[2:229] - البقرة - الطبري

[2:229] - البقرة - الطبري

ابن جرير الطبري

﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمساكٌ بِمَعروفٍ أَو تَسريحٌ بِإِحسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُم أَن تَأخُذوا مِمّا آتَيتُموهُنَّ شَيئًا إِلّا أَن يَخافا أَلّا يُقيما حُدودَ اللَّهِ فَإِن خِفتُم أَلّا يُقيما حُدودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيهِما فيمَا افتَدَت بِهِ تِلكَ حُدودُ اللَّهِ فَلا تَعتَدوها وَمَن يَتَعَدَّ حُدودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمونَ﴾ [ البقرة - 2:229 ]

الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان

القول في تأويل قوله تعالى: { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: هو دلالة على عدد الطلاق الذي يكون للرجل فيه الرجعة على زوجته، والعدد الذي تبين به زوجته منه. ذكر من قال إن هذه الآية أنزلت لأن أهل الجاهلية وأهل الإسلام قبل نزولها لم يكن لطلاقهم نهاية تبين بالانتهاء إليها امرأته منه ما راجعها في عدتها منه، فجعل الله تعالى ذكره لذلك حدا حرم بانتهاء الطلاق إليه على الرجل امرأته المطلقة إلا بعد زوج، وجعلها حينئذ أملك بنفسها منه. ذكر الأخبار الواردة بما قلنا في ذلك: 3775 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كان الرجل يطلق ما شاء ثم إن راجع امرأته قبل أن تنقضي عدتها كانت امرأته، فغضب رجل من الأنصار على امرأته، فقال لها: لا أقربك ولا تحلين مني! قالت له: كيف؟ قال: أطلقك، حتى إذا دنا أجلك راجعتك ثم أطلقك، فإذا دنا أجلك راجعتك. قال: فشكت ذلك إلى النبي ﷺ، فأنزل الله تعالى ذكره: { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف }.. الآية. * حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن هشام، عن أبيه، قال رجل لامرأته على عهد النبي ﷺ: لا آويك، ولا أدعك تحلين! فقالت له: كيف تصنع؟ قال: أطلقك، فإذا دنا مضي عدتك راجعتك، فمتى تحلين؟ فأتت النبي ﷺ، فأنزل الله: { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فاستقبله الناس جديدا من كان طلق ومن لم يكن طلق. 3776 - حدثنا محمد بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان أهل الجاهلية كان الرجل يطلق الثلاث والعشر وأكثر من ذلك، ثم يراجع ما كانت في العدة، فجعل الله حد الطلاق ثلاث تطليقات. * حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان أهل الجاهلية يطلق أحدهم امرأته ثم يراجعها لا حد في ذلك، هي امرأته ما راجعها في عدتها، فجعل الله حد ذلك يصير إلى ثلاثة قروء، وجعل حد الطلاق ثلاث تطليقات. 3777 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { الطلاق مرتان } قال كان الطلاق قبل أن يجعل الله الطلاق ثلاث ليس له أمد يطلق الرجل امرأته مائة، ثم إن أراد أن يراجعها قبل أن تحل كان ذلك له، وطلق رجل امرأته حتى إذا كادت أن تحل ارتجعها، ثم استأنف بها طلاقا بعد ذلك ليضارها بتركها، حتى إذا كان قبل انقضاء عدتها راجعها، وصنع ذلك مرارا. فلما علم الله ذلك منه، جعل الطلاق ثلاثا، مرتين، ثم بعد المرتين إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان. 3778 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } أما قوله: { الطلاق مرتان } فهو الميقات الذي يكون عليها فيه الرجعة. 3779 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة في قوله: { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } قال: إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فيطلقها تطليقتين، فإن أراد أن يراجعها كانت له عليها رجعة، فإن شاء طلقها أخرى، فلم تحل له حتى تنكح زوجا غيره. فتأويل الآية على هذا الخبر الذي ذكرنا عدد الطلاق الذي لكم أيها الناس فيه على أزواجكم الرجعة إذا كن مدخولا بهن: تطليقتان، ثم الواجب على من راجع منكم بعد التطليقتين إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، لأنه لا رجعة له بعد التطليقتين إن سرحها فطلقها الثالثة. وقال آخرون إنما أنزلت هذه الآية على نبي الله ﷺ تعريفا من الله تعالى ذكره عباده سنة طلاقهم نساءهم إذا أرادوا طلاقهن، لا دلالة على القدر الذي تبين به المرأة من زوجها. ذكر من قال ذلك: 3780 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله في قوله: { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } قال: يطلقها بعد ما تطهر من قبل جماع، ثم يدعها حتى تطهر مرة أخرى، ثم يطلقها إن شاء، ثم إن أراد أن يراجعها راجعها، ثم إن شاء طلقها، وإلا تركها حتى تتم ثلاث حيض وتبين منه به. 3781 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين، فليتق الله في التطليقة الثالثة، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها، أو يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا. 3782 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } قال: يطلق الرجل امرأته طاهرا من غير جماع، فإذا حاضت ثم طهرت فقد تم القرء، ثم يطلق الثانية كما يطلق الأولى، إن أحب أن يفعل، فإن طلق الثانية ثم حاضت الحيضة الثانية فهما تطليقتان وقرءان، ثم قال الله تعالى ذكره في الثالثة: { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فيطلقها في ذلك القرء كله إن شاء حين تجمع عليها ثيابها. * حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه، إلا أنه قال: فحاضت الحيضة الثانية، كما طلق الأولى، فهذان تطليقتان وقرءان، ثم قال: الثالثة، وسائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم. وتأويل الآية على قول هؤلاء: سنة الطلاق التي سننتها وأبحتها لكم إن أردتم طلاق نسائكم، أن تطلقوهن ثنتين في كل طهر واحدة، ثم الواجب بعد ذلك عليكم: إما أن تمسكوهن بمعروف، أو تسرحوهن بإحسان. والذي هو أولى بظاهر التنزيل ما قاله عروة وقتادة ومن قال مثل قولهما من أن الآية إنما هي دليل على عدد الطلاق الذي يكون به التحريم، وبطول الرجعة فيه، والذي يكون فيه الرجعة منه. وذلك أن الله تعالى ذكره قال في الآية التي تتلوها: { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } فعرف عباده القدر الذي به تحرم المرأة على زوجها إلا بعد زوج، ولم يبين فيها الوقت الذي يجوز الطلاق فيه والوقت الذي لا يجوز ذلك فيه، فيكون موجها تأويل الآية إلى ما روي عن ابن مسعود ومجاهد ومن قال بمثل قولهما فيه. وأما قوله: { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فإن في تأويله وفيما عني به اختلافا بين أهل التأويل، فقال بعضهم: عنى الله تعالى ذكره بذلك الدلالة على اللازم للأزواج المطلقات اثنتين بعد مراجعتهم إياهن من التطليقة الثانية من عشرتهن بالمعروف، أو فراقهن بطلاق. ذكر من قال ذلك: 3783 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: الطلاق مرتان؟ قال: يقول عند الثالثة: إما أن يمسك بمعروف، وإما أن يسرح بإحسان. وغيره قالها قال: وقال مجاهد: الرجل أملك بامرأته في تطليقتين من غيره، فإذا تكلم الثالثة فليست منه بسبيل، وتعتد لغيره. 3784 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين، قال: أتى النبي ﷺ رجل فقال: يا رسول الله أرأيت قوله: { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فأين الثالثة؟ قال رسول الله ﷺ: " إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان؛ هي الثالثة ". * حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، قالا: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين، قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله، الطلاق مرتان، فأين الثالثة؟ قال: " إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان " * حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن إسماعيل، عن أبي رزين، قال: قال رجل: يا رسول الله، يقول الله: { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف } فأين الثالثة؟ قال: " التسريح بإحسان ". 3785 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد: { أو تسريح بإحسان } قال في الثالثة. 3786 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة قال: كان الطلاق ليس له وقت حتى أنزل الله: { الطلاق مرتان } قال: الثالثة: { إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان }. وقال آخرون منهم: بل عنى الله بذلك الدلالة على ما يلزمهم لهن بعد التطليقة الثانية من مراجعة بمعروف أو تسريح بإحسان، بترك رجعتهن حتى تنقضي عدتهن، فيصرن أملك لأنفسهن. وأنكروا قول الأولين الذين قالوا: إنه دليل على التطليقة الثالثة. ذكر من قال ذلك: 3787 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي في قوله: ذلك: { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } إذا طلق واحدة أو اثنتين، إما أن يمسك - ويمسك: يراجع بمعروف - وإما سكت عنها حتى تنقضي عدتها فتكون أحق بنفسها. 3788 - حدثنا علي بن عبد الأعلى، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: { أو تسريح بإحسان } والتسريح: أن يدعها حتى تمضي عدتها. 3789 - حدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تصريح بإحسان } قال: يعني تطليقتين بينهما مراجعة، فأمر أن يمسك أو يسرح بإحسان. قال: فإن هو طلقها ثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. وكأن قائلي هذا القول الذي ذكرناه عن السدي والضحاك ذهبوا إلى أن معنى الكلام: الطلاق مرتان، فإمساك في كل واحدة منهما لهن بمعروف، أو تسريح لهن بإحسان. وهذا مذهب مما يحتمله ظاهر التنزيل لولا الخبر الذي ذكرته عن النبي ﷺ، الذي رواه إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين؛ فإن اتباع الخبر عن رسول الله ﷺ أولى بنا من غيره. فإذا كان ذلك هو الواجب، فبين أن تأويل الآية: الطلاق الذي لأزواج النساء على نسائهم فيه الرجعة مرتان، ثم الأمر بعد ذلك إذا راجعوهن في الثانية، إما إمساك بمعروف، وإما تسريح منهم لهن بإحسان بالتطليقة الثالثة حتى تبين منهم، فتبطل ما كان لهن عليهن من الرجعة ويصرن أملك لأنفسهن منهن. فإن قال قائل: وما ذلك الإمساك الذي هو بمعروف؟ قيل: هو ما: 3790 - حدثنا به علي بن عبد الأعلى المحاربي، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: { فإمساك بمعروف } قال: المعروف: أن يحسن صحبتها. 3791 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { فإمساك بمعروف } قال: ليتق الله في التطليقة الثالثة، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها. فإن قال: فما التسريح بإحسان؟ قيل: هو ما: 3792 - حدثني به المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: { أو تسريح بإحسان } قيل: يسرحها، ولا يظلمها من حقها شيئا. 3793 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } قال: هو الميثاق الغليظ. 3794 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { أو تسريح بإحسان } قال: الإحسان: أن يوفيها حقها، فلا يؤذيها، ولا يشتمها. 3795 - حدثنا علي بن عبد الأعلى، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: { أو تسريح بإحسان } قال: التسريح بإحسان: أن يدعها حتى تمضي عدتها، ويعطيها مهرا إن كان لها عليه إذا طلقها. فذلك التسريح بإحسان، والمتعة على قدر الميسرة. 3796 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس في قوله: { وأخذن منكم ميثاقا غليظا } 4 21 قال قوله: { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فإن قال: فما الرافع للإمساك والتسريح؟ قيل: محذوف اكتفي بدلالة ما ظهر من الكلام من ذكره، ومعناه: الطلاق مرتان، فالأمر الواجب حينئذ به إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان. وقد بينا ذلك مفسرا في قوله: { فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } 2 178 فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله

القول في تأويل قوله تعالى: { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا } يعني تعالى ذكره بقوله: { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا } ولا يحل لكم أيها الرجال أن تأخذوا من نسائكم إذا أنتم أردتم طلاقهن بطلاقكم وفراقكم إياهن شيئا مما أعطيتموهن من الصداق، وسقتم إليهن، بل الواجب عليكم تسريحهن بإحسان، وذلك إيفادهن حقوقهن من الصداق والمتعة وغير ذلك مما يجب لهن عليكم إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: { إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } وذلك قراءة عظم أهل الحجاز والبصرة بمعنى إلا أن يخاف الرجل والمرأة أن لا يقيما حدود الله، وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب: " إلا أن يظنا ألا يقيما حدود الله ". 3797 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: أخبرني ثور، عن ميمون بن مهران، قال: في حرف أبي بن كعب إن الفداء تطليقة. قال: فذكرت ذلك لأيوب، فأتينا رجلا عنده مصحف قديم لأبي خرج من ثقة، فقرأناه فإذا فيه: " إلا أن يظنا ألا يقيما حدود الله، فإن ظنا ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ": لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره. والعرب قد تضع الظن موضع الخوف والخوف موضع الظن في كلامها لتقارب معنييهما، كما قال الشاعر: أتاني كلام عن نصيب يقوله وما خفت يا سلام أنك عائبي بمعنى: ما ظننت. وقرأه آخرون من أهل المدينة والكوفة: " إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله " فأما قارئ ذلك كذلك من أهل الكوفة، فإنه ذكر عنه أنه قرأه كذلك اعتبارا منه بقراءة ابن مسعود، وذكر أنه في قراءة ابن مسعود: " إلا أن تخافوا ألا يقيما حدود الله " وقراءة ذلك كذلك اعتبارا بقراءة ابن مسعود التي ذكرت عنه خطأ؛ وذلك أن ابن مسعود إن كان قرأه كما ذكر عنه، فإنما أعمل الخوف في " أن " وحدها، وذلك غير مدفوعة صحته، كما قال الشاعر: إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنني بالفلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها فأما قارئه إلا أن يخافا بذلك المعنى، فقد أعمل في متروكة تسميته وفي " أن "، فأعمله في ثلاثة أشياء: المتروك الذي هو اسم ما لم يسم فاعله، وفي أن التي تنوب عن شيئين، ولا تقول العرب في كلامها ظنا أن يقوما، لكن قراءة ذلك كذلك صحيحة على غير الوجه الذي قرأه من ذكرنا قراءته كذلك اعتبارا بقراءة عبد الله الذي وصفنا، ولكن على أن يكون مرادا به إذا قرئ كذلك. إلا أن يخاف بأن لا يقيما حدود الله، أو على أن لا يقيما حدود الله، فيكون العامل في أن غير الخوف، ويكون الخوف عاملا فيما لم يسم فاعله. وذلك هو الصواب عندنا في القراءة لدلالة ما بعده على صحته، وهو قوله: { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله } فكان بينا أن الأول بمعنى: إلا أن تخافوا أن لا يقيما حدود الله. فإن قال قائل: وأية حال الحال التي يخاف عليهما أن لا يقيما حدود الله حتى يجوز للرجل أن يأخذ حينئذ منها ما آتاها؟ قيل: حال نشوزها وإظهارها له بغضته، حتى يخاف عليها ترك طاعة الله فيما لزمها لزوجها من الحق، ويخاف على زوجها بتقصيرها في أداء حقوقه التي ألزمها الله له تركه أداء الواجب لها عليه، فذلك حين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله فيطيعاه فيما ألزم كل واحد منهما لصاحبه، والحال التي أباح النبي ﷺ لثابت بن قيس بن شماس أخذ ما كان أتى زوجته إذ نشزت عليه بغضا منها له. كما: 3798 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: قرأت على فضيل، عن أبي جرير أنه سأل عكرمة، هل كان للخلع أصل؟ قال: كان ابن عباس يقول: إن أول خلع كان في الإسلام أخت عبد الله بن أبي، أنها أتت رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبدا! إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة، فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها. قال زوجها: يا رسول الله إني أعطيتها أفضل مالي حديقة فلترد علي حديقتي! قال: " ما تقولين؟ " قالت: نعم، وإن شاء زدته قال: ففرق بينهما. 3799 - حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا أبو عمرو السدوسي، عن عبد الله، يعني ابن أبي بكر، عن عمرة عن عائشة: أن حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، فضربها فكسر بعضها، فأتت رسول الله ﷺ بعد الصبح، فاشتكته، فدعا رسول الله ثابتا، فقال: " خذ بعض مالها وفارقها! " قال: ويصلح ذلك يا رسول الله؟ قال: " نعم "، قال: فإني أصدقتها حديقتين وهما بيدها. فقال النبي ﷺ: " خذهما وفارقها! " ففعل. 3800 - حدثنا أبو يسار، قال: ثنا روح، قال: ثنا مالك، عن يحيى، عن عمرة أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصارية: أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وأن رسول الله ﷺ رآها عند بابه بالغلس، فقال رسول الله ﷺ " من هذه؟ " قالت: أنا حبيبة بنت سهل، لا أنا ولا ثابت بن قيس! لزوجها. فلما جاء ثابت قال له رسول الله ﷺ: وهذه حبيبة بنت سهل تذكر ما شاء الله أن تذكر ". فقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطانيه عندي. فقال رسول الله ﷺ: " خذ منها! " فأخذ منها وجلست في بيتها. 3801 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسن بن واقد، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن جميلة بنت أبي ابن سلول، أنها كانت عند ثابت بن قيس فنشزت عليه، فأرسل إليها النبي ﷺ، فقال: " يا جميلة ما كرهت من ثابت؟ " قالت: والله ما كرهت منه دينا ولا خلقا، إلا أني كرهت دمامته. فقال لها: " أتردين الحديقة؟ " قالت: نعم! فردت الحديقة وفرق بينهما. وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في شأنهما، أعني في شأن ثابت بن قيس وزوجته هذه. 3802 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس وفي حبيبة، قال: وكانت اشتكته إلى رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: " أتردين عليه حديقته؟ " فقالت: نعم! فدعاه رسول الله ﷺ فذكر ذلك له، فقال: ويطيب لي ذلك؟ قال: " نعم "، قال ثابت: وقد فعلت فنزلت: { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها }. وأما أهل التأويل فإنهم اختلفوا في معنى الخوف منهما أن لا يقيما حدود الله، فقال بعضهم: ذلك هو أن يظهر من المرأة سوء الخلق والعشرة لزوجها، فإذا ظهر ذلك منها له، حل له أن يأخذ ما أعطته من فدية على فراقها. ذكر من قال ذلك: 3803 - حدثني علي بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا } إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها، فتدعوك إلى أن تفتدي منك، فلا جناح عليك فيما افتدت به. 3804 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: قال ابن جريج: أخبرني هشام بن عروة أن عروة كان يقول: لا يحل الفداء حتى يكون الفساد من قبلها، ولم يكن يقول: لا يحل له حتى تقول: لا أبر لك قسما، ولا أغتسل لك من جنابة. 3805 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، قال: قال جابر بن زيد: إذا كان النشز من قبلها حل الفداء. - حدثنا الربيع بن سليمان، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة أن أباه كان يقول إذا كان سوء الخلق وسوء العشرة من قبل المرأة فذاك يحل خلعها. * حدثني علي بن سهل، قال: ثنا محمد بن كثير، عن حماد، عن هشام، عن أبيه أنه قال: لا يصلح الخلع، حتى يكون الفساد من قبل المرأة. 3806 - حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد، قال: ثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامر في امرأة قالت لزوجها: لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، ولا أغتسل لك من جنابة. قال: ما هذا؟ وحرك يده، لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا! إذا كرهت المرأة زوجها فليأخذه وليتركها. 3807 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، عن سعيد بن جبير أنه قال في المختلعة: يعظها، فإن انتهت وإلا هجرها، فإن انتهت وإلا ضربها، فإن انتهت وإلا رفع أمرها إلى السلطان، فيبعث حكما من أهله وحكما من أهلها، فيقول الحكم الذي من أهلها: تفعل بها كذا وتفعل بها كذا، ويقول الحكم الذي من أهله: تفعل به كذا وتفعل به كذا، فأيهما كان أظلم رده السلطان وأخذ فوق يده، وإن كانت ناشزا أمره أن يخلع. 3808 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف } إلى قوله: { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } قال: إذا كانت المرأة راضية مغتبطة مطيعة، فلا محل له أن يضربها، حتى تفتدي منه، فإن أخذ منها شيئا على ذلك، فما أخذ منها فهو حرام، وإذا كان النشوز والبغض والظلم من قبلها، فقد حل له أن يأخذ منها ما افتدت به. 3809 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله: { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } قال: لا يحل للرجل أن يخلع امرأته إلا أن يرى ذلك منها، فأما أن يكون يضارها حتى تختلع، فإن ذلك لا يصلح، ولكن إذا نشزت فأظهرت له البغضاء، وأساءت عشرته، فقد حل له خلعها. 