من الانحدار حتى الانتحار | عُلا الشامي

من الانحدار حتى الانتحار | عُلا الشامي

-مشروع يقظة فكر.



عبير فتاة قد لايعرِفها الكثير ولكنّها غيمةٌ مرّت وما ضرّت،لها من لين القلب، والوجه البشوش الفَرِح ما يجعلُ النّاس يتذكروا ابتسامتها الحانية، وكلماتها الرقيقة.

عاشت في بيتِ أسرَةٍ منّ الله عليهم بالهداية والتسامح رُغم الظروف القاسية التي تَمُرُّ بهم، إلى أنّهم يعرفون كُل الحقوق والواجبات لكُلّ فردٍ في الأُسرة؛ فكانت عبير الابنةُ الوُسْطى لهم، تنعمُ بحياةٍ هادئة خالية من كل شيء يجعل أفكارها مسمومة.

الدُنيا لا أحد يعرف كيف لها أن تنقلب في لمح البصر وتحوّل من كان عقلهُ زاخراً بالجمال إلى غاباتٍ موحشة!


تذكرتُها مرّةً وهي تُخبرني:

عُلا أتمنى من الله أن يهبني لذّة الوصول لأحلامي قد سئمتُ من مغادرة ما أُحبّ أُريدُ أن أُجرّب ولو مرّة الوصول.


-ألا زلتِ مُصِرّة على قراركِ ياعبير!

فنهايةُ ماتفكرين به، أو ما تنوين فعله لا تُحمد عقباه ناهيكِ عن الألم النفسي في الدنيا؛ فالآخرة بانتظارك لن يفيدكِ الهروب ولا حتّى اللجوء!

عبير يا عزيزتي دعيكِ من وهم التحرر والانفتاح فالفطرةُ التي فطرنا الله عليها لم تكن إِلّا في صالحنا؛ فهناك ربٌّ مُطّلع على كُل صغيرةٍ وكبيرة ألا يكفيكِ أنّكِ في أسرةٍ يملؤها الأخلاق والتعفف عن الحرام وأن كُل هذا ينعكس على مشاعركم إيجاباً!.

-عُلا لا تحاولي أن تثنيني بأفكاركِ المتخلّفة، وقراري هذا قطعي لا محالة في تغييره.

غير ذلك، عن ماذا تتحدثين!

عن التعفف عن الحرام! 

أنتِ أعلم منّي بوضعنا نأكلُ الخُضروات مرّة في الأسبوع وطيلة الأسبوع نستلزمُ بالعدس!

على غِرار ماتتحدثين عنه، فأنا أكره الرِجال ولا أرى حاجة في تواجدهم في حياتي، لا أريد الزواج ولا الإنجاب فكلّها مسؤولياتٌ مفروضة وكأنّه لا حياة إِلّا بهم، وإن كنتِ تتحدثين عن الرغبة وما إلى ذلك سأجدُ لي فتاة مثلي بنفس فِكرِي أُحبّها وتحبني.


-استغفر الله العظيم وأتوبُ إليه اللهم يا مثبّتَ القلوب ثبّت قلوبنا على دينك، تودّين الخروج عن فطرة الله!، وكأنّ ليس هناك لا حسابٌ ولاعقاب!، وكأنّ الله غافلٌ عن كُل هذا!

عبير اتقّي الله وعودي إليه فبابه لا يُغلق، أرجوكِ فإنّكِ غالية غاليةٌ وعزيزة، لا تؤلمي قلبي عليكِ!

أين لينُ قلبكِ الذي عهدّته وأين طموحكِ في أن تضعي البصمة في المُجتمع أين؟

واللهِ ماعرفتكِ!

-وما الله يا عُلا وماهو دينكم الذي تزعمونه؟

وماهي سُنّتكم التي تتحدثون عنها طيلة الحياة!

الحياة مرّة يا عزيزتي ولن نعيشها مُرَّة، وكُلّها مالٌ ونقودٌ وملذَّات، وما تعتقدونه وتمضون على إِثْرِه ماهي إلّا من اختراعات البشر، اعْذُريني فأنتم تعيشون في تخلّف ورجعية، عقولكم لا تعي ما يدور في العالم من تطورٍ وتقدمٍ وحداثة، وأنتم لا زِلْتُم تثرثرون عن المرأة وعورتها وأنّ الدين هو الإسلام والشريعة والمنهجية الصحيحة في الكون.

