[17:78] - الإسراء - ابن كثير

[17:78] - الإسراء - ابن كثير

ابن كثير

﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلوكِ الشَّمسِ إِلى غَسَقِ اللَّيلِ وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كانَ مَشهودًا﴾ [ الإسراء - 17:78 ]

يقول تعالى لرسوله ﷺ آمرا له بإقامة الصلوات المكتوبات في أوقاتها: ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) قيل لغروبها. قاله ابن مسعود، ومجاهد، وابن زيد.

وقال هشيم، عن مغيرة، عن الشعبي، عن ابن عباس: " دلوكها ": زوالها. ورواه نافع، عن ابن عمر. ورواه مالك في تفسيره، عن الزهري، عن ابن عمر. وقاله أبو برزة الأسلمي وهو رواية أيضا عن ابن مسعود. ومجاهد. وبه قال الحسن، والضحاك، وأبو جعفر الباقر، وقتادة. واختاره ابن جرير، ومما استشهد عليه ما رواه عن ابن حميد، عن الحكم بن بشير، حدثنا عمرو بن قيس، عن ابن أبي ليلى، [ عن رجل ]، عن جابر بن عبد الله قال: دعوت رسول الله ﷺ ومن شاء من أصحابه فطعموا عندي، ثم خرجوا حين زالت الشمس، فخرج النبي ﷺ فقال: " اخرج يا أبا بكر، فهذا حين دلكت الشمس ".

ثم رواه عن سهل بن بكار، عن أبي عوانة، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر عن رسول الله ﷺ، نحوه. فعلى هذا تكون هذه الآية دخل فيها أوقات الصلاة الخمسة فمن قوله: ( لدلوك الشمس إلى غسق الليل ) وهو: ظلامه، وقيل: غروب الشمس، أخذ منه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وقوله [ تعالى ]: ( وقرآن الفجر ) يعني صلاة الفجر.

وقد ثبتت السنة عن رسول الله ﷺ تواترا من أفعاله وأقواله بتفاصيل هذه الأوقات، على ما عليه عمل أهل الإسلام اليوم، مما تلقوه خلفا عن سلف، وقرنا بعد قرن، كما هو مقرر في مواضعه، ولله الحمد.

( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال الأعمش، عن إبراهيم، عن ابن مسعود - وعن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي ﷺ في هذه الآية: ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال: " تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ".

وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة - وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: " فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر ". ويقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ).

وقال الإمام أحمد: حدثنا أسباط، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن ابن مسعود، عن النبي ﷺ - وحدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ في قوله: ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال: " تشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار ".

ورواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ثلاثتهم عن عبيد بن أسباط بن محمد، عن أبيه، به وقال الترمذي: حسن صحيح.

وفي لفظ في الصحيحين، من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: " يتعاقبون فيكم ملائكة الليل وملائكة النهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر، فيعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم - وهو أعلم بكم - كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون " وقال عبد الله بن مسعود: يجتمع الحرسان في صلاة الفجر، فيصعد هؤلاء ويقيم هؤلاء. وكذا قال إبراهيم النخعي، ومجاهد، وقتادة، وغير واحد في تفسير هذه الآية.

وأما الحديث الذي رواه ابن جرير هاهنا - من حديث الليث بن سعد، عن زيادة، عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدرداء، عن رسول الله ﷺ، فذكر حديث النزول وأنه تعالى يقول: " من يستغفرني أغفر له، من يسألني أعطه، من يدعني فأستجيب له حتى يطلع الفجر ". فلذلك يقول: ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) فيشهده الله، وملائكة الليل، وملائكة النهار - فإنه تفرد به زيادة، وله بهذا حديث في سنن أبي داود.

Report Page