3810 - حدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا } قال: الصداق { إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } وحدود الله أن تكون المرأة ناشزة، فإن الله أمر الزوج أن يعظها بكتاب الله، فإن قبلت وإلا هجرها، والهجران أن لا يجامعها ولا يضاجعها على فراش واحد ويوليها ظهره ولا يكلمها، فإن أبت غلظ عليها القول بالشتيمة لترجع إلى طاعته، فإن أبت فالضرب ضرب غير مبرح، فإن أبت إلا جماحا فقد حل له منها الفدية. وقال آخرون: بل الخوف من ذلك أن لا تبر له قسما ولا تطيع له أمرا، وتقول: لا أغتسل لك من جنابة ولا أطيع لك أمرا، فحينئذ يحل له عندهم أخذ ما آتاها على فراقه إياها. ذكر من قال ذلك: 3811 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: قال الحسن: إذا قالت: لا أغتسل لك من جنابة، ولا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، فحينئذ حل الخلع. * حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، قال: إذا قالت المرأة لزوجها: لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، ولا أغتسل لك من جنابة، ولا أقيم حدا من حدود الله، فقد حل له مالها. 3812 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن محمد بن سالم، قال: سألت الشعبي، قلت: متى يحل للرجل أن يأخذ من مال امرأته؟ قال: إذا أظهرت بغضه وقالت: لا أبر لك قسما ولا أطيع لك أمرا. 3813 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي أنه كان يعجب من قول من يقول: لا تحل الفدية حتى تقول: لا أغتسل لك من جنابة. وقال: إن الزاني يزني ثم يغتسل. 3814 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيم في الناشز، قال: إن المرأة ربما عصت زوجها، ثم أطاعته، ولكن إذا عصته فلم تبر قسمه، فعند ذلك تحل الفدية. 3815 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا } لا يحل له أن يأخذ من مهرها شيئا { إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } فإذا لم يقيما حدود الله، فقد حل له الفداء، وذلك أن تقول: والله لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، ولا أكرم لك نفسا، ولا أغتسل لك من جنابة. فهو حدود الله، فإذا قالت المرأة ذلك فقد حل الفداء للزوج أن يأخذه ويطلقها. 3816 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عنبسة، عن علي بن بذيمة، عن مقسم في قوله: { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } 4 19 يقول: " إلا أن يفحشن " في قراءة ابن مسعود، قال إذا عصتك وآذتك، فقد حل لك ما أخذت منها. 3817 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله: { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا } قال: الخلع، قال: ولا يحل له إلا أن تقول المرأة لا أبر قسمه ولا أطيع أمره، فيقبله خيفة أن يسيء إليها إن أمسكها، ويتعدى الحق. وقال آخرون: بل الخوف من ذلك أن تبتدئ له بلسانها قولا أنها له كارهة. ذكر من قال ذلك: 3818 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، قال: ثنا أبي وشعيب بن الليث، عن الليث، عن أيوب بن موسى، عن عطاء بن أبي رباح، قال: يحل الخلع أن تقول المرأة لزوجها: إني لأكرهك، وما أحبك، ولقد خشيت أن أنام في جنبك ولا أؤدي حقك. وتطيب نفسك بالخلع. وقال آخرون: بل الذي يبيح له أخذ الفدية أن يكون خوف أن لا يقيما حدود الله منهما جميعا لكراهة كل واحد منهما صحبة الآخر. ذكر من قال ذلك: 3819 - حدثنا حميد بن مسعدة قال: ثنا بشر بن المفضل قال: ثنا داود، عن عامر، حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود، قال: قال عامر: أحل له مالها بنشوزه ونشوزها. 