جيل التهجير

جيل التهجير

مجلة بلاغ - السنة الرابعة - العدد ٣٧ - ذو القعدة ١٤٤٣ هـ




كلمة التحرير

 

انتهى العام الدراسي الأخير وبرز الحديث عن اختباراتهم وأنشطة العطلة الصيفية، فأثار ذلك الشجون.

إن هؤلاء الطلاب الذين تبلغ أعمارهم اليوم سن السابعة والعاشرة والخامسة عشرة والثامنة عشرة هم جيل التهجير الذي لم يعرف بالعموم أرض الطفولة ومراتع الصبا ومجالس العائلة الكبيرة، فليسوا ممن يتغنى بقول ابن الرومي:

وحبَّب أوطانَ الرجالِ إليهمُ

مآربُ قضَّاها الشبابُ هنالكا

إذا ذكروا أوطانَهُم ذكَّرته

عُهودَ الصبا فيها فحنّوا لذلكا

إنهم جيل التهجير والمخيمات والأسفار والترحال، وطنُ بعضهم خيمته!، ووطن آخرين بلد لجوئه!، وآخرون لا أهل ولا وطن!

وإن نظرة لواقع هذا الجيل الجديد تشير إلى أن:

1 - قرابة ثلث أطفال سوريا يعيشون في دول اللجوء؛ نصفهم في تركيا ونصفهم في بقية دول العالم، ويواجهون أخطارا تهدد دينهم وثقافتهم، حيث إن تأثير المجتمع على الطفل شديد، فمثلا بعض الناس لا يفرق بين نظرته للدولة التركية ونظرته لأداء الحكومة التركية؛ فالدولة التركية دولة علمانية تعليمها وإعلامها وثقافتها يخدم نظامهم العلماني الكفري مما يؤدي لبعد كثير من المجتمع عن الالتزام بالإسلام وانتشار الفسق والفجور..، وكون الحكومة التركية قد تحاول تخفيف بعض مظاهر العلمانية لا يعني صلاحية البلد لتنشئة جيل على الالتزام بالإسلام، بل لقد بلغ التأثير في الأطفال اللاجئين خارج سوريا أن كثيرا منهم لم يتعلم القراءة والكتابة باللغة العربية وتعلمها باللغات الأخرى كالتركية مثلا.

صحيح أن التربية المنزلية قد تحافظ على صلاح بعض الأبناء وتمنعهم من الانحدار في الجاهلية المنتشرة بتلك المجتمعات، ولكن التاريخ والواقع يؤكد في النهاية أن ذلك قليل أو نادر، والنادر لا حكم له، وتأثير المجتمع هو الأقوى على المجموع، وشعار كثيرين في تلك المجتمعات هو:

إذا نلت في أرض معاشاً وثروةً

فلا تكثرن منها النزاع إلى الوطن

فما هي إلا بلدة مثل بلدة

وخيرهما ما كان عوناً على الزمن

 

2 - قرابة ثلث أطفال سوريا يعيشون في أماكن سيطرة النظام النصيري، ويواجهون أشكالا من الضياع؛ كالدعاية البعثية الموجهة لهم تمهيدا لحرقهم في معارك تدمير سوريا التي أشعلها النصيرية في البلد، وكالمد الرافضي الذي يستهدف تغيير التركيبة الدينية للمجتمع، وانتشار المخدرات بينهم انتشار النار في الهشيم..

 

3 - قرابة سدس أطفال سوريا يعيشون في مناطق الثورة، وهم يواجهون تحديات من أهمها: أن مناهج التعليم في هذه المناطق لا زالت في مجملها هي مناهج التعليم التي وضعها النظام النصيري مع تعديلات محدودة لا تخرج المنهج عن جوهره المعد لترويج المفاهيم الباطلة والنظرة المادية وتمجيد الأعداء وتهميش دور الإسلام في التعليم، ومن التحديات أن أكثر المؤسسات التعليمية تتدخل في عملها وتوجيهها منظمات دولية داعمة لها أهداف خبيثة من وراء هذا الدعم سواء في زرع أفكار منحرفة أو نشر أخلاق سيئة أو الترويج لنموذج حياة غربي..، ومن التحديات كذلك ضعف كثير من القائمين على العملية التعليمية بعد هروب أكثر الكوادر خارج البلد، ومن التحديات أن المصاعب الحياتية تحول دون بذل كثير من الطلاب لمجهود كبير في التحصيل، والاكتفاء بمحاولة النجاح في السنوات الدراسية، ومن تفوق منهم فإن أمنية أكثرهم الهروب من البلد والحصول على رفاهية معيشية بعيدا عن سوريا!..

 

4 - قرابة سدس أطفال سوريا يعيشون في مناطق سيطرة ال ب ك ك، ويواجهون معظم الأخطار السابقة ومن أهمها خطر التوجهات الإلحادية والعلمانية التي ينشرها ذاك التنظيم في المنطقة.

 

* إن من حق هذا الجيل الجديد علينا أن يأخذ حظه من الوعي وأن يدرك حقيقة الواقع الذي يعيشه اليوم، والمؤامرات التي تحاك ضده، وأن نعمل جاهدين لإنقاذه من النار.

- فلا بد أن تكون المناطق الثورية مستعدة لاستعادة المهجرين من الدول العلمانية، وملجأ للفارين بدينهم من مناطق سيطرة النصيرية والملاحدة.

- ولا بد من تفعيل وسائل التربية والتعليم عن بعد لتوثيق خطوط التواصل مع أبنائنا الذين يعيشون في مناطق غير مناطق سيطرة الثوار.

- ولا بد للأخيار في كل منطقة من بذل جهدهم في تعليم وتوجيه الجيل الجديد وعدم تركهم فريسة للأعداء.

- ولا بد في مناطق الثورة من ثورة على الفساد المؤسساتي الذي استنسخ مناهج تعليم البعث، وارتمى في أحضان المؤسسات التعليمية الغربية، لتحريره من ذلك وجعله معبرا عن إسلامنا وقضيتنا.

- وما لا يدرك كله لا يترك كله؛ فلا بد من وضع برامج مركزة لنخب من هذا الجيل تضعه على طريق الجهاد في سبيل الله وحمل أمانة التكليف وخوض غمار المعارك القتالية والثقافية والتربوية والاجتماعية، كل واحد منهم بأمة من الرجال.

* حفظكم الله يا أبناءنا من شر شياطين الإنس والجن.





هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٣٧ ذو القعدة ١٤٤٣ هـ

Report Page