[2:204] - البقرة - ابن كثير

[2:204] - البقرة - ابن كثير

ابن كثير

﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَيُشهِدُ اللَّهَ عَلى ما في قَلبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصامِ﴾ [ البقرة - 2:204 ]

قال السدي: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، جاء إلى رسول الله ﷺ، وأظهر الإسلام وفي باطنه خلاف ذلك. وعن ابن عباس: أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعابوهم، فأنزل الله في ذم المنافقين ومدح خبيب وأصحابه: ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله )

وقيل: بل ذلك عام في المنافقين كلهم وفي المؤمنين كلهم. وهذا قول قتادة، ومجاهد، والربيع بن أنس، وغير واحد، وهو الصحيح.

وقال ابن جرير: حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرني الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن القرظي، عن نوف وهو البكالي، وكان ممن يقرأ الكتب قال: إني لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزل: قوم يحتالون على الدنيا بالدين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، يلبسون للناس مسوك الضأن، وقلوبهم قلوب الذئاب. يقول الله تعالى: فعلي يجترئون! وبي يغترون! حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيها حيران. قال القرظي: تدبرتها في القرآن، فإذا هم المنافقون، فوجدتها: ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه ) الآية.

وحدثني محمد بن أبي معشر، أخبرني أبي أبو معشر نجيح قال: سمعت سعيدا المقبري يذاكر محمد بن كعب القرظي، فقال سعيد: إن في بعض الكتب: إن [ لله ] عبادا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، لبسوا للناس مسوك الضأن من اللين، يجترون الدنيا بالدين. قال الله تعالى: علي تجترئون! وبي تغترون!. وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران. فقال محمد بن كعب: هذا في كتاب الله. فقال سعيد: وأين هو من كتاب الله؟ قال: قول الله: ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) الآية. فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت هذه الآية. فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل، ثم تكون عامة بعد. وهذا الذي قاله القرظي حسن صحيح.

وأما قوله: ( ويشهد الله على ما في قلبه ) فقرأه ابن محيصن: " ويشهد الله " بفتح الياء، وضم الجلالة ( على ما في قلبه ) ومعناها: أن هذا وإن أظهر لكم الحيل لكن الله يعلم من قلبه القبيح، كقوله تعالى: ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) [ المنافقون: 1 ].

وقراءة الجمهور بضم الياء، ونصب الجلالة ( ويشهد الله على ما في قلبه ) ومعناه: أنه يظهر للناس الإسلام ويبارز الله بما في قلبه من الكفر والنفاق، كقوله تعالى: ( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله ) الآية [ النساء: 108 ] هذا معنى ما رواه ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.

وقيل: معناه أنه إذا أظهر للناس الإسلام حلف وأشهد الله لهم: أن الذي في قلبه موافق للسانه. وهذا المعنى صحيح، وقاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جرير، وعزاه إلى ابن عباس، وحكاه عن مجاهد، والله أعلم.

وقوله: ( وهو ألد الخصام ) الألد في اللغة: [ هو ] الأعوج، ( وتنذر به قوما لدا ) [ مريم: 97 ] أي: عوجا. وهكذا المنافق في حال خصومته، يكذب، ويزور عن الحق ولا يستقيم معه، بل يفتري ويفجر، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال: " آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ".

وقال البخاري: حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة ترفعه قال: " أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ".

قال: وقال عبد الله بن يزيد: حدثنا سفيان، حدثني ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، عن النبي ﷺ قال: " إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ".

وهكذا رواه عبد الرزاق، عن معمر في قوله: ( وهو ألد الخصام ) عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، عن النبي ﷺ قال: " إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ".

Report Page