#مقاطعة_المنتجات_الفرنسية

#مقاطعة_المنتجات_الفرنسية

مجلة بلاغ الشهرية - العدد 19 - جمادى الأولى 1442هـ


الشيخ: أبو اليقظان محمد ناجي


      في الخامس من شهر ربيع الأول 1442 انطلقت في العالم الإسلامي دعوات شعبية لمقاطعة المنتجات الفرنسية ردًا على نشر رسوم مسيئة لسيد الخلق وحبيب الحق محمد صلى الله عليه وسلم وتبني الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لهذه الأفعال المشينة خاصةً بعد مقتل المدرس الصليبي صامويل باتي؛ بل صرح ماكرون بعداوته للإسلام قائلًا عن هذه الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم: "لن نتخلى عن الرسوم والكاريكاتير وإن تقهقر البعض"، وقال: "الإسلام دين يعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم، سننشئ دينا إسلاميا تنويريا، وسندرب جميع أئمة مساجد فرنسا على هذا الدين، وسنمنع تعليم العائلات لأطفالهم، وسنجبر المساجد على قانون 1905 بفصل الدين عن الدولة، لقد أظهر التشدد الإسلامي رغبة لا تفتر لانتهاك قوانين الجمهورية، لتشجيع قيم أخرى ولتنظيم مجتمع آخر ضمن المجتمع الفرنسي".


لم ينتهِ الموقف الرسمي الفرنسي عند هذا الحد حتى بدأت الحكومة الفرنسية حُزمةً من الإجراءات في حربها للإسلام والتضييق على مسلمي فرنسا مُتبنيةً خطابين متغايرين تمامًا؛ ففي الوقت الذي يقمع فيه وزير الداخلية الفرنسي المتصابي -صاحب قضايا الاغتصاب- جيرالد دارمانان المسلمين في فرنسا، كان العجوز السياسي جان إيف لودريان وزير الخارجية يجوب البلدان الإسلامية ويتواصل مع حكوماتها ليخفف من مفعول المقاطعة، وصدق الكبير المتعال: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:118].


وإزاء هذا الحدث التاريخي لنا وقفات:

أولا: جواز التعامل مع الكفار:

الأصل جواز معاملة الكفار بالبيع والشراء سواء كانوا أهل ذمّة أو عهد أو حرب إلا بيع ما يستعين به أهل الحرب على المسلمين لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، وعن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما، قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بيعا أم عطية؟ -أو قال: أم هبة-"، قال: لا، بل بيع، فاشترى منه شاة) وقد بوّب البخاري رحمه الله على هذا الحديث في صحيحه: "باب الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب" [صحيح البخاري]، وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: (توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي، بثلاثين صاعا من شعير) [رواه البخاري]، قال النووي رحمه الله: "وقد أجمع المسلمون على جواز معاملة أهل الذمة وغيرهم من الكفار إذا لم يتحقق تحريم ما معه، لكن لا يجوز للمسلم أن يبيع أهل الحرب سلاحا وآلة حرب" [شرح النووي على صحيح مسلم].


ثانيا: مشروعية المقاطعة:

الضرر الاقتصادي بالأعداء أحد طرق الجهاد المشروع، فقد هاجم النبيُ صلى الله عليه وسلم قوافل قريش التجارية، وجهز السرايا والبعوث لقطع طريقهم التجاري، وخرج بنفسه صلى الله عليه وسلم في غزوة الأبواء وبواط والعشيرة وبدر لإعلان الحرب الاقتصادية على قريش، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم الحرب الاقتصادية التي شنها أبو بصير وأبو جندل رضي الله عنهما من سيف البحر على قوافل قريش، بل دعا صلى الله عليه وسلم على قريش فقال: (اللهم اكفنيهم بسبع كسبع يوسف) [رواه البخاري]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم، وألسنتكم) [رواه أحمد بسند صحيح]، وقاطع الصحابي الجليل ثمامة بن أثال رضي الله عنه المشركين حميةً لله ورسوله فقال: "ولا والله، لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم". [رواه مسلم]، وزاد ابن هشام: "فانصرف إلى بلاده ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يُخَلّي إليهم حمل الطعام، ففعل" [السيرة النبوية لابن هشام].


قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وسئل ابن القاسم عن النصراني يوصي بشيء يباع من ملكه للكنيسة: هل يجوز لمسلم شراؤه؟ فقال: لا يحل ذلك له؛ لأنه تعظيم لشعائرهم وشرائعهم ومشتريه مسلم سوء....

