[2:187] - البقرة - الطبري

[2:187] - البقرة - الطبري

ابن جرير الطبري

﴿أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُم هُنَّ لِباسٌ لَكُم وَأَنتُم لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُم كُنتُم تَختانونَ أَنفُسَكُم فَتابَ عَلَيكُم وَعَفا عَنكُم فَالآنَ باشِروهُنَّ وَابتَغوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُم وَكُلوا وَاشرَبوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ مِنَ الفَجرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيلِ وَلا تُباشِروهُنَّ وَأَنتُم عاكِفونَ فِي المَساجِدِ تِلكَ حُدودُ اللَّهِ فَلا تَقرَبوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُم يَتَّقونَ﴾ [ البقرة - 2:187 ]

أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم

القول في تأويل قوله تعالى: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } يعني تعالى ذكره بقوله: { أحل لكم } أطلق لكم وأبيح. ويعني بقوله: { ليلة الصيام } في ليلة الصيام. فأما الرفث فإنه كناية عن الجماع في هذا الموضع، يقال: هو الرفث والرفوث. وقد روي أنها في قراءة عبد الله: { وأحل لكم ليلة الصيام الرفوث إلى نسائكم } وبمثل الذي قلنا في تأويل الرفث قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 2396 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، قال: ثنا أيوب بن سويد، عن سفيان، عن عاصم، عن بكر عن عبد الله المزني، عن ابن عباس قال: الرفث: الجماع، ولكن الله كريم يكني. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عاصم، عن بكر، عن ابن عباس، مثله. * - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: الرفث: النكاح. 2397 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: الرفث: غشيان النساء. 2398 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } قال: الجماع. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قال: الرفث: هو النكاح. 2399 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال ثنا عبد الكبير البصري، قال: ثنا الضحاك بن عثمان، قال: سألت سالم بن عبد الله عن قوله: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } قال: هو الجماع. 2400 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } يقول: الجماع. والرفث في غير هذا الموضع الإفحاش في المنطق كما قال العجاج: عن اللغا ورفث التكلمهن لباس لكم وأنتم لباس لهن

القول في تأويل قوله تعالى: { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } يعني تعالى ذكره بذلك: نساؤكم لباس لكم، وأنتم لباس لهن. فإن قال قائل: وكيف يكون نساؤنا لباسا لنا ونحن لهن لباسا واللباس إنما هو ما لبس؟ قيل: لذلك وجهان من المعاني: أحدهما أن يكون كل واحد منهما جعل لصاحبه لباسا، لتخرجهما عند النوم واجتماعهما في ثوب واحد وانضمام جسد كل واحد منهما لصاحبه بمنزلة ما يلبسه على جسده من ثيابه، فقيل لكل واحد منهما هو لباس لصاحبه، كما قال نابغة بني جعدة: إذا ما الضجيع ثنى عطفها تداعت فكانت عليه لباسا ويروى " تثنت " فكنى عن اجتماعهما متجردين في فراش واحد باللباس كما يكنى بالثياب عن جسد الإنسان، كما قالت ليلى وهي تصف إبلا ركبها قوم: رموها بأثواب خفاف فلا ترى لها شبها إلا النعام المنفرا يعني رموها بأنفسهم فركبوها. وكما قال الهذلي. تبرأ من دم القتيل ووتره وقد علقت دم القتيل إزارها يعني بإزارها نفسها. وبذلك كان الربيع يقول: 2401 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعيد، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع: { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } يقول: هن لحاف لكم، وأنتم لحاف لهن. والوجه الآخر أن يكون جعل كل واحد منهما لصاحبه لباسا لأنه سكن له، كما قال جل ثناؤه: { جعل لكم الليل لباسا } 25 47 يعني بذلك سكنا تسكنون فيه. وكذلك زوجة الرجل سكنه يسكن إليها، كما قال تعالى ذكره: { وجعل منها زوجها ليسكن إليها } 7 189 فيكون كل واحد منهما لباسا لصاحبه، بمعنى سكونه إليه، وبذلك كان مجاهد وغيره يقولون في ذلك. وقد يقال لما ستر الشيء وواراه عن أبصار الناظرين إليه هو لباسه وغشاؤه، فجائز أن يكون قيل: هن لباس لكم، وأنتم لباس لهن، بمعنى أن كل واحد منكم ستر لصاحبه فيما يكون بينكم من الجماع عن أبصار سائر الناس. وكان مجاهد وغيره يقولون في ذلك بما: 2402 - حدثنا به المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } يقول: سكن لهن. 2403 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } قال قتادة: هن سكن لكم، وأنتم سكن لهن. 2404 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { هن لباس لكم } يقول: سكن لكم، { وأنتم لباس لهن } يقول: سكن لهن. 2405 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد في قوله: { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } قال: المواقعة. 2406 - حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إبراهيم، عن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قوله: { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } قال: هن سكن لكم، وأنتم سكن لهن.علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن

