[16:121] - النحل - الطبري
ابن جرير الطبري﴿شاكِرًا لِأَنعُمِهِ اجتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾ [ النحل - 16:121 ]
( شَاكِرًا لأنْعُمِهِ ) يقول: كان يخلص الشكر لله فيما أنعم عليه، ولا يجعل معه في شكره في نعمه عليه شريكا من الآلهة والأنداد وغير ذلك، كما يفعل مشركو قريش ( اجْتَبَاهُ ) يقول: اصطفاه واختاره لخُلته ( وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) يقول: وأرشده إلى الطريق المستقيم، وذلك دين الإسلام لا اليهودية ولا النصرانية.
وبنحو الذي قلنا في معنى ( أُمَّةً قَانِتًا ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني زكريا بن يحيى، قال: ثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن أبي العُبَيدين، أنه جاء إلى عبد الله فقال: من نسأل إذا لم نسألك؟ فكأنّ ابن مسعود رقّ له، فقال: أخبرني عن الأمَّة، قال: الذي يُعلَّم الناس الخير.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن أبي العُبَيدين أنه سأل عبد الله بن مسعود، عن الأمَّة القانت، قال: الأمَّة: معلم الخير، والقانت: المطيع لله ورسوله.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن منصور، يعني ابن عبد الرحمن، عن الشعبي، قال: ثني فروة بن نوفل الأشجعي، قال: قال ابن مسعود: إن معاذا كان أُمَّة قانتا لله حنيفا، فقلت في نفسي: غلط أبو عبد الرحمن، إنما قال الله تعالى ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ ) فقال: تدري ما الأمَّة، وما القانت؟ قلت: الله أعلم، قال: الأمَّة: الذي يعلم الخير، والقانت: المطيع لله ولرسوله، وكذلك كان مُعاذ بن جبل يعلم الخير، وكان مطيعًا لله ولرسوله.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت فراسا يحدّث، عن الشعبيّ، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: إن مُعاذا كان أُمَّة قانتًا لله، قال: فقال رجل من أشجع يُقال له فروة بن نوفل: نسي إنما ذاك إبراهيم، قال: فقال عبد الله: من نسي إنما كنا نشبهه بإبراهيم، قال: وسُئِل عبد الله عن الأمَّة، فقال: معلم الخير، والقانت: المطيع لله ورسوله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن فراس، عن الشعبيّ، عن مسروق قال: قرأت عند عبد الله هذه الآية ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ ) فقال: كان معاذ أُمَّةً قانتًا، قال: هل تدري ما الأمَّة، الأمَّة الذي يعلم الناس الخير، والقانت: الذي يطيع الله ورسوله.
حدثنا أبو هشام الرفاعيّ، قال: ثنا ابن فضيل، قال: ثنا بيان بن بشر البَجَلي، عن الشعبيّ، قال: قال عبد الله: إن معاذا كان أُمَّة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين، فقال له رجل: نسيت، قال: لا ولكنه شبيه إبراهيم، والأمَّة: معلِّم الخير، والقانت: المطيع.
حدثني عليّ بن سعيد الكندي، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن ابن عون، عن الشعبيّ، في قوله: ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا ) قال: مطيعا.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، قال: قال عبد الله: إن معاذا كان أُمَّة قانتا معلِّم الخير.
وذُكر في الأمَّة أشياء مختلف فيها، قال وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ يعني: بعد حين و أُمَّةً وَسَطًا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن سعيد بن سابق، عن ليث، عن شَهْر بن حَوْشَب، قال: لم تبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الأرض وتخرج بركتها، إلا زمن إبراهيم فإنه كان وحده.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: أخبرنا هشيم، قال: أخبرنا سيار، عن الشعبيّ، قال: وأخبرنا زكريا ومجالد، عن الشعبيّ، عن مسروق، عن ابن مسعود، نحو حديث يعقوب، عن ابن عُلَية وزاد فيه: الأمَّة: الذي يعلم الخير ويُؤْتمّ به، ويقتدى به؛ والقانت: المطيع لله وللرسول، قال له أبو فروة الكندي: إنك وهمت.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ) على حدة ( قَانِتًا لِلَّهِ ) قال: مطيعا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله، إلا أنه قال: مطيعًا لله في الدنيا.
قال ابن جريج: وأخبرني عويمر، عن سعيد بن جبير، أنه قال: قانتًا: مطيعًا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ ) قال: كان إمام هُدًى مطيعًا تُتَّبع سُنَّته ومِلَّته.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن مَعْمر، عن قتادة، أن ابن مسعود قال: إن مُعاذ بن جَبَلْ كان أُمَّةً قانتا، قال غير قتادة: قال ابن مسعود: هل تدرون: ما الأمَّة؟ الذي يعلم الخير.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن فراس، عن الشعبيّ، عن مسروق، قال: قرأت عند عبد الله بن مسعود ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا ) فقال: إن معاذا كان أُمَّةً قانتا، قال: فأعادوا، فأعاد عليهم، ثم قال: أتدرون ما الأمَّة؟ الذي يعلم الناس الخير، والقانت: الذي يطيع الله.
وقد بيَّنا معنى الأمَّة ووجوهها، ومعنى القانت باختلاف المختلفين فيه في غير هذا الموضع من كتابنا بشواهده، فأغنى بذلك عن إعادته في هذا الموضع.