...

...


- هتقلعي الخِمار ده عشان محبِش مِراتي تمشي كِدة.

حركت راسي:

- آه.

- وبصراحة الألوان اللي بتلبسيها.. يعني مِحتاجة تلبسي ألوان فاتحة.

رفعت حاجبي وأنا بحرك دماغي:

- ماشي.

- ووزنك، وزنك مِحتاج يتظبِط وتروحي چيم.

- أُماااللل.

بصيت لُه بعد ما خلَص:

- خلصت؟

شاوِر بِآه، ابتسَـمت وقُمت وقِفت:

- شايف الباب اللي هِناك ده! هتاخده في إيدك وأنتَ ماشي عشان القُطط متدخُلش، ومشُفش وشك عندنا تاني.. فُرصة مِش سعيدة.

سيبته واقِف وبصيت لِماما بعصبية ودخلت الأوضة وقفلت ورايا، جايبينلي مُتخلف يتقدملي كمان! ما ده اللي ناقِص.


- يا بنتي فيها إيه يعني! مِش أحسن ما تفضلي معنسة وأنتِ كاسرة التلاتين كِده.

أتنهِدت بِزهق:

- يا عمتي هو أنتِ بتصرفي عليا فعايزة تجوزيني لِأي حد وخلاص حتىٰ لو كان غير مُناسب ليا! أنا قاعدة في بيت بابا وبشتغل وبصرِف علىٰ نفسي وحِمىٰ نفسي مِش طالبة مِنك غير إنك تسيبيني في حالي، أمي قاعدة أهي مبتتكلمش، خلاص بقىٰ يا جماعة سيبوني في حالي!

دخلت الأوضة وعفاريت الدُنيا كُلها بِتتنطط في وشي، كالعادة عريس غير مُناسب لمجرد إني مبقاش عانِس زي ما هُمَ شايفين، عريس غبي المُهم إنه عريس.. عانِس! يعني إيه عانِس أصلًا؟ وإيه قطر الجواز هيفوتك دي! هو ربنا بينسىٰ نصيب حد؟ هو ربنا بينسىٰ أصلًا! تبًا لِلمُجتمع وعاداته بِجد.


- فيكِ إيه يا مريم؟

قلعت النضارة بِهدوء:

- بفكر في المقال الجديد يا رحمة.

- طيب إيه، قررتِ!

ابتسَـمت بِهدوء وأنا الفكرة بِتلمع في عقلي.

- قررت.

بصِتلي بِأستغراب:

- قررتِ إيه!

ضحِكت وأنا بكتِب:

- بُكره تعرفِ يا رحوم، يلا سيبيني أكتب.

ردِّت بِزهق:

- يباايي مِنك لو أتحايلت عليكِ لِبكره مش هتقولي، أنا هكلم أنس أشوفه عمل إيه معَ زينة وحمزة في المدرسة.

- يبقىٰ أحسن برضوا، متاكليش دماغي بقىٰ.

بصِتلي بِقرف وكلمت أنس جوزها، رَفعت عيني بتابعها بِابتسامة وأنا بتابِع حوارها معاه:

- يا أنس فيها إيه يعني لما ياخد أستدعاء ولي أمر!

أتعصَبِت شوية:

- يووهه ما الولد بياخد مِنه أكله يعني، عايزُه يطلع مِش راجل!

صوتها هِدي:

- يا حبيبي ما أنتَ ولي أمره اللي فاضي، أنا مسحولة في الجريدة واللهِ.

أتنهِدت بِحركة مِنها عشان تهدىٰ ومتتعصبش:

- حقك عليَّا أنا يا أنوس، وَعد هشِّد عليه وهخليه ميعملش مشاكل، وبعدين يا حبيبي أحنا لينا مين غيرك يعني!

مكدِبش اللي قال إن الست المصرية دي أجمد سِت واللهِ، ابتسامتي كانت مِن الودن لِلودن وهيَ بِتثبته، هدوئها أتحوِّل لِابتسامة بسيطة، وبعدين لِضحكة مالية وِشها:

- تسلميلي يا حبيبي، أنا بحبك أكتر أصلًا.. لينا غير أنوس يعني!

- في أمان الله يا بابا.

قفلت معاه وأنا كُنت قاعدة بَصالها بِابتسامة فَخر كده، ضحكت وهيَ بتبُصلي:

- شوفتيني وأنا بثبتُه وألا أجدعها ماما!

ضحِكت بِخفة:

- تربيتي دي تربيتي.


- ما هيَ ظاهرة "العانِس!" كمَّا يطلِق عليها مُجتمعنا الشرقي، هيَّ أنْ تكسَر الفتاة عُمر الـ ٢٥ دونَّ زواج، فيبدأ الذاهِبون والآتيون بِتأنيبها وكَسر خاطرها ونعتَّها بِالعانِس، وحتىٰ قدْ يحدُّث وتكرَه الزواج أو تتَّسبب هذِه الظاهرة بزيادة نسبِة الغيرة مِن الأصدقاء بسبب المُقارنة الدائمة بينهُم -شوفي صحبتك أتجوِّزت ومعاها عيال وأنتِ قعدالي- رُبما أكثَر الناس شعورًا بِالنساء هُم النساء ولكِن في مُجتمعِنا نجِد النساء هُم مُبتكِرات الألقاب ومُدعيِّن الفضيلة "عانِس، فاتها قطر الجواز، ده اللي قدِّك متجوزين ومعاهم عيال، مِش ناوية تجيبلنا عيل!، خليكِ معاه بُكره يتغيَّر.."، وغيرها وغيرها مِن الأقاويل والظواهِر غيِّر المنطقية والتي لا يوجَد لها معنىٰ مِن الأساس، فالتي كسَرت سِن الـخمسة وعشرون، أو حتىٰ الـثلاثون، والأربـعون ولمْ يتزوجوا فلمْ يفوتها -قَطر الزواج- وليسَت عانِس.. فقط لمْ يأتي نصيبها بَعض، فالزواج قِسمة ونصيب مِن عِند الله.


- حلو، حلو أوي أوي يا مريم! كُل الحُب لِمقالِك بِجد.

ابتسَـمت جامد:

- هموت وألزقُه في عين عمتي.

ضحكت جامِد:

- ياني عليكِ أنتِ بجد، طيب صحيح.. عرفتِ إن رئيس الجريدة الجديد طالِب كُل المقالات تروح لُه قبل ما تنزِل عشان يشوف مُستوىٰ الكِتابات.

ضيقت عيني:

- هو فيه رئيس جديد لِلجريدة أصلًا!

رفعت حاجبها:

- متعرفيش!

ضحِكت وأنا باخد الورق بعد ما طبعته:

- أعرف بس بستهبِل.

روحت تِجاه مكتبه وأنا شغالة سلامات وأنا ماشية، خبَّطت خبطتين علىٰ الباب لِحد ما وصلني صوته:

- أدخُل.

دخلت ووقفت قُدامه بِابتسامة:

- أهلًا بِحضرتك نورتنا، أنا مريم ماسكة قِسم الأونلاين هِنا وأنا رئيسة تحرير الجريدة الإلكترونية، ده أخِر مقـ..

قاطِعني وأنا بتكلِم:

- مِتأخرة في تقديِّم المقال ليَّا عشر دقايق!

فتحت عيني بِصدمة:

- أفندِم..

بَص لِلورق بِكبرياء، هو مالُه العبيط ده كمان!

- أجلِّي المقال لِبكره، ويجي في موعِـ...

قاطعتُه بِعصبية:

- المقال ده هينزِل النهارده يعني هينزِل النهارده، ولو مسمعتِش فأنا رئيسة التحرير بتاعت الجريدة الإلكترونية، وأقدم مِنك هِنا.

قام وقِف ورفَع حاجبه:

- وأنا رئيس الجريدة كاملة، يعني أقدَّر أبدِلك بِأي حد تاني، برا.

حاوِلت أمسِك نفسي ومنُطِش في كرشه دلوقتِ وخرجت، رميت الورَق علىٰ المكتب بِعصبية:

- هُم جايبينلنا حلوف يمسِك الجريدة! ده إيه القرف اللي أحنا فيه ده! إنسان لا يفقه شيء قاعِد يزعَق ويشخُط وينطُر بَس.. إنسان مُتعجرِف.

