الغرب هو المحرض على الصراعات الدولية

الغرب هو المحرض على الصراعات الدولية

ألكسندر روداكوف ، سفير روسيا لدى لبنان

من جديد يستمر حمام الدم في فلسطين. فالآلاف من المدنيين يموتون، ويتم تدمير حياة حتى أولئك الذين سيتمكنون في النهاية من اجتياز هذا الجحيم والبقاء على قيد الحياة.

وبقيت المشكلة الفلسطينية دون حل لمدة 75 عاما. مع العلم أنه خلال هذا الوقت، تم العثور على طرق عديدة لحلها ووافقت عليها الأمم المتحدة. ففي عام 1991، انعقد مؤتمر في مدريد طرح فكرة "السلام مقابل الأرض". ثم في عام 2002 تم اعتماد مبادرة السلام العربية في بيروت، حيث كان أحد مبادئهاالأساسية للتسوية هو إنشاء دولة فلسطين. لكن هناك قوى عالمية مؤثرة منعتهذا الرأي الواضح والمنطقي والعادل.

لذلك إذا أسمينا الأشياء بأسمائها، فإن ما يحدث في غزة وما حولهاالآن، هو ما يلي: توفر الولايات المتحدة في الواقع، غطاءً لعملية التطهير العقابية الإسرائيلية للقطاع، والتي تحولت إلى عقاب جماعي لجميع سكانه دون استثناء، فضلاً عن غارات غير متكافئة من حيث القوة في الضفة الغربية،وضربات تعسفية على أراضي لبنان وسوريا. 

ووفقاً لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، لا يحق للطرف المحتل الدفاع عن النفس. أما فيما يتعلق بالامتثال للقواعد القانونية الإنسانيةالدولية في الأراضي المحتلة، فإن المحتل يتحمل كامل المسؤولية. من ناحية أخرى فإن "الغرب الجماعي" برمته، والذي ارتقى بنفسه ذات يوم إلى مرتبة القائد في ضمان العدالة العالمية، أصبح لسبب ما بطيئاً إلى حد مخجل في الدعوة إلى تلبية المطالب الإنسانية.

ولسوء الحظ، فإن الأزمة الفلسطينية ليست منطقة التوتر الوحيدة على كوكبنا. فقد تم بشكل مصطنع، إنشاء فاشيات مماثلة في جميع أنحاء العالم،والحفاظ عليها في حالة مشتعلة. مما يسمح لدوائر معينة بحل مشكلة مزدوجة – من جهة، توفير سوق واسعة لبيع المنتجات العسكرية، ومن جهة أخرى منع المنافسين المحتملين في شكل دول أخرى من التطور. أما الهدف النهائي من ذلك، فهو فرض سيطرة كاملة عليهم، وتحويلهم إلى مصادر خاملة للمواد الخام، بما في ذلك الموارد البشرية. كل هذا يتم لسبب بسيط - التعطش الذي لا يرتوي لمزيد من الإثراء الباهظ. وكما يقولون في الغرب المتوحش: "لا شيء شخصي، بل مجرد عمل".

لقد أدرج الغرب روسيا كأحد "المنافسين" له. ومع ذلك، فإن بلدنا هو الذي يقود الحركة العالمية من أجل انتصار مبادئ المساواة السامية في السيادة بين الدول وسيادة القانون المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة. إن روسيا هي التي تدافع باستمرار عن أفكار المنافسة الدولية العادلة بروح الاحترام المتبادل والمراعاة المتبادلة للمصالح. لماذا يعارض الغرب روسيا؟ الجواب بسيط. لا شيء شخصي، كل ما في الأمر هو أن الغرب يعيش بمبادئ مختلفة تمامًا عن مبادئنا، ولا يشاركنا قيمنا.