القول في تأويل قوله تعالى: { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن } إن قال لنا قائل: وما هذه الخيانة التي كان القوم يختانونها أنفسهم التي تاب الله منها عليهم فعفا عنهم؟ قيل: كانت خيانتهم أنفسهم التي ذكرها الله في شيئين: أحدهما جماع النساء، والآخر: المطعم والمشرب في الوقت الذي كان حراما ذلك عليهم. كما: 2407 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: ثنا ابن أبي ليلى: أن الرجل كان إذا أفطر فنام لم يأتها، وإذا نام لم يطعم، حتى جاء عمر بن الخطاب يريد امرأته فقالت امرأته: قد كنت نمت! فظن أنها تعتل فوقع بها قال: وجاء رجل من الأنصار فأراد أن يطعم فقالوا: نسخن لك شيئا؟ قال: ثم نزلت هذه الآية: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } الآية. 2408 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر، فلما دخل رمضان كانوا يصومون، فإذا لم يأكل الرجل عند فطره حتى ينام لم يأكل إلى مثلها، وإن نام أو نامت امرأته لم يكن له أن يأتيها إلى مثلها. فجاء شيخ من الأنصار يقال له صرمة بن مالك، فقال لأهله: أطعموني! فقالت: حتى أجعل لك شيئا سخنا، قال: فغلبته عينه فنام. ثم جاء عمر فقالت له امرأته: إني قد نمت! فلم يعذرها وظن أنها تعتل فواقعها. فبات هذا وهذا يتقلبان ليلتهما ظهرا وبطنا، فأنزل الله في ذلك: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } وقال: { فالآن باشروهن } فعفا الله عن ذلك. وكانت سنة. 2409 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل، قال: كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا تركوا الطعام والشراب وإتيان النساء، فكان رجل من الأنصار يدعى أبا صرمة يعمل في أرض له، قال: فلما كان عند فطره نام، فأصبح صائما قد جهد، فلما رآه النبي ﷺ قال: " ما لي أرى بك جهدا "؟، فأخبره بما كان من أمره. واختان رجل نفسه في شأن النساء، فأنزل الله { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم }... إلى آخر الآية. 2410 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثني أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء - نحو حديث ابن أبي ليلى الذي حدث به عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى - قال: كانوا إذا صاموا ونام أحدهم لم يأكل شيئا حتى يكون من الغد، فجاء رجل من الأنصار، وقد عمل في أرض له وقد أعيا وكل، فغلبته عينه ونام، وأصبح من الغد مجهودا، فنزلت هذه الآية: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر }. 2411 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن رجاء البصري، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كان أصحاب محمد ﷺ إذا كان الرجل صائما فنام قبل أن يفطر لم يأكل إلى مثلها، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما، وكان توجه ذلك اليوم فعمل في أرضه، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندكم طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك. فغلبته عينه فنام، وجاءت امرأته قالت: قد نمت! فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه، فذكرت ذلك للنبي ﷺ، فنزلت فيه هذه الآية: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } إلى: { من الخيط الأسود } ففرحوا بها فرحا شديدا. 2412 - حدثني المثنى قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة، ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول الله ﷺ، فأنزل الله: { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن } يعني انكحوهن { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر }. 2413 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، قال: حدثني موسى بن جبير مولى بني سلمة أنه سمع عبد الله بن كعب بن مالك يحدث عن أبيه قال: كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد. فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي ﷺ ذات ليلة وقد سمر عنده، فوجد امرأته قد نامت فأرادها، فقالت: إني قد نمت! فقال: ما نمت! ثم وقع بها، وصنع كعب بن مالك مثل ذلك. فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي ﷺ فأخبره، فأنزل الله تعالى ذكره: { علم الله أنكم كنتم تختالون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن }... الآية. 2414 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا ثابت: أن عمر بن الخطاب واقع أهله ليلة في رمضان، فاشتد ذلك عليه، فأنزل الله: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم }. 