ابكي على مصيبة الحسين بحرقة لكن مع هذا اشك بأغلب ما ينقله الخطباء والرواديد واقول ودموعي على خدي من قال ان ما يروى صحيح فما هي نصيحتكم ؟

ابكي على مصيبة الحسين بحرقة لكن مع هذا اشك بأغلب ما ينقله الخطباء والرواديد واقول ودموعي على خدي من قال ان ما يروى صحيح فما هي نصيحتكم ؟


الجواب:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تعتبر واقعة كربلاء من أهم الاحداث التاريخية التي توافرت لها دواعي الاهتمام من جميع المسلمين، نظراً لما تمثله شخصية الامام الحسين (عليه السلام) من محورية دينية كبيرة عند جميع الطوائف والمذاهب الإسلامية، فقد أهتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالإمام الحسين (عليه السلام) بشكل خاص مبيناً منزلته ومكانته، كما أنه تحدث عما يصيبه في كربلاء وبكاه قبل مقتله، ولذلك لم تحظ قضية تاريخية باهتمام المؤرخين نقلاً وتدويناً وتوثيقاً مثل قضية الامام الحسين (عليه السلام)، حيث رواها الجميع بمختلف اتجاهاتهم في مصادرهم الحديثية والتاريخية والأدبية المختلفة، هذا مضافا الى الأصداء الكبيرة للحادثة وتأثيراتها العميقة في تاريخ المسلمين السياسي، والفكري، والأدبي، والثقافي، مما جعلها محط اهتمام المؤرخين.

هذه العوامل وغيرها جعلتها تحظى باهتمام الرواة وقدامى الاخباريين الذين قاموا منذ القرن الثاني الهجري، ببذل جهود كبيرة نحو تتبع أخبار الواقعة والبحث عن تفاصيلها ومجرياتها وتجميع المعلومات الدقيقة عن حوادثها ومن ثم كتابتها وتدوينها. وقد مهد الاخباريون الأوائل الطريق لمن جاء بعدهم من الاخباريين المتأخرين والمؤرخين المهتمين في توثيق وضبط وتنظيم وترتيب مختلف الحوادث التاريخية. وقد جمع المؤرخون ما أمكنهم من الوقائع والحوادث والنصوص من مختلف المصادر. وقاموا في مرحلة تالية، بمراجعتها وغربلتها وتوثيقها وتنسيقها وتبويبها وإيراد ما ارتأوه منها في مدوناتهم وموسوعاتهم التاريخية، وكذلك فعل بعض المحدثين ومؤرخوا الطبقات والتراجم. وبهذا فقد غدت واقعة كربلاء مدونة وموثقة منذ بواكير عمليات التدوين التاريخي في تاريخ المسلمين، وتوالت الكتابات حولها تباعا في مختلف الأدوار التاريخية.

هذا مضافاً للمصادر التاريخية التي عنيت بهذه الواقعة، بحيث لم تخل موسوعة تاريخية من ذكر تفاصيل ما وقع على الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء، ومن أبرز المصادر التي تطرقت اليها هي: الطبقات الكبرى لابن سعد (ت 230). الاخبار الطوال لابي حنيفة الدينوري (ت 276). أنساب الاشراف للبلاذري (ت279)، تاريخ اليعقوبي لابن الواضح (ت 282)، الفتوح لابن الأعثم الكوفي (ت 304)، تاريخ الطبري لابن جرير (ت 310)، مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهاني (ت 356)، تجارب الأمم والملوك لابن مسكويه (ت424)، تاريخ دمشق لابن عساكر (ت571)، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك لأبي الفرج الجوزي (ت 597) الكامل لابن الأثير (ت 630)، تذكرة الخواص لابن الجوزي (ت654)، سير اعلام النبلاء للذهبي (ت748)، البداية والنهاية لابن كثير (ت 774) وغيرهم. هذا مضافا الى اهتمام بعض مصادر الحديث والتراجم والأدب التي عنيت بترجمة الامام الحسين (عليه السلام) ومناقبه وأحواله من قبيل مسند أحمد (ت241) ومعجم الطبراني (ت360) ومن كتب الأدب العقد الفريد لابن عبد ربه (ت 328).

أما عند شيعة أهل البيت (عليهم السلام) فقد تضاعف الاهتمام بمقتل الحسين وتناقلوا ذلك جيلاً عن جيل، وقد تصدى الائمة (عليهم السلام) بأنفسهم لحفظ تلك الواقعة، وامروا شيعتهم بإقامة المجالس وذكر تفاصيل ما جرى على الامام الحسين واصحابه في كربلاء، ولذا كان من الطبيعي أن يهتم علماء ومؤرخي الشيعة بتوثيق تلك الاحداث، فمن بينهم القاضي النعمان المغربي (ت 363) في شرح الأخبار، والشيخ الصدوق (ت381) في مجالسه، والشيخ المفيد (ت 413) في كتاب الإرشاد، ومحمد بن فتال النيسابوري (ت508) في روضة الواعظين، والشيخ الطبرسي (ت 548) في اعلام الورى، وابن شهر اشوب (ت 588) في المناقب وأبو الفتح الأربلي (ت 693) في كشف الغمة وغيرهم.

وعليه أن أصل الحادثة وما فهيا من تفاصيل مبكية مما لا يجوز التشكيك فيها لمجرد التشكيك، وذلك لأن العلماء قد تصدوا لبيان ما هو ثابت من القصص والاحداث وما هو زائد لا أصل له، بل حرم المراجع والعلماء على الخطباء ذكر ما لم يثبت وقوعه بوثيقة تاريخية تؤكده، فبعض القصص التي لها مصدر تاريخي ولكنها غير مؤكدة توقف الفقهاء في جواز نقلها على المنابر، فمثلاً قصة زواج القاسم بن الحسن في كربلاء قد ذكرها بعض المؤرخين مع أن فيها بعض الشكوك والملاحظات، ولذلك لم يجيزوا نقلها بالشكل الذي يترسخ في اذهان الناس على أنها حقيقة حتمية، وإنما اجازوا ذلك على نحو الاحتمال فقط، ففي سؤال وجه للمرجع التبريزي جاء فيه: (من المتعارف عندنا في الخليج في شهر محرم الحرام تخصيص اليوم الثامن لشبيه القاسم بن الحسن (عليه السلام)، ولإثارة الندبة والنياحة، يطرح الخطباء على المنابر مصيبته وينقلونها حسب ما ذكره المؤرخون، ومنها زواجه بابنة عمه المسماة له في يوم الطف، وربما يدخلون ما يعبر عن مراسيم الزواج كالشموع في وسط المجلس، فيزداد حزن الناس، إلا أنه في عصرنا كثر المعترضون على مثل هذه الروايات والتعبير عنها بالضعف، وكأنه الشغل الشاغل لهم، بل بلغ الأمر إلى الاستشكال في قراءة مثل هذه الرواية، فبم تنصحون أمثال هؤلاء حيث أن مصيبة الطف جامعة لكل المصائب؟

فأجاب رحمه الله: (بسمه تعالى: لا بأس بقراءة هذا المجلس على القاسم بن الحسن، ولكن حسب ما ورد في الكتب التاريخية، بحيث لا تكون قراءته على نحو يترسخ في أذهان الناس أنها حتمية الحصول، بل على نحو الاحتمال، والمسائل المتيقنة والمطمئن بها غير قليلة، فليكن الاهتمام بها أكثر للترسخ في الأذهان للأجيال القادمة لدفع الشبهات التي تحيط بهم، والله الموفق)





Report Page