[18:51] - الكهف - القرطبي

[18:51] - الكهف - القرطبي

القرطبي

﴿ما أَشهَدتُهُم خَلقَ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَلا خَلقَ أَنفُسِهِم وَما كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلّينَ عَضُدًا﴾ [ الكهف - 18:51 ]

قوله: ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا

قوله تعالى: ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم قيل: الضمير عائد على إبليس وذريته؛ أي لم أشاورهم في خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم، بل خلقتهم على ما أردت. وقيل: ما أشهدت إبليس وذريته خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم أي أنفس المشركين فكيف اتخذوهم أولياء من دوني؟. وقيل: الكناية في قوله: ما أشهدتهم ترجع إلى المشركين، وإلى الناس بالجملة، فتتضمن الآية الرد على طوائف من المنجمين وأهل الطبائع والمتحكمين من الأطباء وسواهم من كل من ينخرط في هذه الأشياء. وقال ابن عطية: وسمعت أبي - رضي الله عنه - يقول سمعت الفقيه أبا عبد الله محمد بن معاذ المهدي بالمهدية يقول: سمعت عبد الحق الصقلي يقول هذا القول، ويتأول هذا التأويل في هذه الآية، وأنها رادة على هذه الطوائف.

وذكر هذا بعض الأصوليين. قال ابن عطية وأقول: إن الغرض المقصود أولا بالآية هم إبليس وذريته؛ وبهذا الوجه يتجه الرد على الطوائف المذكورة، وعلى الكهان والعرب والمعظمين للجن؛ حين يقولون: أعوذ بعزيز هذا الوادي؛ إذ الجميع من هذه الفرق متعلقون بإبليس وذريته وهم أضلوا الجميع، فهم المراد الأول بالمضلين؛ وتندرج هذه الطوائف في معناهم.

قال الثعلبي: وقال بعض أهل العلم ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض رد على المنجمين أن قالوا: إن الأفلاك تحدث في الأرض وفي بعضها في بعض، وقوله: والأرض رد على أصحاب الهندسة حيث قالوا: إن الأرض كروية والأفلاك تجري تحتها، والناس ملصقون عليها وتحتها، وقوله: ولا خلق أنفسهم رد على الطبائعيين حيث زعموا أن الطبائع هي الفاعلة في النفوس. وقرأ أبو جعفر " ما أشهدناهم " بالنون والألف على التعظيم. الباقون بالتاء.

بدليل قوله: وما كنت متخذ يعني ما استعنتهم على خلق السماوات والأرض ولا شاورتهم.

وما كنت متخذ المضلين عضدا يعني الشياطين. وقيل: الكفار.

عضدا أي أعوانا يقال: اعتضدت بفلان إذا استعنت به وتقويت والأصل فيه عضد اليد، ثم يوضع موضع العون؛ لأن اليد قوامها العضد. يقال: عضده وعاضده على كذا إذا أعانه وأعزه. ومنه قوله: سنشد عضدك بأخيك أي سنعينك بأخيك. ولفظ العضد على جهة المثل، والله - سبحانه وتعالى - لا يحتاج إلى عون أحد. وخص المضلين بالذكر لزيادة الذم والتوبيخ. وقرأ أبو جعفر الجحدري " وما كنت " بفتح التاء أي وما كنت يا محمد متخذ المضلين عضدا. وفي عضد ثمانية أوجه: " عضدا " بفتح العين وضم الضاد وهي قراءة الجمهور، وهي أفصحها. و" عضدا " بفتح العين وإسكان الضاد، وهي لغة بني تميم. و" عضدا " بضم العين والضاد، وهي قراءة أبي عمرو والحسن. و" عضدا " بضم العين وإسكان الضاد، وهي قراءة عكرمة. و" عضدا " بكسر العين وفتح الضاد، وهي قراءة الضحاك. و" عضدا " بفتح العين والضاد وهي قراءة عيسى بن عمر. وحكى هارون القارئ " عضدا " واللغة الثامنة " عضدا " على لغة من قال: كتف وفخذ.

Report Page