ضحكت علىٰ منظري وقربت مِني:

- طيب أهدي بَس أهدي، أجبلك قهوة!

بصيت لَها بِعصبية:

- رحمة هو أنا ناقصة هِزار!

تليفونها رَن فشاورتلي بِدقيقة، وردِّت:

- فيه إيه يا أنس!

- يا نهار أبيض، حرقتُه الشقة؟

- ياخي تبًا لِلي يسيبكم لِوحدكم في البيت، جاية يا أنس جاية.

ضحِكت عليها:

- أحسن تستاهلي.

خبطتني في كتفِي:

- عرفيه إن فيه بلوة في البيت عندي، سلام يا قمر.

أيوه إيه الناس المُستفزة اللي ربنا بيرزُقني بيهم في نفس اليون دول مِش فاهمة!

- يا أُستااذذ.

بَصِلي بِأنزعاج كده المُزعِج ده:

- في سوق صح!

ضحِكت بِخفة وأنا بقعُد علىٰ الكُرسي:

- رحوم مِشيت عشان بيتها بيولع.

بَصِلي بِخضة فكمِلت وأنا بقوم عشان أخرُج:

- ذاتس أوكاي، لا تقلَق يا رئيس دي رحمة وعيالها وجوزها كُل يومين يأما في المُستشفى يأما المطافي في بيتهم.. يلا فوّتَك بِالعافية يا رئيسس.


خلصت شُغلي وخرجت مِن الجريدة، عدِّيت علىٰ بتاع الأيس كريم جِبت واحد وأكلته في الطريق وأنا مرَوَّحة ومصاحبني حلقة مِن حلقات سبونچ بوب المُفضلة لِقلبي، أيوه فيها إيه يعني طفلة عندها ٣١ سنة!

- يا أنسة الأُجرة!

بصيت لُه:

- بس أنا دفعت.

رَدِّت ست كبيرة جنبي:

- البنت دفعِت وورا كلُه دفَع.

سمعت صوت بنت مِن الكنبة اللي قُدامي من وسط الدوشة:

- هو أنتَ مدفعتليش عشان متخانقين!

بَصِلها بتحذير فضحكت بِسُخرية وهيَ بتديّ الراجل الأُجرة:

- معلش يا جماعة بس أصل جوزي عشان متخانِق معايا نسي إني معاه في العربية.

الجُملة كان فيها مِن القهر ما يكفي، علِّت صوتها وهيَ بتبُصله بِقرف:

- علىٰ جنب يسطا.

نزلت وهوَ راح وراها، وسِط كلام الكُل.

- بقىٰ ده راجِل!

- إيه جابِرها عليه ده، عدَّمه أحسن.

- رِجالة إيه وبتاع إيه، إخس علىٰ دي رجالة.

ضحِكت بِسُخرية علىٰ الناس اللي حاليًا بيقولوا كِده واللي هيقولوه بعد ما تطَّلق، حطيت الهاند فري في ودني تاني بِما إني هنزل في الأخِر وطريقي طويل، هلحق أسمعلي حلقة ولا أتنين في الطريق.


- ماما، أنا جيتت.. فينـ..!

بَبُص لقيت رئيس القناة مِشرف في بيتنا، هو أنا ناقصة قرف!

رفَع حاجبه:

- أنتِ؟

ربَعت إيدي بِسُخرية:

- ناطِتلي في بيتي كمان! ما ده اللي ناقِص يا أُستاذ.

ماما خرجت في المطبَخ وهي بتشرب:

- إيه ده أنتوا تعرفوا بعض!

ضيَّقت عيني فكمِلت:

- ده أدهم يا مريم، أدهم أبن عمّك.

أتعدَّلت في وقفتي وبصيت لُه بِحُزن:

- اللي بنسمَع عنه وعن حكايته يا ماما؟

رفَع حاجبه بِعدم فِهم:

- بيقولوا عني إيه؟

ابتسَـمت بِخفة:

- بيقولوا عنك سمِج يا أُستاذ، عديني كِده أما أعمل كوباية شاي.

