وتواصوا بالصبر
مجلة بلاغ - العدد السادس عشر - صفر 1442 هـالشيخ: أبو حمزة الكردي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين:
يقول تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) أي في تعب ومشقة في الحياة؛ فلا بد لهذا التعب من شيء يخففه ويعين عليه، فكان هذا الشيء هو الصبر.
والصبر هو "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" كما وصفه ابن القيم رحمه الله تعالى، فلا بد لكل مؤمن منه حتى يعينه على نوائب الدهر ومصائب الحياة وهمومها ومتاعبها.
ويحتاج الصابر إلى التواصي بالصبر ليثبت على طريق الصبر ويثبت إخوانه كذلك، قال تعالى: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).
قال الشوكاني: "التَّوَاصِي بِالصَّبْرِ مِمَّا يَنْدَرِجُ تَحْتَ التَّوَاصِي بِالْحَقِّ، فَإِفْرَادُهُ بِالذِّكْرِ وَتَخْصِيصُهُ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى إِنَافَتِهِ عَلَى خِصَالِ الْحَقِّ، وَمَزِيدِ شَرَفِهِ عَلَيْهَا، وَارْتِفَاعِ طَبَقَتِهِ عَنْهَا".
والتواصي بالصبر بين المؤمنين موجب للتواصي بالرحمة كما قال جل وعلا: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ).
والتواصي بالصبر يكون تواصيا على التزام أنواع الصبر الثلاثة؛ صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله.
فمن التواصي بالصبر على طاعة الله التواصي على المحافظة على الصلاة وصلة الأرحام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنفير للجهاد وكثرة ذكر الله تعالى وجميع القربات التي تقرب من الله جل وعلا.
ومن التواصي بالصبر عن معصية الله تخويف الناس من عذاب الله وشدة عقوبة الجناة المعتدين على حدوده المنتهكين لما حرم.
أما التواصي بالصبر على أقدار الله فيكون بتذكير الناس بأن الله عز وجل هو خالق الكون ومدبر أمورهم ويعلم إسرارهم وعلانيتهم وما فيه مصلحتهم في الدنيا والآخرة فما من شيء يصيبهم إلا لحكمة أرادها الله جل وعلا.
والتواصي بالصبر بكل أنواعه سبب من أسباب حفظ الحق أن يبقى معروفاً بيِّناً، متناقلاً بين الأب وأولاده، والأخ وإخوانه، بين جميع شرائح المجتمع وبين الإمام ومن يصلي وراءه، والمسلمين عموماً عندما تكون سنة التواصي بينهم قائمة يبقى الحق معروفاً وإلا ضاع، والتمسك بالحق لا يمكن إلا بصبر؛ لأن الحق صعب، وفيه تعب وشدة ومعاناة وخصوصاً في أزمان الفتنة، فلا بد من صبر على التمسك؛ حتى لا يبقى مجرد علم غير معمول به.
قد عِيلَ صبرُك، والظلماءُ داجيةٌ
فاصبِرْ قليلاً، لعلّ الصبحَ ينبلجُ
والحمد لله رب العالمين.
هنا بقية مقالات العدد السادس عشر من مجلة بلاغ الشهرية لشهر صفر 1442