2415 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } إلى: { وعفا عنكم } كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم يصوم يومه، حتى إذا أمسى طعم من الطعام فيما بينه وبين العتمة، حتى إذا صليت حرم عليهم الطعام حتى يمسي من الليلة القابلة. وإن عمر بن الخطاب بينما هو نائم، إذ سولت له نفسه، فأتى أهله لبعض حاجته، فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه كأشد ما رأيت من الملامة. ثم أتى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إنى أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة، فانها زينت لي فواقعت أهلي، هل تجد لي من رخصة يا رسول الله؟ قال: " لم تكن حقيقا بذلك يا عمر "، فلما بلغ بيته، أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن، وأمر الله رسوله أن يضعها في المائة الوسطى من سورة البقرة، فقال: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } إلى { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } يعني بذلك الذي فعل عمر بن الخطاب. فأنزل الله عفوه، فقال: { فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن } إلى: { من الخيط الأسود } فأحل لهم المجامعة والأكل والشرب حتى يتبين لهم الصبح. 2416 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } قال: كان الرجل من أصحاب محمد ﷺ يصوم الصيام بالنهار، فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء، فإذا رقد حرم ذلك كله عليه إلى مثلها من القابلة. وكان منهم رجال يختانون أنفسهم في ذلك، فعفا الله عنهم، وأحل ذلك لهم بعد الرقاد وقبله في الليل كله. 2417 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: كان أصحاب النبي ﷺ يصوم الصائم في رمضان، فإذا أمسى، ثم ذكر نحو حديث محمد بن عمرو وزاد فيه: وكان منهم رجال يختانون أنفسهم، وكان عمر بن الخطاب ممن اختان نفسه، فعفا الله عنهم، وأحل ذلك لهم بعد الرقاد وقبله، وفي الليل كله. 2418 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: أخبرني إسماعيل بن شروس، عن عكرمة مولى ابن عباس: أن رجلا قد سماه من أصحاب رسول الله ﷺ من الأنصار جاء ليلة وهو صائم، فقالت له امرأته: لا تنم حتى نصنع لك طعاما! فنام، فجاءت فقالت: نمت والله! فقال: لا والله! قالت: بلى والله! فلم يأكل تلك الليلة وأصبح صائما، فغشي عليه؛ فأنزلت الرخصة فيه. 2419 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } وكان بدء الصيام أمروا بثلاثة أيام من كل شهر ركعتين غدوة، وركعتين عشية، فأحل الله لهم في صيامهم - في ثلاثة أيام، وفي أول ما افترض عليهم في رمضان - إذا أفطروا وكان الطعام والشراب وغشيان النساء لهم حلالا ما لم يرقدوا، فإذا رقدوا حرم عليهم ذلك إلى مثلها من القابلة. وكانت خيانة القوم أنهم كانوا يصيبون أو ينالون من الطعام والشراب وغشيان النساء بعد الرقاد، وكانت تلك خيانة القوم أنفسهم، ثم أحل الله لهم ذلك الطعام والشراب وغشيان النساء إلى طلوع الفجر. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } قال: كان الناس قبل هذه الآية إذا رقد أحدهم من الليل رقدة، لم يحل له طعام ولا شراب، ولا أن يأتي امرأته إلى الليلة المقبلة، فوقع بذلك بعض المسلمين، فمنهم من أكل بعد هجعته أو شرب، ومنهم من وقع على امرأته فرخص الله ذلك لهم. 2420 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: كتب على النصارى رمضان، وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ولا ينكحوا النساء شهر رمضان، فكتب على المؤمنين كما كتب عليهم، فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى، حتى أقبل رجل من الأنصار يقال له أبو قيس بن صرمة، وكان يعمل في حيطان المدينة بالأجر، فأتى أهله بتمر، فقال لامرأته: استبدلي بهذا التمر طحينا فاجعليه سخينة لعلي أن آكله، فإن التمر قد أحرق جوفي، فانطلقت فاستبدلت له، ثم صنعت، فأبطأت عليه فنام، فأيقظته، فكره أن يعصي الله ورسوله، وأبى أن يأكل، وأصبح صائما؛ فرآه رسول الله ﷺ بالعشي، فقال: " ما لك يا أبا قيس أمسيت طليحا "، فقص عليه القصة. وكان عمر بن الخطاب وقع على جارية له في ناس من المؤمنين لم يملكوا أنفسهم؛ فلما سمع عمر كلام أبي قيس رهب أن ينزل في أبي قيس شيء، فتذكر هو، فقام فاعتذر إلى رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله إني أعوذ بالله إني وقعت على جاريتي، ولم أملك نفسي البارحة! فلما تكلم عمر تكلم أولئك الناس، فقال النبي ﷺ: " ما كنت جديرا بذلك يا ابن الخطاب "، فنسخ ذلك عنهم، فقال: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن، علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } يقول: إنكم تقعون عليهن خيانة، { فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم } يقول: جامعوهن؛ ورجع إلى أبي قيس فقال: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر }. 