دخلت المطبَخ وبعدين خرطت راسي:

- شاي يا أُستاذ!

بَصِلي بقرَف:

- مبشربش حاجة أنا مِش عاملها.

ياخي إيه الأنافة دي! أمَّا عيل سمِج بِصحيح.

***

- لا هتشوفيه يا مريم.

بصيت لَها بِعند:

- قُلت لا يا عمتي.

- لو مشوفتيهوش مفيش شُغل وهخلي أدهم يقعدك، وهو بيعتبرني زي أمه.. وقُعادك مِن الشُغل علىٰ قلبه زي العسل.

عدىٰ أسبوع علىٰ وجوده، مجاليش مِنه غير التهديد، هخلي أدهم يطرُدك، يقعدك، يـ.. يـ.. يـ.. لما تعِبت!


- أنا مُطلق.

ابتسَـمت بِهدوء:

- ميعيبَكش شيء.

- عندي عيلين.

حاوِلت أهدىٰ وابتسَـمت:

- طيب وبعدين!

- الحقيقة إني عايز أم ليهم مِش زوجة ليَّا.

جزيت علىٰ سناني:

- ودي جاي تجيبها مِن هنا ليه!

- بُصي، مِن الأخِر كده أنتِ كبيرة مش صُغيرة، فُرصتك في الجواز قلِّت جدًا.. نتجوِز وأستَرك وتبقي خلصتِ من زنُّهم، وتبقي مُربية للأولاد.

عيوني لِوهلة دمَّعت، ما لو أهلي مِقدرين قيمتي الغريب هيقدَّرها، كُنت لسه هقوم بَس سمعت صوت مِن ورايا.

- حلو، أنتَ جاي تتقدم لِواحدة عايزة تتجوِز راجل مش تبقىٰ مُربية وخدامة لِعياله، اللي بيشتغلوا في البيوت كتير، والمُربيين والدادات مفيش أكتر منهم، مريم بِنت، ومُستقِّلة، ومتربية، بانية لِنفسها كَرير، وحِمىٰ ضهر نفسها.. أنتَ بقىٰ مِش قادِر تربي عيالك دورلهم علىٰ مربية بعيد عنِّنا.

كُل ده كان بيتكلِم بِهدوء، خلص كلامه وكمِّل بِحدة:

- أتفضَل!

العريس مِشي، أدهم بَص لِماما وعمتو جامد:

- أنتوا بِجد بترخصوا مِنها كده ليه! كفاية رِجالة داخلة ورجالة خارجة تعايِّن البضاعة، مريم حقها تختار وحقها تقول لا.

قرَّب مِني بعصبية:

- أنا معرفش عنِّك إنك ضعيفة، بتسمعي كلامهم ليه!

بصيت علىٰ الأرض:

- عشان عمتو هدِّدتني إنك هتطرُدني.

بَص لِعمتو بعصبية ومشي وهبَد الباب، وأنا دخلت أوضتي وهبَّدت الباب، ليه الإنسان ميعيشش حياته زي ما هوَ عايز! ليه السُترة جواز، هو راجِل اللي هيجيب السَتر ولا إيه؟ ده الستر مِن عند ربنا حتىٰ، مِش مُعارضة للجواز، بس لحَد دلوقتي مجاش الشخص المُناسِب، ده عُمر وحياة وأهل وعيلة وبيت بيتبنوا، ليه لازم دايمًا أبني إختياراتي علىٰ إني مينفعش أبقىٰ عانِس!


- تشربِ شاي بِنعناع!

كُنت لابسة الإسدال وقاعدة في البلكونة بَشكي حُزني لِلهموم، قطع سكوتي اللي منه لِله.

- لا شُكرًا.

ابتسَـم وقعَد:

- متضايقة مِن كلامه!

رديت بِسرعة:

- لا، واللهِ لا.. كلامه ولا يشغلني بِنكله، بس الفكرة في ماما وعمتو، مليش غيرهم يا أدهم، ليه شيفاهم العالم كله وليه شايفين إني مليش لازمة!

