روسيا ومصر – جنبا إلى جنب عبر السنوات
مقال سفير روسيا الاتحادية في جمهورية مصر العربية جيورجي بوريسينكو لجريدة "الاهرام" بمناسبة الذكرى 79 للعلاقات الروسية المصرية الدبلوماسية.
منذ العصور القديمة انجذب شعبان لبعضهما البعض. إن أرض الأهرامات السحري الذي وفقا للكاتب المصري المشهور نجيب محفوظ امتص تراث "حضارتي الإسلام والفراعنة" دائما اجتذب سكان روسيا. وفي 26 من أغسطس نحتفل ب79 سنة منذ الإقامة الرسمية للعلاقات الدبلوماسية بين بلدينا.
إن هذا الحدث العظيم له معنى رمزي لأنه حصل في ذروة الحرب العالمية الثانية عندما اتحد العالم بأجمعه لمقاومة تهديد الاستعباد والإبادة الذي شكله النازيون. في تلك الفترة الصعبة نظم الاتحاد السوفياتي على الأراضي المصرية بالضبط نقطة العبور لأسراء الحرب السوفيت الذين عادوا إلى الوطن من أوروبا الغربية. إن بقاء جنودنا في مصر سبب في تشكيل تقاليد الصداقة بين شعبينا التي لا تزال موجودة.
شهد التعاون الثنائي الروسي المصري فجره في النصف الثاني للقرن العشرين بعد ثروة 23 من يوليو عام 1952 بقيادة جمال عبد الناصر. وأيدت موسكو بشدة تأميم قناة السويس. وحتى هدد الزعيم السوفياتي آنذاك نيكيتا خروتشوف بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بالسلاح النووي وحذرها من التدخل العسكري في مصر وقيام الانقلاب الحكومي في البلد الصديق لنا. بدوره تخلى الزعيم ناصر عن الانضمام إلى أي تحالف إقليمي برعاية الغرب.
في الستينيات من القرن العشرين أنشأ الخبراء السوفيت جنبا إلى جنب مع المصريين السد العالي الفريد في أسوان ومصنع حلوان للصلب والحديد ومنشآت البنية التحتية الأخرى التي ساهمت مساهمة كبيرة في تصنيع مصر وسمحت لها بالحصول على التقدم البارز في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وترسي في القرن 21 قاعدة ثابتة للحفاظ على ديناميات التعامل الروسي المصري العالية ولتعزيزها التالي اتفاقية الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي التي دخلت حيز التنفيذ في يناير عام 2021. وأصبح مشروعنا الضخم الحديث بناء المحطة النووية المصرية الأولى في الضبعة الذي يتم إنشاؤها بمشاركة شركة "روس آتوم" الحكومية. وفي يوليو العام الحالي جرت المراسم الرسمية لصبة الخرسانة في قاعدة المفاعل الأول من 4 مفاعلات المحطة. وإننا متأكدون من أن الأعمال ستجري طبقا لجدول زمني على الرغم من أي تعقيد الوضع الجيوسياسي.
وفقا للاتفاقيات التي تم الاتفاق عليها يجري إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية الخاصة لقناة السويس التي ستتيح الفرصة لتوفير فرصة العمل الإضافية للمصريين وستعزز الطاقة الصناعية والتصديرية لمصر. ويتم بالنجاح تنفيذ الصفقة الكبرى في تاريخ سكك حديد مصر لإمدادات 1300 عربة الركاب بشركة " ترانسماش هولدينج" الروسية. إن بلدنا متمسك بالكامل بالالتزامات المتفق عليها لتوفير مصر بالمنتجات الغذائية والسلع الأخرى.
ولدى روسيا ومصر مستوى الثقة السياسية والتنسيق العالي. إننا نتعاون بالنشاط على مسرح منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى. ويقوم بلدان بالاتصالات المكثفة على المستويات والاتجاهات المختلفة.
في مارس عام 2022 تم إجراء المكالمة الهاتفية العادية بين رئيسي البلدين. في يونيو شارك فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي عبر الفيديو كونفرانس سوية مع فخامة الرئيس فلاديمير بوتين في الدورة ال25 لمنتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي التي شاركت مصر كالدولة الضيفة.
وقام وزيري الخارجية بالمكالمات الهاتفية مرارا وتكرارا. في أبريل زار موسكو معالي وزير الخارجية المصري سامح شكري في عداد مجموعة اتصال جامعة الدول العربية بشأن الأزمة في أوكرانيا. في يوليو قام نظيره الروسي سيرغي لافروف بالزيارة الرسمية إلى القاهرة.
بحلول أواخر العام الجاري من المخطط إجراء عدد من الاجتماعات والمناسبات الثنائية. وستتمثل روسيا بشكل واسع على الدورة 27 لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ الذي ستستضيفه مدينة شرم الشيخ فب نوفمبر عام 2022.
تاريخيا تلعب الروابط الثقافية والإنسانية دور القاعدة لقيام علاقات الصداقة بين شعبي بلدينا. وأظهر متانة الروابط التي توحدنا بشكل واضح عام التعاون الإنساني الذي جرى بالنجاح والنطاق الواسع. وظهر في الستينيات من القرن العشرين تقليد تبادلات الطلاب بين روسيا ومصر الذي تطور تطورا هائلا خلال 10 السنوات الأخيرة. واليوم تعتبر مصر بثقة من الدول العشرة الأولى من حيث عدد الطلاب الذين يختارون بلدنا للحصول على التعليم العالي أو الثاني العالي. واعتبارا من أوائل عام 2022 يتعلم في روسيا أكثر من 12 ألف الطلاب المصريين.
كانت مصر دائما مصدر الإلهام والإيحاء لأعظم الشعراء والكتاب الروس. في عام 1828 كتب ألكسندر بوشكين الذي استوحى بتاريخ وثقافة مصر القديمة شعر "كليوباترا" الذي انضم إلى مجموعة "الليالي المصرية". في مطلع القرن العشرين اجتذب بلد الأهرامات الشعراء الذين كانوا يجدون هنا معنى الحياة. زار أرض الفراعنة نيكولاي غوميليوف الذي ألف أشعار "قناة السويس" و"البحر الأحمر" و"مصر". بعد زيارة مصر أصدر إيفان بونين دورة أشعار "دلتا" و"الإسكندر في مصر" و"القاهرة" و"الهروب إلى مصر".
بعد 79 سنة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية لا تزال روابطنا تعتمد على المصالح المشتركة والسعي المشترك والمتبادل إلى التعاون المتعدد الأوجه والبناء. إننا نعتزم من جانبنا وبدعم الأصدقاء المصريين على بذل قصارى الجهود للتعزيز والتوسيع التالي للتعامل الثنائي. نهنئ جميع مواطني روسيا ومصر بالذكرى المهم لتاريخنا المشترك ونتمنى لبلدينا الازدهار والرفاه.