2421 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } قال: كانوا في رمضان لا يمسون النساء ولا يطعمون ولا يشربون بعد أن يناموا حتى الليل من القابلة، فإن مسوهن قبل أن يناموا لم يروا بذلك بأسا. فأصاب رجل من الأنصار امرأته بعد أن نام، فقال: قد اختنت نفسي! فنزل القرآن، فأحل لهم النساء والطعام والشراب حتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. قال: وقال مجاهد: كان أصحاب محمد ﷺ يصوم الصائم منهم في رمضان، فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء، فإذا رقد حرم عليه ذلك كله حتى كمثلها من القابلة، وكان منهم رجاله يختانون أنفسهم في ذلك. فعفا عنهم وأحل لهم بعد الرقاد وقبله في الليل، فقال: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم }... الآية. 2422 - حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } مثل قول مجاهد، وزاد فيه: أن عمر بن الخطاب قال لامرأته: لا ترقدي حتى أرجع من عند رسول الله ﷺ! فرقدت قبل أن يرجع، فقال لها: ما أنت براقدة! ثم أصابها حتى جاء إلى النبي ﷺ فذكر ذلك له، فنزلت هذه الآية. قال عكرمة: نزلت { وكلوا واشربوا } الآية في أبي قيس بن صرمة من بني الخزرج أكل بعد الرقاد. 2423 - حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان أن صرمة بن أنس أتى أهله ذات ليلة وهو شيخ كبير وهو صائم، فلم يهيئوا له طعاما، فوضع رأسه فأغفى، وجاءته امرأته بطعامه، فقالت له: كل! فقال: إني قد نمت، قالت: إنك لم تنم! فأصبح جائعا مجهودا، فأنزل الله: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } فأما المباشرة في كلام العرب: فإنه ملاقاة بشرة ببشرة، وبشرة الرجل: جلدته الظاهرة. وإنما كنى الله بقوله: { فالآن باشروهن } عن الجماع: يقول: فالآن إذا أحللت لكم الرفث إلى نسائكم فجامعوهن في ليالي شهر رمضان حتى يطلع الفجر، وهي تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وبالذي قلنا في المباشرة قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 2424 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان. وحدثنا عبد الحميد بن سنان، قال: حدثنا إسحاق، عن سفيان. وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أيوب بن سويد، عن سفيان، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن عباس، قال: المباشرة: الجماع، ولكن الله كريم يكني. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن عباس نحوه. * - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، ثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { فالآن باشروهن } انكحوهن. * - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: المباشرة: النكاح. 2425 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء قوله: { فالآن باشروهن } قال: الجماع، وكل شيء في القرآن من ذكر المباشرة فهو الجماع نفسه، وقالها عبد الله بن كثير مثل قول عطاء في الطعام والشراب والنساء. * - حدثنا حميد بن مسعدة قال: ثنا يزيد بن زريع قال: وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: المباشرة الجماع، ولكن الله يكني ما شاء بما شاء. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال أبو بشر: أخبرنا، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله. 2426 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { فالآن باشروهن } يقول: جامعوهن. 2427 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: المباشرة: الجماع. 2428 - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن عطاء، مثله. * - حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الأوزاعي، قال: حدثني عبدة بن أبي لبابة، قال: سمعت مجاهدا يقول: المباشرة في كتاب الله: الجماع. * - حدثنا ابن البرقي، ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: قال الأوزاعي: ثنا من سمع مجاهدا يقول: المباشرة في كتاب الله الجماع.وابتغوا ما كتب الله لكم

