فضل شهر شوال

فضل شهر شوال

مجلة بلاغ- العدد الثاني عشر- شوال ١٤٤١


الشيخ: همام أبو عبد الله


ها قد جدَّ الصالحون في رمضان واجتهدوا وتزودوا بالتقوى لما بقي من مسيرهم فاستقبلوا شهر شوال وقد عزموا على أن يشكروا الله تعالى على نعمه فيكملوا المسير، وألا يكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا..

نُصب أعينهم أداء الفرائض، واجتناب النواهي، والتزود من الفضائل، واغتنام وظائف الأيام والشهور، فلله جل وعلا نفحات تتابع ومواسم خير تتوالى، ومن أول تلك النفحات التي يقبلون عليها بعد رمضان هي وظائف شهر شوال وفضائله، ومن ذلك:


1- الفرح بإتمام نعمة صيام رمضان وأداء ما وفق الله العبد فيه من طاعات:

قال جل وعلا: (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، وقال صلى الله عليه وسلم: «للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه»، قال في البحر المحيط الثجاج: "يعني أنه يفرح وقتَ إفطاره بالخروج عن عُهدة المأمور، أو بوجدان التوفيق لإتمام الصوم، أو بخلوص الصوم وسلامته من المفسدات من الرفث واللغو، أو بما يرجوه من حصول الثواب، أو بالأكل والشرب بعد الجوع والعطش".


2- إخراج زكاة الفطر:

يجب إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد؛ فقد «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين»، وهي واجبة عن الصغير والكبير والذكر والأنثى من المسلمين إن كانوا أو من يلزمهم نفقتهم يملكون ما يزيد عن قوت يومهم، ومقدارها صاع من الطعام من غالب قوت البلد كالتمر والقمح والأرز..، والصاع يعادل ملء كفي الرجل المعتدلتين أربع مرات، وتُخرج قبل صلاة عيد الفطر ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين.


3- آداب العيد:

من رحمة الله جل وعلا أن جعل عيد الفطر عقب شهر رمضان موسما لشكر النعمة وإظهار الرضا والغبطة بشعائر الإسلام، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيد وبهجته: «لتَعْلَم يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ».


ومن آداب العيد: 

- تكبير الله جل وعلا من مغرب ليلة العيد حتى صلاة العيد، قال تعالى في آية الصوم: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، قال السعدي في تفسيره: "(وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) وهذا والله أعلم لئلا يتوهم متوهم أن صيام رمضان يحصل المقصود منه ببعضه، دفع هذا الوهم بالأمر بتكميل عدته، ويشكر الله تعالى عند إتمامه على توفيقه وتسهيله وتبيينه لعباده، وبالتكبير عند انقضائه، ويدخل في ذلك التكبير عند رؤية هلال شوال".

والأمر في صيغ التكبير واسع وكان بعض الصحابة يقول: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد"، و"الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا"، و"الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر وأجلّ، الله أكبر ولله الحمد"..


- يتجمل الرجل للخروج لصلاة العيد، وهذا التجمل يشمل نظافة البدن والثوب والريح..، فقد وجد عمر رضي الله عنه حُلة تباع في السوق، فأتى بها للنبي صلى الله عليه وسلم وقال له: «يَا رَسُولَ اللهِ، ابْتَعْ هَذِهِ الحُلَّةَ، فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَلِلْوُفُودِ»، قال ابن الملقن في التوضيح: "من السنة المعروفة التجمل للوفد والعيد بحسن الثياب؛ لأن فيه جمالًا للإسلام وأهله وإرهابًا للعدو وتعظيمًا للمسلمين".


- من السنة الإفطار قبل الخروج لصلاة عيد الفطر، فقد كان صلى الله عليه وسلم «لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ»، ويسن الذهاب لمصلى العيد من طريق والعودة من طريق آخر، ومصلى العيد هو مكان في الفضاء أو الصحراء قريب من البلد يجتمع فيه الناس لصلاة العيد، قال علي رضي الله عنه: «مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى العِيدِ مَاشِيًا»، و«كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ»، قال ابن قدامة: "وَلَمْ يُنْقَلُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى الْعِيدَ بِمَسْجِدِهِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَلِأَنَّ هَذَا إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنَّ النَّاسَ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ يَخْرُجُونَ إلَى الْمُصَلَّى فَيُصَلُّونَ الْعِيدَ فِي الْمُصَلَّى، مَعَ سَعَةِ الْمَسْجِدِ وَضِيقِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي الْمُصَلَّى مَعَ شَرَفِ مَسْجِدِهِ، وَصَلَاةُ النَّفْلِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ شَرَفِهِ".


وتشهد النساء والأطفال صلاة العيد، فعن أم عطية رضي الله عنها، قالت: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى؛ الْعَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ، وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ».


- وتشرع صلاة العيد، وهي ركعتان يكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات وفي الركعة الثانية خمس ركعات، لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة، وفي الآخرة خمسا قبل القراءة»، وللعيد خطبة بعد الصلاة يسن حضورها، قال ابن قدامة في المغني عن خطبة العيد: "وَإِنَّمَا أُخِّرَتْ عَنْ الصَّلَاةِ وَاللهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ جُعِلَتْ فِي وَقْتٍ يَتَمَكَّنُ مَنْ أَرَادَ تَرْكَهَا مِنْ تَرْكِهَا، بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَالِاسْتِمَاعُ لَهَا أَفْضَلُ".


