[2:193] - البقرة - ابن كثير

[2:193] - البقرة - ابن كثير

ابن كثير

﴿وَقاتِلوهُم حَتّى لا تَكونَ فِتنَةٌ وَيَكونَ الدّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوا فَلا عُدوانَ إِلّا عَلَى الظّالِمينَ﴾ [ البقرة - 2:193 ]

ثم أمر تعالى بقتال الكفار: ( حتى لا تكون فتنة ) أي: شرك. قاله ابن عباس، وأبو العالية، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والربيع، ومقاتل بن حيان، والسدي، وزيد بن أسلم.

( ويكون الدين لله ) أي: يكون دين الله هو الظاهر [ العالي ] على سائر الأديان، كما ثبت في الصحيحين: عن أبي موسى الأشعري، قال: سئل النبي ﷺ عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ". وفي الصحيحين: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله " وقوله: ( فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ) يقول: فإن انتهوا عما هم فيه من الشرك، وقتال المؤمنين، فكفوا عنهم، فإن من قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم، ولا عدوان إلا على الظالمين، وهذا معنى قول مجاهد: لا يقاتل إلا من قاتل. أو يكون تقديره؛ فإن انتهوا فقد تخلصوا من الظلم، وهو الشرك. فلا عدوان عليهم بعد ذلك، والمراد بالعدوان هاهنا المعاقبة والمقاتلة، كقوله: ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) وقوله: ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) [ الشورى: 40 ]، ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) [ النحل: 126 ]. ولهذا قال عكرمة وقتادة: الظالم: الذي أبى أن يقول: لا إله إلا الله.

وقال البخاري: قوله: ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة [ ويكون الدين لله ] ) الآية: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي ﷺ فما يمنعك أن تخرج؟ قال: يمنعني أن الله حرم دم أخي. قالا: ألم يقل الله: ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة )؟ قال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله. زاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال: أخبرني فلان وحيوة بن شريح، عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه، عن نافع: أن رجلا أتى ابن عمر فقال [ له ]: يا أبا عبد الرحمن، ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما، وتترك الجهاد في سبيل الله، وقد علمت ما رغب الله فيه؟ فقال: يا ابن أخي، بني الإسلام على خمس: الإيمان بالله ورسوله، والصلوات الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت. قال: يا أبا عبد الرحمن، ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) [ الحجرات: 9 ]، ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) قال: فعلنا على عهد النبي ﷺ وكان الإسلام قليلا وكان الرجل يفتن في دينه: إما قتلوه أو عذبوه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة، قال: فما قولك في علي وعثمان؟ قال: أما عثمان فكان الله عفا عنه، وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه، وأما علي فابن عم رسول الله ﷺ وختنه، وأشار بيده فقال: هذا بيته حيث ترون.

Report Page