سئل أبو عبد الله رحمه الله عن نصارى، وقفوا ضيعة للبيعة: أيستأجرها الرجل المسلم منهم؟ فقال: لا يأخذها بشيء، لا يعينهم على ما هم فيه". [اقتضاء الصراط المستقيم].

 

*فكيف بمن يُعين حكومةً كافرة حاربت الإسلام وناصبت المسلمين المستضعفين فيها العداء؟!

*كيف بمن يشتري منتجات دولة محاربة لينقذ اقتصادها من الانهيار مع توفر نفس هذه البضائع بل أفضل منها وبأسعار مثيلة لها؟!

*كيف بمن يشتري ممن يسب نبيه صلى الله عليه وسلم كماليات حياتية يمكنه الاستغناء عنها؟!


اعلم -رحمني الله وإياك- أن المقاطعة الاقتصادية لدولة فرنسا الكافرة المحاربة لله رسوله بيعًا وشراءً عملٌ مشروعٌ؛ وذلك بمنع تصدير مواد خام لهم أو استيراد منتجاتهم؛ فهذه المقاطعة تضر اقتصادهم، وتفقد حكومة ماكرون المعادية للإسلام شعبيتها في الشارع الفرنسي، وتعطي درسا قاسيا لغيرها من دول الكفر الحاقدة على الإسلام بما يضمن حقوق الأقليات المسلمة في تلك الدول.

وهذا مطلب شرعي كنا نأمل أن تقوم به حكومات 57 دولة مسلمة، ولكن والحال هو خذلان هذه الحكومات لنصرة نبينا صلى الله عليه وسلم فإن لمليار وسبعمائة ألف مسلم كلمتهم التي هزت عروش فرنسا حيث صدرت الفتاوى والبيانات وعُقدت الندوات والمؤتمرات ونُظِّمت المسيرات والمظاهرات وتصدر هاشتاج ( #مقاطعة_المنتجات_الفرنسية ) الإعلام العربي والإسلامي، ولن يستطيع أحدٌ أن يحرم هذه الأمة خيريتها؛ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110].

فما الدَّنمــــــــــرْك وفرنسا إلا حطامٌ أو ركـــــــــــامٌ أو زجــاجُ.

فأمتنا لكل الخــــــــــــــــلق نورٌ وحتى ليل أمتنا ســـــــــــــراجُ.

وأمتنا بعون الله عُلــــــــــــــــيا وأمتنا لأمتكم عـِـــــــــــــلاجُ.


ثالثا: إنه الحبيب يا محب:

- في غضون شهرين من #مقاطعة_المنتجات_الفرنسية شعر المسلمون بانتقامهم لحبيبهم صلى الله عليه وسلم وتربى هذا الجيل على حب الحبيب صلى الله عليه وسلم ونصرته وإن خذله الحكام والمتعالمون وقللوا من فاعلية المقاطعة ونجاحها.

- في غضون شهرين من #مقاطعة_المنتجات_الفرنسية اختفت كثيرٌ من البضائع الفرنسية من أسواق المسلمين وحلت محلها منتجات أخرى ورفع التجار المسلمون شعار: "بئست صفقة اليمين مع شاتم سيد المرسلين".

- في غضون شهرين من #مقاطعة_المنتجات_الفرنسية أعلنت فرنسا تراجع اقتصادها بنسبة 12 %، وتراجعت نسب أرباح الشركات الفرنسية العملاقة وسرحت الآلاف من موظفيها وخفضت نسبة انتاجها.

- في غضون شهرين من #مقاطعة_المنتجات_الفرنسية اندلعت المظاهرات في مدن فرنسا وتراجعت شعبية حكومة ماكرون بما يؤذن بأُفولها من قصر الإليزيه في الانتخابات المقبلة؛ {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} [التوبة: 14-15].

هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء.

هجوت محمدا برا تقيا رسول الله شيمته الوفاء.

فإن أبي ووالده وعرضي  لعرض محمد منكم وقاء.

ثكلت بنيتي إن لم تروها  تثير النقع من كنفي كداء.

وجبريل رسول الله فينا وروح القدس ليس له كفاء.


وصدق الله ومن أصدق من الله قيلا، ومن أصدق من الله حديثا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} [الأنفال: 64]، {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]، {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} [التوبة: 40]، {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4].

صلى عليك الله يا نور الـــــــهـــدى مـــــا دارت الأفلاكُ والأجــــــرامُ.

صلى عليكَ الله يا خيرَ الــــــــــورى مـــــا مرت الساعاتُ والأيــــــــامُ.




هنا بقية مقالات العدد التاسع عشر من مجلة بلاغ – جمادى الأولى 1442هـ

Report Page