رسالة حجّة الإسلام والمسلمين سماحة السيّد حسن نصرالله (حفظه الله) إلى المؤتمر الدُّوليّ الثالث لتخليد ذكرى العلاّمة آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي (قدس سره)

رسالة حجّة الإسلام والمسلمين سماحة السيّد حسن نصرالله (حفظه الله) إلى المؤتمر الدُّوليّ الثالث لتخليد ذكرى العلاّمة آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي (قدس سره)


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأعزّاء أسرة فقيد العالم الإسلامي والفكر الإنساني سماحة العلّامة المفكر الشيخ مصباح اليزدي رضوان الله تعالى عليه

السادة العلماء والباحثون والمشاركون في المؤتر الدولي الثالث لتخليد ذكرى هذه الشخصيّة العلميّة الكبيرة.

السّادة مدير وأعضاء لجنة إحياء الذكرى السنوية الثالثة لرحيل المفكر العلامة مصباح اليزدي قدس سره،

السلام عليكم جميعا وتقبل الله أعمالكم بأحسن القبول.

إننّا نعتقد أن تظهير إرث سماحة الفقيد الكبير بما يحتويه من علم زاخر ومنارات معرفيّة زاهرة ومناهج جديدة على مستوى العديد من العلوم، هو أمانةٌ في أعناق العلماء والباحثين وطُلّاب الحقيقة، وليس ذلك تخليداً لذكر سماحته فحسب وإنّما هو أيضاً خدمة جليلة للأمّة المُتعطّشة إلى فكره الصّافي الزُلال وخصوصاً أجيال الشباب التي جذبها سماحته بأسلوبه ودفقه المعرفيّ وهو ما أتقنه قلّة عبر تاريخنا المعاصر.

والحقّ أن سماحته شكّل معرفيًّا وسلوكيًّا تلك القدوة المشرقة الأخّاذة للعلماء وللأجيال في أعظم وأقدس المهام نُصرةً للدّين وذوداً عنه وتمهيداً لإمامنا المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.

لقد كان سماحته في عتمة الفكر مِصباحنا وصباحنا، ينهمر غيثًا مع كلّ قيظ فعندما كان الكثيرون من السالكين يبحثون عن الحقّ والحقيقة على ضفاف معارف الأنفس والآفاق، كان سماحته يستخرج من الأعماق دُرر الحكمة ونقاوة المعرفة ويُترجم سلوكيًّا خارطة طريق الوصول.


لقد وهبَ الحياة للعقول فازدهت بالمعرفة وللنفوس فانتشت بالطمأنينة، وكأنه كان موكلاً باستحضار الآفاق البعيدة، فإذا هي أمام العين واللّب بداهة محقَّقة ولذلك كان يُؤتى عند القلق والشك والحيرة وانسداد الآفاق.

نتصوّره اليوم كما كان دائماً، حارساً للعقيدة عند بوابة قلعة الإسلام، حاملاً سيف الكلمة ودرع الثقة بالله، ومجلّلاً بِسِمَة اليقين وبحر من العطف والأبوية والهداية.

فلقد كانت حياة سماحته تجسيداً سلوكيًّا لمكارم الأخلاق ورسالات الأنبياء، ولقد أعطى الدروس العظيمة قولاً وعملاً في الذوبان في الولاية والوليّ وكان دليلاً إليها ودرعاً لها وعمل على امدادها وصبّ جهوده المباركة الطّيّبة في تنسيق نهجها وتأثيرها في نفوس المؤمنين.

لا شكّ أنه مع ارتحال الكبار تتحسّس الأمّةُ يُتمها وتتوسّل الإرث الفيّاض لتعوّض شيئاً من عطر الأبوّة. إلاّ أنّنا في لبنان فقد حفر رحيل سماحته فينا عميقاً وقد ثُكلنا في رحيله ثكلاً مضاعفاً، مرةً بخسارة الفكر الوثّاب والحكمة المتعالية والحضن والملجأ والمرجع، وأخرى في خسارتنا لرعايته وعطفه وأبوّته ونُصحه ودعائه.

إنّ الإرث الكبير الذي خلّفه سماحته وهو الإرث الضارب في الأعماق وفي غُرر المعارف ما كان ليكون لولا إخلاص وصفاء سماحته ولولا التّسديد الإلهيّ وتوفيقه سبحانه وتعالى خدمةً لعباده وأوليائه.

لقد ارتوينا من معينِ نتاجه الفكريّ بدءاً من الإنتاجات الأولى، من كتبه في معرفة الله وذكره والزاد والسير إليه. ومضينا مع نتاجه نحو الكون والإنسان والسّبيل والدليل والقرآن والأخلاق، ثم خُضنا في حنايا المجتمع والتّاريخ والحرب والجهاد والإمامة والولاية وشفاء الرُوح والأسفار ونهاية الحكمة والجديد في منهجية تعليم الفلسفة ودروسها وخلاصتها.

أمّا في المواعظ الإلهيّة فقد كان سماحته بحق موعظةً بليغة، لقد دلّتنا كتبه كيف ننهل من كأس كوثره وكيف نتدثّر شمس الولاية وعرّفنا سماحته الذّات وكيف تُبنى وأضاء بعمقٍ على الثورة الإسلاميّة وجذورها وطاف بنا حول الشباب ومشاكلهم وشبهاتهم والردود، وغاص بنا في رحلته إلى بلاد الألف ملّة ورسونا معه في تأملات في الحكمة والإشراق.

إنّه كان وسيبقى تلك الشجرة المثمرة الوارفة التي تُؤتي أكلها كل حين بإذن ربها وذلك الفيء البهيّ الذي نستظله ونركن إليه.

لقد كانت المقاومة الإسلاميّة في لبنان محلّ رعايته وسؤاله ودعائه وآماله، إذ كان يُدرك سماحته أنّ المقاومة خيار أوحد لصمود الأمّة وتحديد عزّتها وتحرير مقدّساتها، وحبّذا لو كان حاضراً بيننا ليرى بأمّ عينيه ما تصنعه المقاومة في فلسطين من انتصاراتٍ و بطولاتٍ عزّ نظيرها، فتطمئنّ نفسه الزكيّة بمشاهد الهزيمة والإذلال المُدوّي الذي يتكبّده الصهاينة في غزّة الأبيّة.


في الختام.. عهدٌ لما أراد ودعا.. الإخلاص والإستقامة على خطّ الولاية.

والحمدلله رب العالمين

سيّد حسن نصرالله

٢٥/ ١٢ / ٢٠٢٣

Report Page