[18:2] - الكهف - الوسيط

[18:2] - الكهف - الوسيط

الطنطاوي

﴿قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأسًا شَديدًا مِن لَدُنهُ وَيُبَشِّرَ المُؤمِنينَ الَّذينَ يَعمَلونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا حَسَنًا﴾ [ الكهف - 18:2 ]

وقوله: ( قيما ) تأكيد فى المعنى لقوله - سبحانه -: ( وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ) لأنه قد يكون الشئ مستقيما فى الظاهر، إلا أنه لا يخلو عن اعوجاج فى حقيقة الأمر، ولذا جمع - سبحانه - بين نفى العوج، وإثبات الاستقامة.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما فائدة الجمع بين نفى العوج وإثبات الاستقامة، وفى أحدهما غنى عن الآخر؟

قلت: فائدته التأكيد، فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة، ولا يخلو من أدنى عوج عند السبر والتصفح، وقيل: قيما على سائر الكتب، مصدقا لها، شاهدا بصحتها، وقيل: قيما بمصالح العباد وما لا بد لهم منه من الشرائع.

وشبيه بهذه الآية فى مدح القرآن الكريم قوله - تعالى -: ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إلى صِرَاطِ العزيز الحميد ) وقوله - سبحانه -. ( إِنَّ هذا القرآن يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ.. ) وقوله - عز وجل: ( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) وقوله - تعالى -: ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً ) ثم شرع - سبحانه - فى بيان وظيفة القرآن الكريم، بعد أن وصفه بالاستقامة والإِحكام، فقال: ( لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ.

.. ).

والإِنذار: الإِعلام المقترن بتخويف وتهديد، فكل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذارا.

واللام فى قوله ( لينذر ) متعلقة بأنزل، والبأس: العذاب، وهو المفعول الثانى للفعل ينذر، ومفعوله الأول محذوف.

والمعنى: أنزل - سبحانه - على عبده الكتاب حالة كونه لم يجعل له عوجا بل جعله مستقيما، لينذر الذين كفروا عذابا شديدا، صادرا من عنده - تعالى -.

والتعبير بقوله ( من لدنه ) يشعر بأنه عذاب ليس له دافع، لأنه من عند الله تعالى - القاهر فوق عباده.

أما وظيفة القرآن بالنسبة للمؤمنين، فقد بينها - سبحانه - بعد ذلك فى قوله: ( وَيُبَشِّرَ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً ).

أى: أنزل الله هذا القرآن، ليخوف به الكافرين من عذابه، وليبشر به المؤمنين الذين يعملون الأعمال الصالحات، أن لهم من خالقهم - عز وجل - أجراً حسنا هو الجنة ونعيمها.

Report Page