...

...


- بص خمس دقايق بس جاوب فيها على أسألتي وبعدها أرجع الزنزانة تاني.. دي خامس مرة أجيلك فيها ارحمني بقى!

- هتطلعي برا ولا أطلعك أنا؟

- طب أربع دقايق طيب؟

- أنا مش هعمل لقاءات

- طب قتلتها ليه؟


بصلي من غير ما يرد وهو مكمل لعب بالقلم.. نفخت بغيظ وأنا بخبط الترابيزة بإيدي جامد وبزعق في وشه:


- بص يا بني آدم أنت أنا عشان أنجح في شغلي لازم أنت تساعدني في اللقاء دة 

- وحد قالك إني مهتم بنجاحك؟

- هتهتم غصب عنك


مسك إيدي جامد وهو بيلويها ورا ضهري وبيتكلم بهمس مرعب:


- أنا قتلت مرة ومعنديش أي مشكلة إني أقتل تاني


نتشت إيدي منه وأنا بتكلم بإستفزار:


- حلو وأنا عايزة نتكلم في النقطة دي قتلتها ليه؟

- أنتِ بني آدمة مستفزة 

- من بعض ما عندكم 


لاحظت ضغطه على إيده جامد وهو بيتحكم في أعصابه.. قررت أستخدم طريقة تانية في إقناعه بعمل اللقاء:


- أنت عارف شكلك ميبانش عليه إنك قتال قتلة يعني 

- قتلة؟!

- ماشي هي قتيلة واحدة ويمكن يبقوا اتنين.. دة هيتحدد على حسب كلامك

- وبعدين؟

- شكلك بيدل إنك مظلوم وأنا يمكن أساعدك تخرج من هنا


ضحك بصوت عالي وهو بيتكلم بإستخفاف:


- أولاً يا آنسة عشق أنا ممسوك متلبس وكل الأدلة ضدي، ثانياً أنتِ هتخرجيني من هنا إزاي وأنا محكوم عليا بالإعدام أساساً؟! ثالثاً أنتِ صحفية مش محامية


ابتسامتي الواثقة اختفت ووشي بدأ يحمر وعيني اتملت دموع وأنا بقوله بإستعطاف:


- طيب قولي أي معلومة طيب

- أنتِ هتموتي على المعلومات دي كدة ليه؟!

- صاحب الجريدة اللي أنا شغالة فيها دايماً مقتنع بفشلي ومستني أي فرصة عشان يطردني وتقريباً هو اداني تقريرك عشان عارف إنك مش هتتكلم 


أخدت نفس طويل وأنا ببصله بإبتسامة حزينة:


- أصلاً أنت عارف؟ حقك متتكلمش وأنا مينفعش أجبرك على دة.. اتمسك بقرارك عشان هيجيلك كذا صحفي يستجوبوك 


مشيت ناحية الباب وقبل ما أفتحه سمعته بينادي عليا:


- تعرفي تيجي بكرة؟

- مش عايزة أعرف حاجة.. غيرت رأيي

- هو من البداية مين اللي كان عايز يعرف؟

- الجريدة

- يبقى أنتِ كل وظيفتك تكتبي اللي هقولك عليه وتقدمي تقرير بيه

- وأنت ايه اللي غير رأيك فاجأة يعني؟


باب الأوضة اتفتح قبل ما يجاوب والعسكري بيطلب مني أطلع لإني قعدت وقت زيادة.. بصتله تاني لقيته رجع مكانه على الكرسي ومسك القلم واستمر يلعب بيه.

طلعت برا وركبت عربيتي واتجهت ناحية الجريدة وأنا بطلع السلالم بسرعة


- أنا مش هعمل اللقاء دة

- مفيش مانع تقدري تلمي حاجتك وتقدمي استقالتك

- أصلاً كتباها من بدري 


طلعت الورقة من الشنطة ورميتها في وشه وأنا بقوله بسخرية:


- قابلني لو عرفت تطلع معلومة منه 

- أكيد اللي هوديهم مش هيبقوا في فشلك


غمضت عيني وأنا بطلع وبهبد الباب ورايا وفضلت الف بالعربية بلا هدف وأنا بفتكر الفضية؛

واحد قتل مراته فجأة واكتشفنا جثة ابنهم ومحدش قادر يعرف السبب وهو مش راضي يتكلم.. شكله هادي ومش مرعب! ميدلش إنه مسك سلاح قبل كدة أصلاً!

تاني يوم كنت بفطر في كافيه جمب الجريدة ولقيت رئيس الجريدة بيتصل بيا وبيطلب حضوري.


- خير يا أستاذ محمد؟

- أنا بعتذر عن كلامي معاكي من قبل كدة وأتمنى ترجعي

- والسبب؟

- عاصم طلبك بالإسم 

- ايه؟

- زي ما سمعتي طلب إن أنتِ اللي تحققي معاه

- بس أنا استقالت

- الورقة اتقطعت تقدري تروحي تقابليه دلوقتي أنا أخدتلك إذن


روحت القسم ولسة حالة الذهول عندي.. دخلتله لقيته قاعد في مكانه المعتاد وماسك نفس القلم 


- لازم أطلبك عشان تيجي؟!

- أنت واثق من قرارك؟

- ايوا

- بس ليه؟

- معرفش بس حسيت إني خايف عليكي 

- خايف عليا!

- يمكن عشان شبهها!

- مراتك؟

- ايوا 

- قتلتها ليه؟

- هي اللي طلبت دة

- طلبت القتل؟!

- نسمة كانت مدمنة والموضوع وصل معاها لمراحل صعبة جداً لدرجة إنها بقت تعمل حاجات غير مش واعية ليها

- زي؟

- زي إنها تخنق ابننا لمجرد إنه كان بيعيط


شهقت بصدمة وأنا بحاول أستوعب اللي بسمعه وبراقب دموعه اللي بيمسحها بسرعة


- يوم ما رجعت من الشغل ولقيته على السرير افتكرته نايم مكنتش أعرف إنه مات

- كنت بتتعامل معاها إزاي؟

- خناق كل يوم عشان تبطل بس مكانش فيه فايدة.. وقت ما اكتشفت إنه مات كنت مصدوم وحاسس بنار جوايا 

- فقتلتها؟

- كنت ماسك السكينة وبهددها بيها هي اللي قعدت تزن عليا أقتلها بإنهيار 

- صوتها مع الصوت اللي جواك..

- خلاني أقتلها من غير ما أحس

- الكلام دة هيغير مجرى القضية


بصلي وهو بيسألني بصوت خاوي:


- أنا كنت في وعيي

- بس تحت ضغط

- مش هيغير حاجة 

- أنت اللي مش عايزه يتغير


هبد إيده على الترابيزة وهو بيزعق بصوت عالي:


- ايوا أنا اللي مش عايزه يتغير.. هستفيد ايه وابني مات على إيد مراتي اللي ماتت على إيدي؟! حياتي هتبقى ايه؟

- جحيم؟

- أكتر بكتير 


عيني دمعت :


- بس أنت كدة مظلوم 

- أنا كنت ظالم لما سيبت ابني أمانة عند واحدة مدمنة بحجة إنها أمه وكنت ظالم لما سيبتها ومعالجتهاش غصب عنها.. أنا الظالم والشرير في الرواية دي صدقيني


بهز راسي بنفي ورافضة أكتب التقرير.. جه ناحيته وهو بيمسك إيدي بقوة:


- التقرير دة هيتكتب فيه إني اللي قاتلهم في كامل وعيي ومن غير أي ضغط

- لأ مش هعمل كدة مش هعمل

- هتعمليها وكدة كدة أنا النهاردة هقول للظابط المسئول عن القضية إني قتلتهم 

- على الأقل يعرفوا إنك مقتلتش ابنك

- قتلت الإتنين


هزيت راسي بيأس وأنا ببص للبادلة الحمرا اللي هو لابسها.. معدش فيه أمل.


- عشق

- عايز ايه تاني؟!

- أنتِ إنسانة طيبة 


ضحكت وأنا بمسح دموعي وبسأله:


- بس فاشلة


ابتسم بهدوء وهو بيسيب القلم:


- بالعكس صحفية شاطرة جداً

- أنت بتقول كدة عشان داخل تموت يعني


ضحك بمرح وهو بيقولي:


- بس دبش

- عارفة

- مكانك في الجريدة محفوظ على فكرة

- عاصم..

- لو دة هيريح ضميرك عرفيهم.. بس بعد إعدامي 

- مفيش فايدة يعني؟

- مع الأسف مفيش


سكتنا فترة وأنا بحاول أتجاهل نظراته ناحيتي.. بصتله وهو بسمعه بيتكلم بخفوت:


- دي آخر مرة هنشوف فيها بعض


اتنهدت بحزن وأنا بحرك راسي بآه مدلي إيده يسلم عليا:


- خليكي واثقة في قدراتك ولتاني وآخر مرة هقولك إنك صحفية ممتازة وأوعي تحسي بتأنيب الضمير 


ابتمست بإمتنان وأنا بقوله:


- شكلها نهاية الطريق

- مش هنضحك على بعض! هو نهاية الطريق


أتحرك ناحية الباب وهو بيطلب ينهي الحوار.. بصلي قبل ما يمشي وهو بيبتسملي أجمل ابتسامة شوفتها ليه لحد دلوقتي وفجأة اختفى من قدامي.


        ___________________________


- التقرير دة؟

- مش عاصم اللي قتل ابنهم.. وقتلها تحت الضغط

- وليه قدمتيه دلوقتي؟

- دة كان طلبه هو 

- وايه الورقة دي؟

- استقالتي.. عن إذنك 


روحت المقابر وقعدت قدام قبره:


- مصر كلها عرفت برائتك حتى لو فيه فئة وقفت ضدك بس المهم إنهم عرفوا إنك مظلوم.. مش عارفة أنت كدة مرتاح ولا لأ بس أتمنى إنك تكون مرتاح


قرأتله الفاتحة وأنا بدعيله وبحكيله عن شجاعتي وأنا بقدم استقالتي وإني قررت أسافر برا مصر وأبدأ حياة جديدة.. بعيد عن أي شيء يخص قضيته واللي هترجع تتفتح تاني حتى بعد إعدامه.


Report Page