ضياع | سما هيثم

ضياع | سما هيثم

-مشروع يقظة فكر.

كنتُ أجلس في صالة بيتنا أشرب كوب قهوتي، وأتصفح مواقع التواصل الإجتماعي، كنتُ أفتقدُ هذا السّلام الذاتي منذُ مدةٍ طويلة. 

جاءت أمي بعد زيارتها لـ جارتنا "أم سالم"، وعلى وجهها تعابير غريبة. 

بادرتُ بالسؤال: ما بكِ أماه؟ 

-عبير... قاطعتُها قائلًا: أرجوكِ أمي لست مستعدًا لسماع أيِّ شيءٍ عنها. 

-هشام عبير ماتت.. ماتت منتحرة وأخذت تبكي، في الحين الذي كان فيه وقع الخبر عليَّ كالصاعقة.. كنت أتساءل: ماذا حدث؟ لمَ فعلتِ هذا يا عبير؟ لماذا؟

خرجتُ أقود سيارتي بلا وجهة.. الغضب يملؤني.. ومشاعري متضاربة.

 مرّني شريط ذكرياتي معها.. أوقفني ذاك اليوم حينما بدأت رحلتها في الإبتعاد عن الله. 


- هشام قررتُ نزع الحجاب. 

- ماذا حدث لتخلعيه؟ 

- لستُ مقتنعة به.. إنه يقيد حريتي. 

- هذا ليس سببًا.. لم أقتنع. 

- أنا لا أستشيرك.. أنا أخبرك فحسب لأني اتخذت القرار مسبقًا. 

- لن يحدث. 

أخذنا الجدال وتخاصمنا بعدها لأسبوع تقريبًا. أبويها، إخوتها، أنا، ديننا.. جميعنا نرفض تصرفها الغير مبرر لكن عنادها كان أكبر منّا جميعًا.. 

في نهاية المطاف قررت أن تبقي عليه لكنه كان من ذاك النوع الذي" يكشف أكثر مما يستر"، تغاضيتُ عن ذلك وتابعنا تجهيزات زواجنا كما يفعل أيُّ اثنين مقبلين على الزواج. 

قبل الزفاف بثلاثة أشهر خرجنا معًا لاستكمال شراء بعض الأشياء، بعدها قررنا أن تناول الغداء سويًا... بدأنا حديثتا: 

- هشام أودُّ إخبارك بشيء عاجل. 

- تكلمي. 

- أنا لم أعُد أصلي، ولا ألمس المصحف، وأرى أننا يجب أن ننظر في حقوق المثليين... 

- قاطعتها: على رسلكِ يا فتاة.. أتعين ما تقولينه؟هذا ضرب من الجنون.

- أنا لم أنتهِ... أنا الآن لا أعترف بالدين ولا أؤمن به، لا أؤمن بالخالق لعدم وجود دليل مادي يثبت وجوده. 

- هل تقولين أنكِ ألحدتِ؟ 

- نعم.

- أعوذ باللهِ.. ماذا أصاب عقلكِ؟ هل جننتِ؟ 

- بالطبع لا.. هذا هو الصواب. 

أتذكر أن كل ما بيَّ تجمد من هول الصدمة. 

حينما وصلتُ المنزل صليتُ ركعتين كنتُ أبكي خوفًا من إنقلاب الدين سألتُ الله أن يحفظ لي ديني ويجنبني فتن الزمان. 

دعوتُ أيضًا لعبير تمنيت لو أنها مزحة.. لكنّ مثل هذه الأمور لا يُمزح بها. 

بعد يومين اثنين تأكدتُ أن الأمر لم يكن مزحة بعدما أعلنت الخبر لعائلتها ولكل من يعرفها وقتها.

أقسم أنني حاولتُ معها بكل ما أوتيتُ، أعطيتها مئات الأدلة على وجود الله، لكنها لم تستجب.

حينها فقط أدركتُ أن "إقناع مرتد بوجود الله"أصعب بكثير من"إقناع كافر".

حينما لم تقتنع، وبدأت تنشر أفكارها السامة في وسط الشباب قررت الإنفصال عنها كليًا، فأنا كمسلم لا يجوز لي الزواج من" ملحدة". 

بعدها بشهرين شخصٌ ما أبلغ عن نشاطها المخالف لكل فطرة وعُرف، فبدأت السلطات تراقب تحركاتها، حتى ضاق بها الحال هنا وقررت الإتجاه لأوروبا.

استيقظَت يومها عائلة" أبو سالم" فلم يجدوها، بحثوا عنها في كل مكان ولكن ما من جدوى، حينها أقسم عمي "أبو سالم" بقتلها مهما كلّف الأمر. 

بعد أسبوع من إختفائها ارسلت لهم بريدًا تخبرهم أنها هاجرت لأوروبا. 

سمعتُ فيما بعد أنها استقرت بكندا لتكمل دراستها الجامعية.

قبل أسبوعين ارسلت لي رسائل على البريد، لكني لم أفتحها أصلًا وحذفتها قبل قرائتها.

لستُ أندم أبدًا على فعل ذلك، لأنها هي التي رمت بنفسها في غابة الغرب، بين الوحوش البشرية. 


عدتُ للمنزل، أستطعتُ أن أقرأ ملامح القلق بوجه أمي، احتضنتيني، وقتها بكيتُ.. بكيتُ كل خيباتي التي كانت تفجرها الحياة في وجهي، و آخرها خيبة "عبير". 

مهما ازداد طولي وكنتُ رجلًا احتضن أمي وأعود طفلًا. 

- سألت: لمَ انتحرت؟

- يقال أن الجيران اشتموا رائحة تعفن تصدر من الشقة حاولوا التواصل معها لكن ما من مجيب، فاقتحموا الشقة، و.. 

- وجدوها وقد بدأت بالتعفن؟ 

- نعم، وبجانبها رسالة مضمونها أن الحياة سيئة، وأنها كرهت تواجدها هنا وقد خلّصت نفسها من العناء. 

- هي من وضعت نفسها في هذا العناء، هي التي ابتعدت عن الله فابتعدت السعادة عنها، لا أفهم كيف لهؤلاء الإقتناع بهذه الأفكار.

- ادعُ لها بالرحمة يا هشام. 

- لم أجبْ شيءٌ ما يمنعني من الدعاء لها. 


حين نبدأ في الإبتعاد عن الله ﷻ تبدأ كل الطرقات السعيدة بالإبتعاد، وتتفتح في المقابل أبواب من التعاسة والجحيم. 

ما نحن بلا دين إلا كجسد بلا روح.

كيف يطمئن أولئك الذين لا يملكون دينًا لحيواتهم.. لقراراتهم.. كيف يواجهون صعاب الأيام بدون الله؟ 

ثم كيف يملكون الجرأة التي تسمح لهم بقتل أنفسهم؟ 

أظن أننا صرنا نعيش في مجتمع فاق المجتمع الجاهلي جهلًا. 



#انتهاج4 

#اصنع_قصة

Report Page