[17:5] - الإسراء - التنوير
ابن عاشور﴿فَإِذا جاءَ وَعدُ أولاهُما بَعَثنا عَلَيكُم عِبادًا لَنا أُولي بَأسٍ شَديدٍ فَجاسوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعدًا مَفعولًا﴾ [ الإسراء - 17:5 ]
والوعد مصدر بمعنى المفعول، أي موعود أولى المرتين، أي الزمان المقدر لحصول المرة الأولى من الإفساد والعلو، كقوله: { فإذا جاء وعد ربي جعله دكاً } [ الكهف: 98 ].
ومثل ذلك قوله: { وكان وعداً مفعولا } أي معمولاً ومنفذاً.
وإضافة { وعد } إلى { أولاهما } بيانية، أي الموعود الذي هو أولى المرتين من الإفساد والعلو.
والبعث مستعمل في تكوين السير إلى أرض إسرائيل وتهيئة أسبابه حتى كأن ذلك أمر بالمسير إليهم كما مر في قوله: { ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب } في سورة [ الأعراف: 167 ]، وهو بعث تكوين وتسخير لا بعث بوحي وأمر.
وتعدية { بعثنا } بحرف الاستعلاء لتضمينه معنى التسليط كقوله: { ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب } [ الأعراف: 167 ].
والعِباد: المملوكون، وهؤلاء عباد مخلوقية، وأكثر ما يقال: عباد الله. ويقال: عَبيد، بدون إضافة، نحو { وما ربك بظلام للعبيد } [ فصلت: 46 ]، فإذا قصد المملوكون بالرق قيل: عَبيد، لا غير. والمقصود بعباد الله هنا الأشوريون أهل بابل وهم جنود بختنصر.
والبأس: الشوكة والشدة في الحرب. ووصفه بالشديد لقوته في نوعه كما في آية سورة سليمان [ النمل: 33 ]: { قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد. } وجملة { فجاسوا } عطف على { بعثنا } فهو من المقضي في الكتاب. والجوس: التخلل في البلاد وطرقها ذهاباً وإياباً لتتبع ما فيها. وأريد به هنا تتبّع المقاتلة فهو جوس مضرة وإساءة بقرينة السياق.
و ( خلال ) اسم جاء على وزن الجموع ولا مفرد له، وهو وسط الشيء الذي يتخلل منه. قال تعالى: { فترى الودق يخرج من خلاله } [ الروم: 48 ].
والتعريف في الديار } تعريف العهد، أي دياركم، وذلك أصل جعل ( ال ) عوضاً عن المضاف إليه. وهي ديار بلد أورشليم فقد دخلها جيش بختنصر وقتل الرجال وسبى، وهدم الديار، وأحرق المدينة وهيكل سليمان بالنار. ولفظ ( الديار ) يشمل هيكل سليمان لأنه بيت عبادتهم، وأسر كل بني إسرائيل وبذلك خلت بلاد اليهود منهم. ويدل لذلك قوله في الآية الآتية: { وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة }.