[16:7] - النحل - التنوير

[16:7] - النحل - التنوير

ابن عاشور

﴿وَتَحمِلُ أَثقالَكُم إِلى بَلَدٍ لَم تَكونوا بالِغيهِ إِلّا بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُم لَرَءوفٌ رَحيمٌ﴾ [ النحل - 16:7 ]

وجملة { وتحمل أثقالكم } معطوفة على { ولكم فيها جمال } فهي في موضع الحال أيضاً. والضمير عائد إلى أشهر الأنعام عندهم وهي الإبل، كقولها في قصّة أم زرع «رَكب شَرياً وأخذَ خطيّاً فأراح علي نعماً ثرياً»، فإن النعم التي تؤخذ بالرمح هي الإبل لأنها تؤخذ بالغارة.

وضمير { وتحمل } عائد إلى بعض الأنعام بالقرينة. واختيار الفعل المضارع بتكرر ذلك الفعل.

والأثقال: جمع ثَقَل بفتحتين وهو ما يثقل على الناس حمله بأنفسهم.

والمراد ب { بلد } جنس البلد الذي يرتحلون إليه كالشام واليمن بالنسبة إلى أهل الحجاز، ومنهم أهل مكة في رحلة الصيف والشتاء والرحلة إلى الحجّ.

وقد أفاد { وتحمل أثقالكم } معنى تحملكم وتبلغكم، بطريقة الكناية القريبة من التصريح. ولذلك عقب بقوله تعالى: { لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس }.

وجملة { لم تكونوا بالغيه } صفة ل { بلد }، وهي مفيدة معنى البعد، لأن بلوغ المسافر إلى بلد بمشقّة هو من شأن البلد البعيد، أي لا تبلغونه بدون الأنعام الحاملة أثقالكم.

والشِّقّ بكسر الشين في قراءة الجمهور: المشقة. والباء للملابسة. والمشقة: التعب الشّديد.

وما بعد أداة الاستثناء مستثنى من أحوال لضمير المخاطبين.

وقرأ أبو جعفر { إلا بشق الأنفس } بفتح الشين وهو لغة في الشِق المكسور الشين.

وقد نفت الجملة أن يكونوا بالغيه إلا بمشقّة، فأفاد ظاهرها أنهم كانوا يبلغونه بدون الرواحل بمشقّة وليس مقصوداً، إذ كان الحمل على الأنعام مقارناً للأسفار بالانتقال إلى البلاد البعيدة، بل المراد: لم تكونوا بالغيه لولا الإبل أو بدون الإبل، فحذف لقرينة السياق.

وجملة { إن بكم لرؤوف رحيم } تعليل لجملة { والأنعام خلقها }، أي خلقها لهذه المنافع لأنه رؤوف رحيم بكم.

Report Page