3820 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: قال ابن جريج، قال: طاوس: يحل له الفداء ما قال الله تعالى ذكره، ولم يكن يقول قول السفهاء: لا أبر لك قسما، ولكن يحل له الفداء ما قال الله تعالى ذكره: { إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة. 3821 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق، قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: { إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } قال: فيما افترض الله عليهما في العشرة والصحبة. 3822 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، قال: لا يحل الخلع حتى يخافا أن لا يقيما حدود الله في العشرة التي بينهما. وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من قال: لا يحل للرجل أخذ الفدية من امرأته على فراقه إياها، حتى يكون خوف معصية الله من كل واحد منهما على نفسه في تفريطه في الواجب عليه لصاحبه منهما جميعا، على ما ذكرناه عن طاوس والحسن ومن قال في ذلك قولهما؛ لأن الله تعالى ذكره إنما أباح للزوج أخذ الفدية من امرأته عند خوف المسلمين عليهما أن لا يقيما حدود الله. فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت فالواجب أن يكون حراما على الرجل قبول الفدية منها إذا كان النشوز منها دونه، حتى يكون منه من الكراهة لها مثل الذي يكون منها له؟ قيل له: إن الأمر في ذلك بخلاف ما ظننت، وذلك أن في نشوزها عليه داعية له إلى التقصير في واجبها ومجازاتها بسوء فعلها به، وذلك هو المعنى الذي يوجب للمسلمين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله. فأما إذا كان التفريط من كل واحد منهما في واجب حق صاحبه قد وجد وسوء الصحبة والعشرة قد ظهر للمسلمين، فليس هناك للخوف موضع، إذ كان المخوف قد وجد، وإنما يخاف وقوع الشيء قبل حدوثه، فأما بعد حدوثه فلا وجه للخوف منه ولا الزيادة في مكروهه.فإن خفتم ألا يقيما حدود الله

القول في تأويل قوله تعالى: { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله } اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى: { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله } التي إذا خيف من الزوج والمرأة أن لا يقيماها حلت له الفدية من أجل الخوف عليهما بصنيعها، فقال بعضهم: هو استخفاف المرأة بحق زوجها وسوء طاعتها إياه، وأذاها له بالكلام. ذكر من قال ذلك: 3823 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } قال: هو تركها إقامة حدود الله، واستخفافها بحق زوجها، وسوء خلقها، فتقول له: والله لا أبر لك قسما، ولا أطأ لك مضجعا، ولا أطيع لك أمرا؛ فإن فعلت ذلك فقد حل له منها الفدية. 3824 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن أبي زائدة، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن في قوله: { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } قال: إذا قالت: لا أغتسل لك من جنابة حل له أن يأخذ منها. 3825 - حدثني المثنى، قال: ثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: ثنا يونس، عن الزهري قال: يحل الخلع حين يخافا أن لا يقيما حدود الله، وأداء حدود الله في العشرة التي بينهما. وقال آخرون: معنى ذلك: فإن خفتم أن لا يطيعا الله. ذكر من قال ذلك: 3826 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن عامر: { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله } قالا: أن لا يطيعا الله. 3827 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: الحدود: الطاعة. والصواب من القول في ذلك: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله ما أوجب الله عليهما من الفرائض فيما ألزم كل واحد منهما من الحق لصاحبه من العشرة بالمعروف، والصحبة بالجميل، فلا جناح عليهما فيما افتدت به. وقد يدخل في ذلك ما رويناه عن ابن عباس والشعبي، وما رويناه عن الحسن والزهري، لأن من الواجب للزوج على المرأة إطاعته فيما أوجب الله طاعته فيه، وأن لا تؤذيه بقول، ولا تمتنع عليه إذا دعاها لحاجته، فإذا خالفت ما أمرها الله به من ذلك كانت قد ضيعت حدود الله التي أمرها بإقامتها. وأما معنى إقامة حدود الله، فإنه العمل بها، والمحافظة عليها، وترك تضييعها، وقد بينا ذلك فيما مضى قبل من كتابنا هذا بما يدل على صحته.فلا جناح عليهما فيما افتدت به

Report Page