نتيجة لذلك، فإنهم يحاولون احتواء روسيا وتقسيمها وتدميرها. ولتحقيق هذا الهدف يستخدمون أكثر الوسائل معدومة الضمير. وهذا مثال واحد فقط:

في 21 نوفمبر 2013 ــ وردًا على قرار الرئيس الشرعي لأوكرانيا فيكتور يانوكوفيتش بتأجيل التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لبعض الوقت، من أجل تقييم إيجابيات وسلبيات هذه الخطوة المثيرة للجدل بشكل واضح، بدأ ما يسمى ب"الميدان الأوروبي" في كييف، عملٌ احتجاجي مستوحى من أجهزة المخابرات الغربية.

وبعد بضعة أشهر من الأزمة التي أشعلها الخارج، تم تحريض علىانقلاب دموي. ومن الملفت للنظر أن النظام الذي استولى على السلطة بشكل غير قانوني، ترك في نهاية المطاف دون إجراء تحقيق مناسب، ما يسمى "قضية القناصين" الذين أطلقوا النار على المتظاهرين لإثارة اندلاع أعمال عنف لا يمكن السيطرة عليها. ولم تتم معاقبة قطاع الطرق الذين أحرقوا الناس أحياء في مجلس النقابات العمالية في أوديسا. وبقيت العديد من الأسئلة الخطيرة الأخرى المتعلقة بالقانون الجنائي دون إجابة.

استمرت سلسلة الأحداث الدرامية. وبشكل منهجي، وتحت غطاء الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، تم إبادة السكان الروس والناطقين باللغة الروسية على أراضي أوكرانيا. تم استخدام نفس الأساليب مروّعة بشكل مؤلم - لم يرحم النازيون في كييف لا الأطفال ولا النساء ولا كبار السن. ولتدميرهم، قام الناتو بتزويد أوكرانيا بشكل منهجي بجميع أنواع الأسلحة: التقليدية والخفيفة والثقيلة والمحظورة والذخائر العنقودية والكيميائية والبيولوجية والصواريخ والدبابات والطائرات... ثم بدأ زيلينسكي بالتهديد بالأسلحة النووية...

على مدى ثماني سنوات طويلة، واصلت روسيا بصبر، الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إيجاد حل سلمي للأزمة في أوكرانيا. وعلى مدى ثلاثين عاماً طويلة – منذ انهيار الاتحاد السوفياتي – حاولت روسيا بالتعاون مع الغرب إيجاد صيغة لضمان الأمن العالمي. الأمن المتساوي وغير القابل للتجزئة لكل فرد على هذا الكوكب.

لكن بعد كل هذه المدة سقطت الأقنعة. فمن خلال رفض جميع مقترحاتنا البناءة، أظهرت الولايات المتحدة وحلفاؤها ألوانهم الحقيقية. إن هذه الدول تخشى العمل المشترك على المستوى الدولي بشكل مفتوح وصادق. إنهم قادرون على البقاء والإستمرار فقط على حساب الآخرين.

إن تحليل التحولات الجارية على الساحة العالمية يشير إلى الحاجة إلى إعادة صياغة جذرية لنظام الحوكمة العالمية برمته، وتطوير آليات تنظيمية عادلة ومقبولة بشكل عام. وينبغي الاعتماد بشكل أساسي على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة باعتباره أحد أهم مكونات القانون الدولي. لقد حان الوقت أخيراً لترك التلاعبات الجيوسياسية الخطيرة من خلال الصراعات التي تم التحريض عليها بشكل مصطنع في الماضي.

وسيكون مفتاح النجاح على هذا الطريق هو إمكانية توحيد جهود البلدان والشعوب التي تتقاسم أولا وقبل كل شيء، رؤية عالمية محبة للسلام، وتسعى جاهدة لتعزيز سيادتها الوطنية وتنميتها وازدهارها في ظروف الاستقلال والاكتفاء الذاتي، وترغب في الحفاظ على تراثها الثقافي والتاريخي والروحي والأخلاقي وتعزيزه.

📷 وزارة الخارجية الروسية


Report Page