ذكر اختلاف أهل العلم في التطوع بعد صلاة العصر

ذكر اختلاف أهل العلم في التطوع بعد صلاة العصر

أبو بكر بن المنذر النيسابوري (ت. 318 هـ) | قناة آثار وفوائد

قال أبو بكر بن المنذر في ((الأوسط)) [392/2] :


اختلف أهل العلم في صلاة التطوع بعد صلاة العصر، فرخصت طائفة أن يصلى بعد صلاة العصر،


وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال: لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها،


وروينا عن علي أنه دخل فسطاطا بعد العصر ، فصلى ركعتين،


وروي هذا المعنى عن الزبير وابن الزبير، وتميم الداري، والنعمان بن بشير، وعائشة، وأبي أيوب الأنصاري.


١٠٩٥ - حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: ثنا أحمد بن يونس، قال: ثنا زهير، قال: ثنا أبو إسحاق، قال: حدثني عاصم بن ضمرة: أن عليا صلى وهو منطلق إلى صفين العصر ركعتين، ثم دخل فسطاطه، فصلى ركعتين، فلم أره صلاها بعد.


١٠٩٦ - حدثنا علي، قال: ثنا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، أن ابن عمر، كان يقول: كان عمر بن الخطاب يقول: «لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها».


١٠٩٧ - وحدثونا عن أبي قدامة، قال: ثنا يحيى، عن شعبة، قال: حدثني يزيد بن حمير، عن عبد الله بن زائد أو يزيد عن جبير بن نفير، أن عمر كتب إلى عمير بن سعد ينهى الناس عن الركعتين بعد العصر، فقال أبو الدرداء: «أما أنا فلا أدعهما».


١٠٩٨ - حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: ثنا عفان، قال: ثنا حماد، قال: أخبرنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن تميم الداري، " أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين، وزعم أن الزبير وعبد الله بن الزبير كانا يصليان بعد العصر ركعتين.


١٠٩٩ - وحدثونا عن بندار قال: ثنا محمد قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سألت أبا جحيفة عن ركعتين بعد العصر، فقال: «إن لم تنفعا لم تضرا».


١١٠٠ - حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن علي بن زيد، وحميد، عن طلق بن حبيب، عن حنة بنت المطلب، أن عائشة، كانت تصلي ركعتين وهي قائمة، وكانت أم سلمة تصلي أربع ركعات وهي قاعدة، فقيل لها:

إن عائشة تصلي ركعتين وهي قائمة، فقالت:

«إن عائشة شابة، فتصلي وهي قائمة، وأنا عجوز فأصلي أربع ركعات تمام ركعتيها».


١١٠١ - حدثنا علي، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، قال: رأيت عائشة تصلي بعد العصر ركعتين وهي قائمة، وكانت ميمونة تصلي أربعا وهي قاعدة، فذكر نحوه.


١١٠٢ - وحدثونا عن الرمادي، قال: ثنا الأسود بن عامر، قال: ثنا شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن حبيب، كاتب النعمان بن بشير قال: كان النعمان بن بشير يصلي بعد العصر ركعتين.


١١٠٣ - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، أن أبا أيوب، كان يصلي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر، فلما استخلف عمر تركهما، فلما توفي عمر ركعهما.


١١٠٤ - حدثنا إسحاق عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن نافع قال: كان ابن عمر يقول:

«فأما أنا فإنما أصلي كما رأيت أصحابي يصلون، وأما أنا فلا أنهى أحدا أن يصلي من ليل أو نهار غير أني لا أتحرى طلوع الشمس ولا غروبها؛ فإن رسول الله ﷺ نهى عن ذلك» .


وفعل ذلك الأسود بن يزيد وعمرو بن ميمون، ومسروق، وشريح، وعبد الله بن أبي الهذيل، وأبوبردة، وعبد الرحمن بن الأسود، وعبد الرحمن بن البيلماني، والأحنف بن قيس.

