهول مشددة النون) إذا دير به كالمغشى عليه، أو اعتراه وهن في عظامه من ضرب أو فزع أو سكر.

(34) الأثر: 5777 -"عباس بن أبي طالب"، هو: "عباس جعفر بن الزبرقان" مضت ترجمته في رقم: 880، و"المنجاب بن الحارث"، مضت ترجمته في رقم: 322 -328، و"على بن مسهر القرشي" الكوفي الحافظ، روي عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة، واسماعيل بن أبي خلد. ثقة، مات سنة 189. مترجم في التهذيب. و" اسناعيل" هو" اسماعيل بن أبي خالد الأحمس" روي عن أبيه، وأبيجحيفة، ن وعبدالله بن أبي أوفى، وعمرو بن حريث، وأبي كاهل، وهؤلاء صحابة. وعن زيد بن وهب والشعبي وغيرهما من كبار التابعين. كان ثقة ثبتا. مات سنه 146. مترجم في التهذيب. و"يحيى بن رافع" أبو عيسى الثقفى. روي عن عثمان وأبي هريرة، وروى عنه إسماعيل بن أبي خالد. مترجم في الكبير 4/ 2/ 273، وابن أبي حاتم 4/2/ 143.

(35) في المطبوعة: "يمانع" بالياء في أوله، وهو خطأ لا خير فيه. وإنما أخطأ قراءة المخطوطة للفتحة على الميم، اتصلت بأولها.

(36) في المطبوعة والمخطوطة"وأخبرنى الحكم"، وكأن الصواب حذف الواو"أخبرنا معمر قال، أخبرنى الحكم بن أبان" كما أثبته فإن معمرا يروي عن الحكم بن أبان. انظر ترجمته في التهذيب، وكما جاء في ابن كثير 2: 11 على الصواب. وقال بمقبه: "وهو من أخبار بني إسرائيل، وهو مما يعلم أن موسى عليه السلام لا يخفى عليه مثل هذا من أمر الله عز وجل، وهو منزه عنه". وأصاب ابن كثير الحق، فإن أهل الكتاب ينسبون إلى أنبياء الله، ما لو تركوه لكان خيرا لهم.

(37) الأثر: 5780 -"إسحق بن أبى إسرائيل-واسمه إبراهيم- بن كما مجرا، أبو يعقوب المروزي" نزيل بغداد. روى عنه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والنسائى وغيرهم. قال ابن معين: "من ثقات المسلمين، ما كتب حديثا قط عن أحد من الناس، إلا ما خطه هو في ألواحه أو كتابه".

وكرهه أحمد لوقفه في أن القرآن كلام الله غير مخلوق، فتركه الناس حتى كان الناس يمرون بمسجده، وهو فيه وحيد لا يقربه أحد. وقال أبو زرعة: "عندي أنه لا يكذب، وحدث بحديث منكر". مات سنه 240. مترجم في التهذيب.

و"هشام بن يوسف الصنعائي"قاضي صنعاء، ثقة. روى عنه الأئمة كلهم. روي عن معمر، وابن جريج، والقاسم بن فياض، والثوري، وغيرهم. قال عبد الرزاق: "إن حدثكم القاضي -يعنى هشام بن يوسف- فلا عليكم أن لا تكتبوا عن غيره". مترجم في التهذيب.

و"أمية بن شبل الصنعائي"، سمع الحكم بن أبان طاوس. روى عنه هشام بن يوسف وعبدالرزاق، وثقه ابن معين، مترجم في الكبير 1/2/ 12، ولم يذكر فيه جرحا، وابن أبي حاتم 1/ 1/ 302، ولسان الميزان 1: 467. وقال الحافظ في لسان الميزان: "له حديث منكر، رواه عن الحكم بن أبان عن عكرمة، عن أبي هريرة، مرفوعا، قال"وقع في نفس موسى عليه السلام، هل ينام الله"، الحديث، رواه عنه هشام بن يوسف، وخالفه معمر، عن الحكم، عن عكمرمة، فوقفة، وهو أقرب. ولا يسوغ أن يكون هذا وقعا في نفس موسى عليه السلام، وإنما روي أن بني إسرائيل سألوا موسى عن ذلك".

وساق ابن كثير في تفسير 1: 11، هذه الآثار، ثم قال: "وأغرب من هذا كله، الحديث الذي رواه ابن جرير: حدثنا إسحق بن أبي إسرائيل..."، وساق الخبر، ثم قال: " وهذا حديث غريب، والأظهر أنه إسرائيل لا مرفوع، والله أعلم". والذي قاله ابن حجر قاطع في أمر هذا الخبر.

(38) انظر ما سلف في تفسير: "له ما في السموات..."، 2: 537.

(39) انظر معنى"شفع" فيما سلف 2: 31 - 33، وما سلف قريبا: 382 - 384. ومعنى"الإذن" فيما سلف 2: 449، 450/ ثم4: 286، 370/ ثم هذا 352، 355.

(40) هذا تأويل آية"سورة الزمر": 3.

(41) زيادة ما بين القوسين، لاغنى عنها.

(42) انظر تفسير"الإحاطة" فيما سلف 2: 284.

(43) في المطبوعة: "أخلصوا"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب.

(44) سقط من الترقيم: 5785، سهوا.

(45) الأثر: 5789 -"علي بن مسلم بن سعيد الطوسي" نزيل بغداد. روى عنه البخاري، وأبو داود، والنسائي، ثقة، مات سنة 253، مترجم في التهذيب. و"عمارة بن عمير التيمي"، رأى عبدالله لابن عمرو، وروي عن الأسود بن يزيد النخعي، والحارث بن سويد التيمي، وإبراهيم بن أبي موسى الأشعري. لم يدرك أبا موسى. والحديث منقطع. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 1: 327، ونسبه لابن المنذر، وأبي الشيخ، والبيهقى في الأسماء والصفات.

الأطيط: صوت الرحل والنسع الجديد، وصوت الباب، وهو صوت متمدد خشن ليس كالصرير بل أخشن.

Report Page