[2:11] - البقرة - الوسيط

[2:11] - البقرة - الوسيط

الطنطاوي

﴿وَإِذا قيلَ لَهُم لا تُفسِدوا فِي الأَرضِ قالوا إِنَّما نَحنُ مُصلِحونَ﴾ [ البقرة - 2:11 ]

ثم وصفهم الله - تعالى - بعد ذلك بجملة من الرذائل والقبائح مضافة إلى قبائحهم السابقة فقال:

( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض قالوا... ).

الفساد: خروج الشيء عن حالة الاعتدال والاستقامة، وعن كونه منتفعاً به، وضده الصلاح، يقال: فسد الشيء فساداً، وأفسده إفساداً.

والمراد به هنا كفرهم، ومعاصيهم، ومن كفر بالله وانتهك محارمه فقد أفسد في الأرض، لأن الأرض لا تصلح إلا بالتوحيد والطاعة.

ومن أبرز معاصي هؤلاء المنافقين، ما كانوا يدعون إليه في السر من تكذيب الرسول ﷺ وإلقاء الشبه في طريق دعوته، والتحالف مع المشركين ضد المسلمين كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا.

وسلك القرآن هذا الأسلوب فقال: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ) بالبناء للمفعول دون أن يسند الفعل إلى فاعله، لأن مصدر القول المعبر عن النهي عن الإِفساد ليس مصدراً واحداً، فقد يصل آذانهم هذا النهي مرة من صريح القول. وأخرى مما كانوا يقابلون به من ناحية الرسول ﷺ وأصحابه من تجهم وإعراض.

وعلق بالفعل الذي هو الإِفساد قوله: ( فِي الأرض ) إيذاناً بأن الإِفساد مهما ضاقت حدوده، فإنه لابد يوماً أن يتعدى الحدود إلى ما وراء ذلك فقد يعم ويشمل إذا لم يشتد في الاحتياط له، لذلك جعل ظرف إفسادهم الأرض كلها مع أنهم موجودون في بقعة محصورة هي المدينة المنورة.

ولقد حكى القرآن جوابهم على نصيحة الناصحين وما فيه من تبجح وادعاء فقال:

( قالوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ).

فقد بالغوا في الرد فحصروا أنفسهم أولاً في الإصلاح مبالغة المفجوع الذي أذهلته المفاجأة بكشف أستار حقيقة، فتراهم لم يقتصروا على أن يقولوا: ( إِنّا مُصْلِحُونَ ) بل قالوا " إنما " ثم أكدوا الجملة بكونها اسمية ليدلوا بذلك على أن شأنهم في الإصلاح ثابت لازم.

قال الراغب: صوروا إفسادهم بصورة الإِصلاح لما في قلوبهم من المر، كما في قوله - تعالى -: ( أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ) وقوله: ( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ ) وقوله: ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالاً. الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحياة الدنيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) ولقد كذبهم الله - تعالى - تكذيباً مؤكداً في دعواهم أنهم مصلحون فقال:

Report Page