واختلفوا في تأويل قوله { وابتغوا ما كتب الله لكم } فقال بعضهم: الولد. ذكر من قال ذلك: 2429 - حدثني عبدة بن عبد الله الصفار البصري، قال: ثنا إسماعيل بن زياد الكاتب، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: الولد. 2430 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا سهل بن يوسف وأبو داود، عن شعبة قال: سمعت الحكم: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: الولد. 2431 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو تميلة، قال: ثنا عبيد الله، عن عكرمة قوله: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: الولد. 2432 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل، ثنا أبو مردود بحر بن موسى قال: سمعت الحسن بن أبي الحسن يقول في هذه الآية: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: الولد. 2433 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { وابتغوا ما كتب الله لكم } فهو الولد. 2434 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثنا أبي، قال: ثنا عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: { وابتغوا ما كتب الله لكم } يعني الولد. 2435 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: الولد، فإن لم تلد هذه فهذه. * - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه. * - حدثنا الحسن بن يحيى، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عمن سمع الحسن في قوله: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: هو الولد. 2436 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: ما كتب لكم من الولد. 2437 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: الجماع. 2438 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: ثنا الفضل بن خالد، قال: ثنا عبيد بن سلمان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم قوله: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: الولد. وقال بعضهم: معنى ذلك ليلة القدر. ذكر من قال ذلك: 2439 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: ليلة القدر. قال أبو هشام: هكذا قرأها معاذ. * - حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا الحسن بن أبي جعفر، قال: ثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس في قوله: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: ليلة القدر. وقال آخرون: بل معناه: ما أحله الله لكم ورخصه لكم. ذكر من قال ذلك: 2440 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وابتغوا ما كتب الله لكم } يقول: ما أحله الله لكم. * - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال قتادة في ذلك: ابتغوا الرخصة التي كتبت لكم. وقرأ ذلك بعضهم: { واتبعوا ما كتب الله لكم } ذكر من قال ذلك: 2441 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح، قال: قلت لابن عباس: كيف تقرأ هذه الآية: { وابتغوا } أو " واتبعوا "؟ قال: أيتهما شئت. قال: عليك بالقراءة الأولى. والصواب من القول في تأويل ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره قال: { وابتغوا } بمعنى: اطلبوا ما كتب الله لكم، يعني الذي قضى الله تعالى لكم. وإنما يريد الله تعالى ذكره: اطلبوا الذي كتبت لكم في اللوح المحفوظ أنه يباح فيطلق لكم وطلب الولد إن طلبه الرجل بجماعه المرأة مما كتب الله له في اللوح المحفوظ، وكذلك إن طلب ليلة القدر، فهو مما كتب الله له، وكذلك إن طلب ما أحل الله وأباحه، فهو مما كتبه له في اللوح المحفوظ. وقد يدخل في قوله: { وابتغوا ما كتب الله لكم } جميع معاني الخير المطلوبة، غير أن أشبه المعاني بظاهر الآية قول من قال معناه: وابتغوا ما كتب الله لكم من الولد لأنه عقيب قوله: { فالآن باشروهن } بمعنى: جامعوهن؛ فلأن يكون قوله: { وابتغوا ما كتب الله لكم } بمعنى: وابتغوا ما كتب الله في مباشرتكم إياهن من الود والنسل أشبه بالآية من غيره من التأويلات التي ليس على صحتها دلالة من ظاهر التنزيل، ولا خبر عن الرسول ﷺ.وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر

Report Page