مَدلي الشاي بِنعناع وابتسَـم:

- عشان هُم ناس كبيرة يا مريم، يعني مثلًا أنا عندي ٣٤ سنة، ليه مِش معنِس! عشان أنا ولد، ده إعتقاد مِن زمان أوي، البنت اللي متجوزِتش فيها العيب، البنت اللي أتطلقِت العيب مِنها، حافظين مِش فاهمين مِن الأخِر.

ابتسَـمتله:

- شُكرًا عشان وقِفت جنبي.

ابتسَـم وأخد الكوباية مِن إيدي قبل ما أكمِّلها:

- الشُكرلله، يلا عشان متتأخريش بكره علىٰ الجريدة، ومش لازم تركبي ميكروباص.. أستنيني هاخدك في طريقي.

هيَ مالها أحلوِّت كده ليه! هو أنا بَبتسِـم زي العبيطة ليه دلوقتِ؟ وبعدين إيه ده، هيَ النجوم اللي بتلمَع ولا عيوني!

***

- صباح الخير.

ابتسَـمت:

- صباح النور يا أُستاذ.

ضحِك بِخفة، ألاه! أُستاذ أدهم عنده سِنان!

- برا الجريدة إسمي أدهم.

ابتسَـمت:

- إيه التغيُّر المُفاجيء ده! ها ها قولي؟

- أركبِ وهقولك في الطريق.

رِكبت فشَغل سبونج بوب في البتاع الصغنون ده، ضحِكت بفرحة:

- الله! أسبونچ بوب!

ضحِك:

- عرِفت أنك بتحبيه، فقُلت أشغلهولك.

- أشمعنا!

بَصِلي بِهدوء:

- محستكيش شبههُم، حسيتك شبهي أنا.. لاغيِّن وجودك.

- يادي الحُزن، يادي الكئابة.

ضحِك وبعدين بَصِلي بِهدوء:

- توهتِ يوم ما جيت وقُلتِ إني سمج عشان متبيبنيش إنك عارفة حكايتي وتحرجيني صح!

ابتسَـمت:

- حكايتك مِش محَل إحراج يا أدهم، أنتَ ضحية علاقة فاشلة مِش أكتر، أنا بحترمَّك بِجد، بحترم صمودك لِلنهارده، أنا بس محبتش أضايقك.

- لمَّا بابا وماما أتطلقوا وقرروا يسفروني السعودية لِخالي أستغربّت، كُنت لسه صغير عندي ١٧ سنة، قعدت هِناك ١٦ سنة، حرفيًا مفيش سنة فيهم دماغي مسألتنيش أنا ليه بابا وماما تخلّوا عني، ليه كُنت أفضل تضحيَّة، ليه يتجوزوا بدري ويجيبوا عيّل وشاب يطلعوه لِلدنيا وهو لسه صغير مُعقد ويقولوله توه، دور في الدنيا.. حقيقي مبطيقش أبُص في وشهم حتىٰ.

قصته مِن أكتر القصص حُزن اللي مرِت عليَّا، حرفيًا أتظلَّم بِشكل مُرعب، بس ربنا مقدَّرلُه ده.

- أدهم..!

بَصِلي فكمِّلت:

- أنتَ مُمكِن تعتبرني أختك، زميلتك، أي حد ترتاحله.

ضحِك بِخفة:

- أنا خلاص أعتبرتك صحبتي.


الدُنيا بدأت تنوَر، مريومة بقِت فراشة بتطير، أدهم بقىٰ مِراية بشوف فيها نفسي، بقىٰ أقوىٰ دافِع، وألطف دافِع، باين قلبي عصانِّي ودَّق.. جميل الحُب ده، تحِس نفسك في حديقة وحواليك عصافيّر بتطير، وأنتَ فراشة في النُص.

***

- ده عميد.

غمضت عيني بِهدوء:

- مش موافقة.

- يا بـ..

وقِفت بِعصبية وزعقت:

- لا يا عمتي أنا مش بنتك، ومش عانِس، وقطر الجواز مفاتنيش، أنا لسه شابة، في عِز شبابي، مُستقبلي وحياتي ماشيين، ربنا ساترني والحمدلله، أبعدوا عني بقىٰ يا عمتي.. وأنتِ يا ماما، خليكِ دايمًا كده ساكتة عن حقي، سلام.

