good

good


من التراث الغنائي الصنعاني
«حمينية» القاضي عبدالرحمن الآنسي "ياحمامي أمانه مادهاك" - حسن الدولة

2018/12/30 الساعة 16:59 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



وهي إحدى غرر الغناء الصنعاني اليمني ؛ فهي من تلك الأغاني الترثية التي لا تبلى مع الزمان بل تزداد تألقا وتأنقاً وجمالا وروعة ورقة وفيها من الشجن ولوعة فراق انسان لمحبوبته، حمامة كانت على الحقيقة ام المجاز إلا انه نصحها بالبقاء لكنها سعت لحتفها بنفسها ..
نعم إنها لمن روائع الغناء الصنعاني ..
وتعد خلاصة تجربة حياة غنية في هذا الفن الرقيق مايجعلها قريبة الى القلوب لطيفة في الاسماع يستريح البال حين سماعها ؛ وهناك من يخرجها عن مقصد الشاعر إلى انها تعني فتاة حسناء قضت نحبها على يد رجل جلف جبار لايسأل عما يفعل ..
وايا كان الامر فالشاعر يحمل الصبية - الحمامة - جزءاً مما آل اليه مصيرها فيقول لها «طرتي من بقعتك حيث الأمان»
حيث يروى ان الشاعر كان تربطه بالمغدور بها علاقة حميمية؛ ولم يكن يعلم انه سيأتي يوم يقودها مصيرها «الى بحر الهلاك» ثم يتصاعد في القصيدة التي اتخذت من الرمز الشفاف ستاراً لها والصبية تنتمي الى عالم الفن الساحر بصورة من الصور حيث تتجاذب الارواح وتتعلق ببعضها ومن كالشعراء يصيبهم سحر الفن والجمال في مقتل فاذا اختفى من امام نواظرهم استحضروه من الخيال اضعافاً مضاعفة:
شلك الباز من بين اخوتك
حين عرف ان قد هي ساعتك
لو سمع ياحمامي نغمتك
كان شا يفلتك من قبضته
غير أجرى دمك من مقلتك
أسأل الله يعمي مقلته
قادر الله يهلك من أذاك
واحرمك طيب عيشك ثم خان
والملاحظ ان الشاعر القاضي عبدالرحمن الآنسي كان يتأمل صروف الزمان وما تخبئه الأيام للانسان من احداث جسام ، وكشاعر يعيش بكل احاسيسه احزان الناس والامهم وما قصيدته الموسومة ب (يا حي يا قيوم ) إلا شاهد على تلك الحال التي كانت تعتصر قلبه فيقول (اسالك يا رحمن ان تذهب الاحزان / وتدواوي بالصلاح داء الفساد/ قد ضاقت الأحوال / وضاع الإجتهاد والإحتيال)..
فها هو يعلن حزنه على الحمامي - الذي كان غافلاً أو كالغافل فوقع في الشراك التي تورده موارد الهلاك: (خانك الدهر ياسيد الحمام /هكذا الدّهر حكمه في البشر/ و.... لاحذر ياحمامي من قدر.
وبعد ان استوفى الآنسي المنطوق العام لأقدار الحياة استدار للإمساك بتلابيب المجرم وهو كأي قاضٍ لايستطيع ان يحيل القضية المعروضة أمامه الى الاقدار التي لايعرف كنهها أحد فلا تزر وازرة وزر أخرى ومع الأسف فإن محكمة الآنسي ليس في يدها اصدار حكم قابل للتنفيذ على عات جبار ربما دلّس جريمته بتخريجات شرعية مما يزكيه فقهاء السلطان فأحال الأمر الى قاضي القضاة الذي لا تعرب - تعزب - عنه خافية ومن وكل الله فقد استوفى لنفسه وانتصف لغيره:
خضب الكف منّك بالدما
ونثر طوق جيدك في يديه
واستباح في الحمى قتلك هما
فالقضاء والقدر ساقك إليه
عذبك عذبه رب السما
وانتصف لك ووراني عليه
بسهام المنية قد رماك
لابرح طول دهره في هوان
ومن وجع المغدورة والحقد على الغادر ينتبه الشاعر المرهف المشبوب الوجدان الى حاله فهو ضحية ايضا في هذه المأساة فإذا كانت الصبية قد ردت أمانتها الى بارئها والغادر بقي متسربلا بجرمه في انتظار القصاص إلإلهي الذي لا يرد ولا يدفع اما الشاعر فقد بقي وحده يغاني من لوعة الفراق الابدي وصبابة العشق ولوعات الفراق وألم الخديعة والخيانة يعاتب قلبه الذي همدت لوعته وحزنه وأساه فيقول :
وأنت ياقلب مالك ما سليت
قد كفى لك بعشقك والهيام
ولكن- هل يكف القلب عن الوجيب؟ أم يسير على خطى ولادة بنت المستكفي:

ولو أني غمضت عليك عيني
إلى يوم القيامة ما كفاني

من أجمل الكلمات التي تغناء بها مطربين صنعاء اليمن ونسمعا.. بأحساس فاق الشرح وعجز الوصف عن رسمها ..لها رونق غامض بغموض سر أُحجيتها التي قصها علينا .. العلامه عبدالرحمن يحي الآنسي ..

يا حمامي أمانةْ ما دهــــــاكْ ...*... طرت من بقعتكْ حيث الأمـــان
سقت نفسكْ إلى بحر الهلاكْ ...*... ما تخافْ من صروفات الزمانْ
كنت مُبْرِدْ ومُتْنَفِّسْ هنـــــاكْ ...*... كلّ ساعةْ تِخَطَّرْ في مكـــــــــانْ
وأنت تسجَعْ ويطربْنا غنـاكْ ...*... وافترقنا وما قد لك ثمـــــــــــــانْ
بيت
خانك الدهر يا سِيد الحَمــامْ ...*... وانزلكْ من محلّكْ والمقــــرْ
وسقاكْ من يده كاس الحِمامْ ...*... هكذا الدهر حكمهْ في البشرْ
قد نهيتكْ وما تمّ الكــــــــلامْ ...*... لا حَذَرْ يا حمامي من قــدَرْ
أوقعكْ قِلّ فهمكْ في شبــاك ...*... المنايا فكم ذا الامتحــــــــانْ

شلّك الباز من بين أخـــوتكْ ...*... حينْ عرفْ أنّ قد هِيْ ساعتـــهْ
لو سمعْ يا حمامي نغمتــــكْ ...*... كان شا يفلتكْ من قبضــــــــــتهْ
غير أجرى دمكْ من مقلتكْ ...*... أسأل الله يعمي مقلــــــــــــــــــتهْ
قادِرَ الله يهــــــلكْ مـن أذاكْ ...*... وأحرمكْ طيب نومكْ والأمانْ
خضّب الكفّ منّكْ بالدمـــــــا ...*... ونَشرْ طوق جِيدك في يديــهْ
واستباح في الحمى قتلكْ هَم

Report Page