أصنعَ لكم الدين شيء؟

ضعي في وجه المقارنة الدول المتقدمة وما تزدهر به من صناعات عظيمة، ودُوَلكم العربية المسلمة المتخلّفة كُلّها من سيءٍ إلى اسوأ، تسودها الحروب والمجاعات وكُل آفةٍ عظيمة.


مافعلتهُ النَسَوية وأفكار التحرر الواهِية والشذوذ، كُلّه من أجل عِداءِ الإسلام والتصدّي لِكُلِّ فِكرٍ سليم ينشأ عليه المرء المُسلم في مجتمعٍ محافظ ماشٍ على فطرتهِ السويّة، فكُلّ الفئات التي تحاول أن تستهدفها هذه المُنظمات الضّالة هُمُ المستضعفين والمستضعفات من أبناء الأُسَر المُلتزِمَة التي نشأت على الروابِط الإسلامية القوية؛ فكانت عبير حُسين الحجازيّة لُقمةً سائغة وشهيّة لمثلِ هذه الأفكارِ وإن لم تَكن كُلّها.


عُلا فتاةٌ ذات عقلٍ راجحٍ وفِطرةٍ سليمة، كانت على علاقة أخويّة مع عبير، تغمرها المحبّة والخوفَ من الله على مدار تسعة أعوامٍ، وفي العام العاشِر تشتتَ ذهنُ عبير وهوتْ نفسُها نحو ملذّاتِ الحياة والدعوة إلى التحرر صادتها مكائدُ الشياطين من الإنْس إلى هذه الطريق ووعودهم الكاذِبة بالعيش الرغيد، وكان السبب الرئيسي في انطلاقها نحو هذه الثقافة المغلوطة والمُصيبة الفادِحة الناشطة في مجال تحرر المرأة في مصر "هُدى الشعراوي" ومقالاتها التي تسعى فيها إلى المساواة بين الرجل والمرأة، والتحيز الجنسي، وإعادة تعريف دور المرأة في المجتمع؛ شيئاً فشيئاً دخلوا إلى عُمق الدين والتشكيك في عدل القرآن للمرأة من حقوق وواجبات، وأيضاً بسبب ماتَمّ كتابته في كتابٍ لِجمال البنا 《المرأة المُسلمة بين تحرير القُرآن وتقييد الفقهاء》.

خلال الثلاث سنوات التي مضت وبعد أن انقطع التواصل بينهنّ دارَ حِوارٌ عابر يحملُ في طيّاتهِ الكثيرُ من الندمِ والحسرة، والإدراكَ أن شتات الروح لا يُمكن أن يجمعه سوى خالقُ الروح فهو أعلمُ بها.

عُلا لعبير:

تعلمين جيداً أن في التحرر الذي تزعمينه قتلٌ لأنوثتكِ وتحمّلكِ مسؤولياتٍ لا يستطيع حملها سوى الرجال، الأمرُ مهلكةً في الدُنيا والآخرة.عبير:

لا أُخفيكِ سِرّاً يا عُلا فقد تحدثتُ مع والديَّ بعد كُل رسائل التهديد التي تلقيتها منهم عُدتُ وأخبرتهم أنّي نادمة أشدَّ الندم، كادت روحي أن تهفو في لسعاتِ جحيم هذه الأفكار.

أتعرفين، ما إن أخبرتهم إلّا واستفاضت عبراتُهم سُروراً وفرحاً، لم أكن أعلم أنّي بهذه القيمة لم أعلم أنّ الذكريات تُشجي، لم أعلم أن أصوات المآذن حين تعلو تُثيرُ في قلبي شيئاً دفنته بيديّ.

عُدتُ يا عُلا ورجوتُ من الله المغْفِرَة.


-

" في خبرٍ مفاجئٍ أعلنت السّلطات الكندية انتحار اللاجئة “عبير الحجازيّة" البالغة من العمر ٢٨ عامًا، والّتي لم يمضِ على لجوئها وهروبها من “مصر“ سوى الثلاث سنوات، فبعد أن تلقّت السلطات الأمنية بلاغًا عن وجود رائحة تنبعث من شقّة رقم “612“ وبعد زيارتهم للمكان وجدوا جثة متعفنة وبجوارها رسالة بخط يد مكتوبٌ عليها “تعبت لم يعد للحياة قيمة، انتهى الدور“.ليتأكد فيما بعد أن الرسالة لعبير، باشرت اللجنة الأمنية التحقيق، لتعلن انتحار “عبير الحجازية“ دون إضافة تفاصيل آخرى!


ومن الجدير بالذكر أن عبير كانت قد طلبت اللجوء إلى كندا بعد تلاقيها مضايقات من الحكومة المصرية، بسبب مخالفتها للنظام العام في بلادها، وإعلان شذودها، ثم إلحادها نهاية الأمر، ومن قبل قال المصدر نفسه أنّ المفوضيّة طلبت من تايلاند اعتبار “عبير حسين الحجازية“ لاجئة، وأن “وزارة الداخليّة ستنتظر الطلب بالشكل المعتاد، كما تفعل مع كل طلبات المفوضيّة”.


وتولّت المفوضيّة مسؤوليّة الفتاة في العاصمة التايلانديّة بعدما زعمت بأن أسرتها تهددها بالقتل، قبل ترحيلها إلى كندا مكان لجوئها الدائم، ليعلن اليوم انتحارها! ونهاية قصتها… "


فالنفسُ التي تسعى نحو ملذّات الحياة وتُرّاهات العيش -التي يستوردها الغرب وأعداءَ الإسلام نحونا-، ويعيش الفرد بعيداً عن الله ويسمح لكُل دخيل بالتأثير السلبي لأفكارهم، والإستيلاء على ضعيفيّ النفوس، والجديرُ بالذكرِ هُنا أن السلطات المحلّية الكندية دعمتْ عبير وكانت لها جداراً منيعاً مِمّن كانت تظنُّ أنّهم غير مؤهلين لعيش حياة هانئة؛ فبعد أن قدّمت طلب اللجوء وتوّلت أمرها العاصمة التايلاندية عاشت وحيدة فقدت أمان الأُسرة وألحدت بوجود الله، فمن ذا يكون لها أن تلجأ إليه فلا أمان ولا لجوء من كُل سوءٍ إلّا لله.


بعد أن انتهتْ من قراءةِ الخَبر 

أغلقتْ هاتفها والدمع تتساقطُ كأنّها حبّاتُ بَرَد وقالت: 

تُطارديني بطيفكِ وضحكاتكِ وأيامٍ عصيّة عليَّ نسيانها 

غفرَ الله لكِ.


- بعد مُدّة كشفتْ عُلا صديقةُ عبير جزء من المحادثات التي دارت بينهما، كانت على أملٍ كبير أن تعود صديقتها لِرُشدها ومتلهفَةٌ لرؤيتها في أرض الوطن؛ ولكن قدّرَ الله ما شاء فعل، حُكمُ الله فاللهمَّ لا اعتراض.

بِلسانِ عُلا:

لكنّ المُثير في القصة أن عبير في لحظاتها الأخيرة حين حدثتني قبل يوم إعلان السُلطات انتحراها، أنها أخبرتني بأن قرارها جدّاً متسرع حتى أنها بدأت في الرجوع عن ماقد اتخذته سابقاً دون وعي وقد أرسلت بطلبٍ آخر للمفوضية تودّ فيه العودة إلى مصر وإكمال حياتها هُناك فهي بلدها الأم بجوار أسرتها لأن قرارها كان خاطئاً منذُ البداية.

لاشكَّ لديّ أن السلطات أحسّت بأن عودتها عن ماقد قدمته إليهم يُشكّل خطراً وصوتٌ دويٌّ في حقِّ كُلّ قانونٍ يدعموه.

فالمُلابسات هُنا أيضاً، أنه من الممكن أنّ عبير لم تنتحر ولكنّها جريمة مُدبّرة من قبل الحكومة الكندية أو التايلاندية من أجل اخفاء صوت الحق التي كادت أن تعلنه بعد ثلاث سنوات من اللجوء لغير الله..



#اِنتهاج4

#اصنع_قصة


Report Page