[20:2] - طه - القرطبي
القرطبي﴿ما أَنزَلنا عَلَيكَ القُرآنَ لِتَشقى﴾ [ طه - 20:2 ]
قوله تعالى: ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى وقرئ ( ما نزل عليك القرآن لتشقى ) قال النحاس بعض النحويين يقول هذه لام النفي وبعضهم يقول: لام الجحود، وقال أبو جعفر وسمعت أبا الحسن بن كيسان، يقول: إنها لام الخفض والمعنى ما أنزلنا عليك القرآن للشقاء، والشقاء يمد ويقصر وهو من ذوات الواو وأصل الشقاء في اللغة العناء والتعب، أي ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب، قال الشاعر:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
فمعنى لتشقى لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم وتحسرك على أن يؤمنوا، كقوله تعالى: فلعلك باخع نفسك على آثارهم أي ما عليك إلا أن تبلغ وتذكر، ولم يكتب عليك أن يؤمنوا لا محالة بعد أن لم تفرط في أداء الرسالة والموعظة الحسنة، وروي أن أبا جهل لعنه الله تعالى والنضر بن الحارث قالا للنبي - ﷺ -: إنك شقي؛ لأنك تركت دين آبائك فأريد رد ذلك بأن دين الإسلام وهذا القرآن هو السلم إلى نيل كل فوز، والسبب في درك كل سعادة وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها، وعلى الأقوال المتقدمة أنه - عليه الصلاة والسلام - صلى بالليل حتى تورمت قدماه، فقال له جبريل: أبق على نفسك فإن لها عليك حقا؛ أي ما أنزلنا عليك القرآن لتنهك نفسك في العبادة، وتذيقها المشقة الفادحة وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة.