معركة التغيير والأخطاء القاتلة 15- طغيان العقلية البراغماتية

معركة التغيير والأخطاء القاتلة 15- طغيان العقلية البراغماتية

مجلة بلاغ - العدد 20 - جمادى الآخرة 1442



الدكتور: أبو عبد الله الشامي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد؛

فمع بروز وطغيان النجم الأمريكي في الساحة الدولية بعد سقوط الملك العثماني والحربين العالميتين وما تلاهما، برز وساد المذهب "الأمريكي البراغماتي" كمذهب فلسفي سياسي واجتماعي، يقوم على جعل المنفعة والفائدة العملية معيارًا للتقدم بغض النظر عن المحتوى العقائدي أو الفكري أو الأخلاقي، أي: أن كل ما يحقق المنفعة والفائدة للإنسان هو "الحق"، وكل ما عداه "باطل".

* والبراغماتية في حقيقتها ليست إلا ثمرة شجرة خبيثة تشكلت بذرتها من تلاقح الداروينية والميكافيللية على يد "تشارلس بيرس" 1839 – 1914م، ثم "وليم جيمس" 1842 – 1910م، لتزدهر بعدها وتنتشر وتشكل طابعًا مميزًا على يد "جون ديوي" 1856 – 1952م.

* وبناءً على ما سبق: فالبراغماتية تتناقض مع السياسة الشرعية المرتكزة على توحيد الله وحاكمية الشريعة، وفقه الواقع وتقوى الله، والهادفة لحراسة الدين وسياسة الدنيا به، يقول ابن تيمية رحمه الله: "فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانًا مبينًا، ولم ينفعهم ما نَعِموا به في الدنيا، وإصلاح ما لا يقوم الدِّين إلا به من أمر دنياهم".

ويقول أيضًا: "جميع الولايات في الإسلام مقصدها أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا؛ فإنَّ الله تعالى إنما خلق الخلق لذلك، وبه أنزل الكتب وبه أرسل الرسل، وعليه جاهد الرسول والمؤمنون" انتهى كلامه.

* هذا وإن المتأمل لمسيرة جماعات الإسلام الحركي عامة، وجماعات العمل السياسي خاصة؛ يجد أن الواقع الجبري وإفرازاته من ناحية، وطغيان البراغماتية من ناحية ثانية، جعل بعضها يتماشى مع البراغماتية، لا بل ويقدمها ويتعامل بها - بنوع من التأولات الفاسدة - على حساب السياسة الشرعية، ولذلك فإن قليلًا من التأمل في مواقف هذه الجماعات وسلوكها، يجعلك تدرك حجم التناقضات القائمة بين المبادئ والشعارات والدعاوى من ناحية، وبين المواقف والحقائق والوقائع من ناحية ثانية، والأزرى أن تتناقض مواقف هذه الجماعات من قضية واحدة لاعتبارات وظيفية تتعلق بالمصالح المتوهمة المتعلقة بالأوطان والأحلاف وغيرها.

* وبناءً على ما سبق يتضح الآتي:

1 - البراغماتية مذهب فلسفي سياسي واجتماعي يقوم على جعل المنفعة والفائدة العملية معيارًا للتقدم، بغض النظر عن المحتوى العقائدي أو الفكري أو الأخلاقي، وهي ثمرة شجرة خبيثة تشكلت بذرتها من تلاقح الداروينية والميكافيللية.

2 - السياسة الشرعية ترتكز على توحيد الله وحاكمية الشريعة وفقه الواقع وتقوى الله، وتهدف لحراسة الدين وسياسة الدنيا به.

3 - طغيان البراغماتية في المشهد السياسي الدولي؛ جعل بعض الجماعات تتماشى معها، بل وتتعامل بها بتأولات فاسدة، وقليل من التأمل في مواقف هذه الجماعات وسلوكها يجعلك تدرك حجم التناقضات القائمة بين الشعارات والدعاوى وبين الحقائق والوقائع.

4 - الدين والشرع عند العقلية البراغماتية لا يعدو كونه وسيلة يتم من خلالها تحقيق المنافع والمصالح، ولذلك فالتناقض والاضطراب وعدم الاطراد والتلون، هو ما يحكم أطروحات أصحاب هذه العقلية، بخلاف العقلية الراشدة التي تجعل الدين والشرع حاكمًا لتصوراتها وسلوكها، فينعكس ذلك ثباتًا واتزانًا واطرادًا دون ادعاء عصمة، قال حذيفة رضي الله عنه: "اعلم أن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر وأن تنكر ما كنت تعرف، وإياك والتلون في دين الله تعالى، فإن دين الله واحد".

والحمد لله رب العالمين.



هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد 20 جمادى الآخرة 1442 هـ

Report Page