- ومن لم يحضر صلاة العيد مع جماعة المسلمين فله أن يصليها مع أهل بيته أو وحده، قال البخاري: "بَابٌ: إِذَا فَاتَهُ العِيدُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ وَمَنْ كَانَ فِي البُيُوتِ وَالقُرَى؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ» وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلاَهُمْ ابْنَ أَبِي عُتْبَةَ بِالزَّاوِيَةِ فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ وَصَلَّى كَصَلاَةِ أَهْلِ المِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَهْلُ السَّوَادِ يَجْتَمِعُونَ فِي العِيدِ، يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا فَاتَهُ العِيدُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ".


- ويشرع في العيد اللعب والتوسعة على الأهل والأطفال بالمعروف، فقد «قَدمَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم المدينة وَلهُم يَوْمان يَلْعبُون فيهما، فقَالَ: قَدْ أَبْدلَكمُ الله بِهِمَا خَيْراً منهما: يومَ الأضحْى ويوْمَ الْفِطْر». وعن عائشة رضي الله عنها: «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنى تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ»، وقالت عائشة رضي الله عنها: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِدِ فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُمْ، أَمْنًا بَنِي أَرْفِدَةَ».


4- الصيام في شوال:

يحرم في شهر شوال صوم يوم العيد، فقد «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ»، ويشرع فيه صوم ستة أيام من شوال، لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»، والأولى لمن عليه قضاء ويمكنه أن يأتي به وبالسِّت من شوال أن يبدأ بالقضاء ثم بالست من شوال، فإن أراد صيام الست من شوال وتأخير القضاء إلى قبل رمضان القادم فلا حرج؛ لأن من قضى رمضان في ذي الحجة أو رجب أو شعبان لا يقال له إنه صام ذي الحجة ورجب وشعبان بل هو صام رمضان، ومما يستأنس به في ذلك أن عائشة رضي الله عنها كانت تقضي رمضان أحيانا في شعبان، ومعلوم أنه يُسن قبل شعبان صوم ست من شوال ويوم عرفة ويوم عاشوراء وغير ذلك.


5- شوال من أشهر الحج:

الحج ركن من أركان الإسلام له أوقات معلومة يبتدئ فيها الحجيج حجهم ويشرعون فيها في مناسك الحج، قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ)، وقال جل وعلا: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)، قال البخاري: "وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَشْهُرُ الحَجِّ؛ شَوَّالٌ، وَذُو القَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الحَجَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: مِنَ السُّنَّةِ: أَنْ لاَ يُحْرِمَ بِالحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الحَجِّ"، فشهر شوال هو أول أشهر الحج المعلومات.


6- الزواج في شوال:

في صحيح مسلم أن عائشة رضي الله عنها، قالت: «تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده مني..، وكانت عائشة تستحب أن تُدخل نساءها في شوال»، فقد كان أهل الجاهلية يتطيرون بالزواج في شهر شوال فبينت عائشة رضي الله عنها بطلان عقائد الجاهلية وكانت تستحب أن تخالف النساءُ عقائد الجاهلية فتتزوجن في شوال..، وبما أن الأعياد أيام لعب وسرور وتوسعة، فالزواج فيها يدخل في التوسعة.


7- قضاء العبادات في شوال:

شوال أول شهر بعد رمضان، وقد حثت الشريعة على المبادرة للأعمال، فشوال أول وقت لقضاء العبادات التي فاتت في رمضان، ومن ذلك الصوم والاعتكاف؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي ترك صيام ما كان له سبب آخر شعبان: «إذا أفطرت فصم يومين»، أي إذا أفطرت بعد صوم رمضان فصم، فيبدأ قضاؤه في شوال، وكذلك الاعتكاف يمكن قضاؤه، وأول وقت للقضاء هو شوال، فقد قال البخاري: "باب الاعتكاف في شوال"، وذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ، وَإِذَا صَلَّى الغَدَاةَ دَخَلَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ أَنْ تَعْتَكِفَ، فَأَذِنَ لَهَا، فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً، فَسَمِعَتْ بِهَا حَفْصَةُ، فَضَرَبَتْ قُبَّةً، وَسَمِعَتْ زَيْنَبُ بِهَا، فَضَرَبَتْ قُبَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الغَدَاةِ أَبْصَرَ أَرْبَعَ قِبَابٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟، فَأُخْبِرَ خَبَرَهُنَّ، فَقَالَ: مَا حَمَلَهُنَّ عَلَى هَذَا؟ آلْبِرُّ؟ انْزِعُوهَا فَلاَ أَرَاهَا، فَنُزِعَتْ، فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ العَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ».


* أسأل الله أن يديم علينا ألطافه وأن يجعلنا أهلا لرحماته، والحمد لله رب العالمين.




هنا بقية مقالات العدد الثاني عشر من مجلة بلاغ


Report Page