[16:106] - النحل - البغوي
البغوي﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعدِ إيمانِهِ إِلّا مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإيمانِ وَلكِن مَن شَرَحَ بِالكُفرِ صَدرًا فَعَلَيهِم غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُم عَذابٌ عَظيمٌ﴾ [ النحل - 16:106 ]
( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره )
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في عمار، وذلك أن المشركين أخذوه، وأباه ياسرا، وأمه سمية، وصهيبا، وبلالا وخبابا، وسالما، فعذبوهم، فأما سمية: فإنها ربطت بين بعيرين ووجئ قبلها بحربة فقتلت، وقتل زوجها ياسر، وهما أول قتيلين قتلا في الإسلام، وأما عمار: فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها.
قال قتادة: أخذ بنو المغيرة عمارا وغطوه في بئر ميمون، وقالوا له: اكفر بمحمد، فتابعهم على ذلك، وقلبه كاره، فأخبر رسول الله ﷺ بأن عمارا كفر فقال: كلا إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه، فأتى عمار رسول الله ﷺ وهو يبكي، فقال رسول الله ﷺ: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله، نلت منك وذكرت آلهتهم قال: كيف وجدت قلبك، قال مطمئنا بالإيمان، فجعل النبي ﷺ يمسح عينيه وقال: إن عادوا لك فعد لهم بما قلت، فنزلت هذه الآية.
قال مجاهد: نزلت في ناس من أهل مكة، آمنوا فكتب إليهم بعض أصحاب رسول الله ﷺ: أن هاجروا، فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا، فخرجوا يريدون المدينة، فأدركتهم قريش في الطريق فكفروا كارهين.
وقال مقاتل: نزلت في جبر، مولى عامر بن الحضرمي، أكرهه سيده على الكفر فكفر مكرها. ( وقلبه مطمئن بالإيمان ) ثم أسلم مولى جبر وحسن إسلامه وهاجر جبر مع سيده، ( ولكن من شرح بالكفر صدرا ) أي: فتح صدره للكفر بالقبول واختاره، ( فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم )
وأجمع العلماء على: أن من أكره على كلمة الكفر، يجوز له أن يقول بلسانه، وإذا قال بلسانه غير معتقد لا يكون كفرا، وإن أبى أن يقول حتى يقتل كان أفضل.
واختلف أهل العلم في طلاق المكره. فذهب أكثرهم إلى أنه لا يقع.