[16:112] - النحل - القرطبي
القرطبي﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَريَةً كانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتيها رِزقُها رَغَدًا مِن كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الجوعِ وَالخَوفِ بِما كانوا يَصنَعونَ﴾ [ النحل - 16:112 ]
قوله تعالى: وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون
قوله تعالى: وضرب الله مثلا قرية هذا متصل بذكر المشركين. وكان رسول الله - ﷺ - دعا على مشركي قريش وقال: اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف. فابتلوا بالقحط حتى أكلوا العظام، ووجه إليهم رسول الله - ﷺ - طعاما ففرق فيهم.
كانت آمنة لا يهاج أهلها.
مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان من البر والبحر؛ نظيره يجبى إليه ثمرات كل شيء الآية.
فكفرت بأنعم الله الأنعم: جمع النعمة؛ كالأشد جمع الشدة. وقيل: جمع نعمى؛ مثل بؤسى وأبؤس. وهذا الكفران تكذيب بمحمد - ﷺ -.
فأذاقها الله أي أذاق أهلها.
لباس الجوع والخوف سماه لباسا لأنه يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس. بما كانوا يصنعون أي من الكفر والمعاصي.
وقرأه حفص بن غياث ونصر بن عاصم وابن أبي إسحاق والحسن وأبو عمرو فيما روى عنه عبد الوارث وعبيد وعباس والخوف نصبا بإيقاع " أذاقها " عليه، عطفا على لباس الجوع وأذاقها الخوف. وهو بعث النبي - ﷺ - سراياه التي كانت تطيف بهم. وأصل الذوق بالفم ثم يستعار فيوضع موضع الابتلاء.
وضرب مكة مثلا لغيرها من البلاد؛ أي أنها مع جوار بيت الله وعمارة مسجده لما كفر أهلها أصابهم القحط فكيف بغيرها من القرى. وقد قيل: إنها المدينة، آمنت برسول الله - ﷺ -، ثم كفرت بأنعم الله لقتل عثمان بن عفان، وما حدث بها بعد رسول الله - ﷺ - من الفتن. وهذا قول عائشة وحفصة زوجي النبي - ﷺ -. وقيل: إنه مثل مضروب بأي قرية كانت على هذه الصفة من سائر القرى.