[17:25] - الإسراء - التنوير
ابن عاشور﴿رَبُّكُم أَعلَمُ بِما في نُفوسِكُم إِن تَكونوا صالِحينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلأَوّابينَ غَفورًا﴾ [ الإسراء - 17:25 ]
تذييل لآية الأمر بالإحسان بالوالدين وما فصل به، وما يقتضيه الأمر من اختلاف أحوال المأمورين بهذا الأمر قبل وروده بين موافق لمقتضاه ومفرط فيه، ومن اختلاف أحوالهم بعد وروده من محافظ على الامتثال، ومقصر عن قصد أو عن بادرة غفلة.
ولما كان ما ذكر في تضاعيف ذلك وما يقتضيه يعتمد خلوص النية ليجري العمل على ذلك الخلوص كاملاً لا تكلف فيه ولا تكاسل، فلذلك ذيله بأنه المطلع على النفوس والنوايا، فوعد الولد بالمغفرة له إن هو أدى ما أمره الله به لوالديه وافياً كاملاً. وهو مما يشمله الصلاح في قوله: { إن تكونوا صالحين } أي ممتثلين لما أمرتم به. وغير أسلوب الضمير فعاد إلى ضمير جمع المخاطبين لأن هذا يشترك فيه الناس كلهم فضمير الجمع أنسب به.
ولما شمل الصلاح الصلاح الكامل والصلاح المشوب بالتقصير ذيله بوصف الأوابين المفيد بعمومه معنى الرجوع إلى الله، أي الرجوع إلى أمره وما يرضيه، ففهم من الكلام معنى احتباك بطريق المقابلة. والتقدير إن تكونوا صالحين أوابين إلى الله فإنه كان للصالحين محسناً وللأوابين غفوراً. وهذا يعم المخاطبين وغيرهم، وبهذا العموم كان تذييلاً.
وهذا الأوْب يكون مطرداً، ويكون معرضاً للتقصير والتفريط، فيقتضي طلب الإقلاع عما يخرمه بالرجوع إلى الحالة المرضية، وكل ذلك أوْب وصاحبه آيِب، فصيغ له مثال المبالغة ( أواب ) لصلوحية المبالغة لقوة كيفية الوصف وقوة كميته. فالملازم للامتثال في سائر الأحوال المراقب لنفسه أواب لشدة محافظته على الأوبة إلى الله، والمغلوب بالتفريط يؤوب كلما راجع نفسه وذكر ربه، فهو أواب لكثرة رجوعه إلى أمر ربه، وكل من الصالحين.
وفي قوله: { ربكم أعلم بما في نفوسكم } ما يشمل جميع أحوال النفوس وخاصة حالة التفريط وبوادر المخالفة. وهذا من رحمة الله تعالى بخلقه.
وقد جمعت هذه الآية مع إيجازها تيسيراً بعد تعسير مشوباً بتضييق وتحذير ليكون المسلم على نفسه رقيباً.