سِبت البيت بعصبية، هبَدت الباب ونزِلت، كُنت ماشية في الشارِع بعصبية بشِعة، لِدرجة إني معمّية مِش شايفة لا الرايح ولا الجاي، لِحد.. لِحد ما جت تعدّية الشارِع، كُنت بعدي، لِحد ما جت قُدامي عربية.. عربية كبيرة، شلِّت حركتي، أخِر شيء سمعته قبل ما كُل حاجة تسوَّد قُدامي كان صوت أدهَم وهو بيصرُخ فيَّا "مَريمم!".


فتَحت عيوني وجسمي كُله مشلول مِش قادرة أحركُه، إيدي، رجلي، حتىٰ وشي مِنمل، صوت الأجهزة في كُل مكان، ريحة مُستشفىٰ، كُحول، حاجات بيضة، لِبس دكاترة، فيه دكاترة بِالفعل حواليا، كُله بيجري رايح جاي، أدهم بيزعَق مِن برا إنهم ينقذوني، "مينفعش تاخد بِنج" أنا سمعت الجُملة دي، كُل الدُنيا حواليا لكِني مِش في الدُنيا.


- مريم، أنتِ صحيتِ؟

بصيت حواليا لقيتني في أوضة في المُستشفىٰ فتَحت عيوني بِبُطء، كانت أول عيون بتلقُطها عيوني هيَ عيونه، وشه كان باهِت، تحت عينه أسوِد، ده حتىٰ دقنه كبرت.

- ربيت دقنك أمتىٰ! أنا مش لسه سيباك؟

ضحِك بِفرحة وهوَ بيبُصلي:

- بقالنا شهر! شهر بِنحاول معاكِ عشان تصحي، قاعِد جنبك وسايب شُغلي ومشاغلي لأجل عيونك بس، بقىٰ كده تخوفيني وتقطعي جِناحات قلبي عليكِ يا مريم؟

أتكلِمت بِضعف بين وجع جمسمي:

- هوَ أنتَ كُنت خايف عليا!

عيونه كانت حمرا، شعره كان منعكِش ولما جيه يعيط مناخيره كمان إحمرِت:

- صدقيني أترَعبت، قلبي خاف مِن خُسارتك يا مريم، إتشَّل تفكيري مِن فكرة إنك تمشي، ده أنتِ الوحيدة اللي قلبي دَّقِلها!

ابتسَـمت ودموعي بِتنزل غصب عني:

- قلبك دَّق لِمين!

ابتسَـم وهوَ بيساعِدني أعدِّل قعدتي:

- ليكِ يا مريم، ليكِ أنتِ وبس.. تخيلي شهر بحالُه مستنيكِ تصحي عشان نكتب الكِتاب!

عيوني دمعِت غصب عني:

- عشان مكسرش الـ ٣٢!

ضحِك بِخفة:

- تؤتؤ، عشان متكسريش قلبي.. يرضيكِ يعني تكسري قلبي!

ابتسَـمت وِسط دموعي:

- لا ميرضنيش.


خرجت بعدها بِحوالي خمس أيام، لقيت البيت جاهِز، ماما، عمتو، وحتىٰ عمو بابا أدهم ومراته، كُله جاهِز حتىٰ المأذون، مِش ناقِص غير إمضتي.


"بارك اللهُ لكُما وبارك عليكُما وجمَّع بينكم في خيرٍ إن شاء الله."


قام شدِّني لِحُضنه:

- نصيبك متأخرش يا مريوم، ربنا كان شايلك ليَّا لِأني أستاهلك، ولأنك تستاهليني، أنا قدرك يا مريوم، تدري ليش!

ضحِكت وأنا بحضُنه:

- عشان مريوم لِأدهوم وأدهوم لِمريم!

 - عشان أدهوم مينفَعش يكون لِحد غير مريوم.


"كُل الطُرق لِلهرَب مِنك تُؤدي إليك، فَـ.. لِأين سأهرُب!" 


Report Page