قال أحمد بن حنبل في التطوع بعد صلاة العصر لا نفعله، ولا نعيب فاعلا، وكذلك قال أبو خيثمة، وأبو أيوب، وقال بعض أهل العلم معنى قوله:

لا صلاة بعد صلاة العصر إنما هو لا صلاة بعد مضي آخر وقته، وآخر وقته اصفرار الشمس؛ لأن للناس أن يتطوعوا بعد صلاة العصر ما داموا في وقتها، فإذا خشوا فوات الوقت لم يجز لهم أن يتشاغلوا بغير الفرض لئلا يفوتهم الواجب، فلو أن رجلين صلى أحدهما العصر في أول الوقت وأخّرَها الآخر عن أول الوقت يكره للذي صلى العصر في أول الوقت أن يتطوع بعدها للمعنى الذي كرهها له عمر؛ وذلك لئلا يداوم عليها حتى يأتي الوقت المنهي عن الصلاة فيه، ولم يكره للذي لم يصل العصر أن يتطوع قبلها إذا كانت الشمس بيضاء، فهذا يدل على أن التطوع غير مكروه والشمس بيضاء، ولو كان ذلك مكروها لكره ذلك للرجلين والله أعلم.


وكان الشافعي يقول: لا يجوز إلا أن يكون نهيه عن الصلاة في الساعات التي نهى عنها على ما وصفت في كل صلاة لا يلزم، وكل صلاة كان صاحبها يصليها فأغفلها، وكل صلاة أكدت، وإن لم يكن فرضا كركعتي الفجر وإجماع المسلمين في الصلاة على الجنائز بعد العصر وبعد الصبح، وذكر حديث أم سلمة في الركعتين اللتين صلاهما النبي ﷺ بعد العصر كان يصليهما بعد الظهر، وذكر الصلاة للطواف، وركعتي الفجر بعد صلاة الصبح، وجعل الشافعي النهي فيما سوى ما ذكرناه.


وكان أحمد وإسحاق يقولان: لا يصلي بعد العصر إلا صلاة فاتته أو على الجنازة إلى أن تدخل الشمس للغيبوبة.


وقال أبو ثور: لا يصلي رجل تطوعا بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس، ولا إذا قامت الشمس إلى أن تزول، ولا بعد العصر حتى تغرب إلا صلاة فاتته أو على جنازة أو على أثر طواف أو صلاة لبعض الآيات، وكلما يلزم من الصلوات فلا بأس أن يصلي في هذه الأوقات.


وقال أصحاب الرأي: يصلي كل الوقت ما خلا الأربع ساعات إذا طلعت الشمس إلى أن ترتفع، وإذا انتصف النهار إلى أن تزول الشمس وإذا احمرت الشمس إلى أن تغيب، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس.


قال أبو بكر: وأكثر من رأيت ممن كان يشدد ويمنع من الصلاة بعد العصر إنما يحتج بأن عمر كان يمنع الناس من ذلك، وقد ثبت عن ابن عمر أن عمر إنما كان يقول: لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها، والدليل على أن هذا كان مذهبه حديث زيد بن خالد.


١١٠٥ - حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: ثنا حجاج، قال ابن جريج: سمعت أبا سعيد الأعمى، يخبر عن رجل، يقال له السائب مولى الفارسي عن زيد بن خالد الجهني، أنه رآه عمر بن الخطاب وهو خليفة ركع ركعتين بعد العصر، فمشى إليه حتى ضربه بالدرة وهو يصلي كما هو، فلما انصرف قال:

زدنا يا أمير المؤمنين، فوالله لا أدعهما بعد إذ رأيت رسول الله ﷺ يصليهما، فجلس إليه عمر، فقال:

«يا زيد بن خالد، لولا أن أخشى أن يتخذها الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما» .


قال أبو بكر: ففي هذا بيان معنى نهي عمر وأنه إنما نهى أن يتخذها الناس سلما إلى الوقت المنهي عنه، وهذا موافق لما رواه ابن عمر عنه من نهيه أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها بالصلاة.


Report Page