.....

.....


مقال للكاتب حسن أبو هنية
أردني خبير في الحركات الإسلامية بعنوان : تنظيم "الدولة الإسلامية" ما بعد البغدادي

أسدِل الستار مؤخرا على حقبة قيادة أبو بكر البغدادي لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وذلك ليلة الأحد (27 أكتوبر/تشرين أول 2019) بغارة جوية أميركية شاركت فيها مقاتلات حربية وطائرات مسيرة مفاجئة، وقتلت خلالها قوةٌ أميركية خاصة البغدادي في محافظة إدلب شمال غربي سوريا.

وقد أثيرت جملة من الأسئلة بشأن مستقبل التنظيم ما بعد البغدادي، ودلالة توقيت عملية الاغتيال، ومعرفة هوية الزعيم الجديد، وماهية الإستراتيجيات والآليات القتالية التي سيلجأ إليها التنظيم بعد خسارته لقائده، ومدى مصداقية ادعاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب القضاء على "خلافة داعش 100%".

إن أي قراءة تعرفية دقيقة لطبيعة السيناريوهات المستقبلية لتنظيم "الدولة الإسلامية" بعد البغدادي، لا بد أن تستند إلى فهم طبيعية الهيكلة التنظيمة، والسردية الإيديولوجية لتنظيم الدولة مقارنة بالتنظيمات الجهادية الأخرى، ومعرفة ماهيىة العناصر المنتمية إليه.

فعندما تولى البغدادي زعامة تنظيم "الدولة الإسلامية" بالعراق -منذ قرابة تسع سنوات- خلفا لأبي عمر البغدادي، ورث منظمة محاصَرة ومشتتة وضعيفة وهشة ومتداعية وتوشك على الأفول، وسرعان ما صعد بالتنظيم خلال أربعة أعوام ليصبح قوة قتالية مرعبة تسيطر على مساحات واسعة بالعراق وسوريا ويتمدد في بلدان عديدة، وقد تطلب وقف تمدده وإنهاء سيطرته المكانية تشكيل تحالف دولي من أكثر من 75 دولة بقيادة الولايات المتحدة.

وسط محيط تسود فيه ذهنية المؤامرة؛ ثمة قناعة شائعة أن أميركا -فضلا عن غيرها من القوى- لم تكن جادة في اغتيال البغدادي، وأنها كانت توظفه لتحقيق أجندة سياسية وأهداف إستراتيجية، وتفسر نظرية المؤامرة هذه نجاح عملية اغتيال البغدادي بانتهاء دوره الوظيفي؛ لكن الحقيقة أن اغتيال البغدادي لم يكن مهمة سهلة، فمنذ صعود نجمه تواصلت عمليات تعقُّبه لاغتياله من أطراف محلية وإقليمية ودولية عديدة، ووضعت واشنطن مكافأة مالية كبيرة (25 مليون دولار) لمن يدلي بمعلومات تقود إلى مكانه.

وقد نجا البغدادي من سلسة طويلة من محاولات الاغتيال بهجمات جوية، وأصيب مرة واحدة على الأقل -بحسب تقارير استخبارية- وأعلن عن مقتله مرات عديدة. وزعمت الحكومة العراقية أنها تمكنت من قتله أكثر من مرة، وجاءت عملية الاغتيال الأخيرة الناجحة تتويجا لسلسلة طويلة من العمليات الفاشلة السابقة.

لقد أعلِن مقتل البغدادي عدة مرات من قبل أطراف مختلفة، ومن أشهرها إعلان وزارة الدفاع الروسية في 16 يونيو/حزيران 2017 بأن ثمة معلومات تدل على مقتل البغدادي بإحدى غارات القوات الجوية الروسية على الرقة السورية موضع شك، وقد تكاثرت إعلانات مقتل البغدادي عقب سيطرة التنظيم على الموصل 2014، بلغت ذروتها في مارس/آذار 2015.

"إن أي قراءة تعرفية دقيقة لطبيعة السيناريوهات المستقبلية لتنظيم "الدولة الإسلامية" بعد البغدادي، لا بد أن تستند إلى فهم طبيعية الهيكلة التنظيمة، والسردية الإيديولوجية لتنظيم الدولة مقارنة بالتنظيمات الجهادية الأخرى، ومعرفة ماهيىة العناصر المنتمية إليه"

يعتبر تنظيم الدولة الإسلامية من أكثر التنظيمات الجهادية تطورا على صعيد تماسك الهيكلة التنظيمية والصلابة الإيديولوجية، فقد شكّل ذروة تطور غير مألوفة في نشاط الجماعات "الجهادية" العالمية، وبدت هيكلته وإيديولوجيته مبتكرة في العديد من خصائصها وإستراتيجياتها.

فرغم طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" من مناطق سيطرته الحضرية المدينية في العراق وسوريا، وخسارته آخر جيب مكاني له في بلدة الباغوز بمحافظة دير الزور يوم 23 مارس/آذار 2018 على أيدي "قوات سوريا الديمقراطية"، بدعم من قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن؛ فإن التنظيم لا يزال يتمتع بقدرات قتالية وتمويلية وإعلامية كبيرة.

وقد كشفت الوقائع الميدانية عن سرعة تكيّف التنظيم مع التطورات الميدانية، وتمتعه بمرونة شديدة بالتحول من نهج المركزية إلى حالة اللامركزية؛ حيث تمكن من إجراء إعادة هيكلة تنظيمية على الصعيد العسكري والأمني والإداري والشرعي والإعلامي، فمع نهاية المشروع السياسي للتنظيم كدولة "خلافة"، عاد إلى حالة "المنظمة"، ورجع إلى الاعتماد على تكتيكاته القتالية التقليدية بالاعتماد على نهج الاستنزاف وحرب العصابات.

في هذا السياق؛ فإن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القضاء على تنظيم الدولة بعد مقتل البغدادي، لا يعدو كونه جهلا فاضحا، وكذبا واضحا، وتبريرا لقراره الانسحاب من سوريا. وقد أعلن ترامب قبل ذلك عن هزيمة "داعش" 16 مرة، وهو ما لا يشاركه في تقييمه أحد في العالم، ولذلك تولت الردود على ادعاءاته على نطاق واسع.

فجو بايدن المنافس لترامب على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لمنافسة ترامب في انتخابات 2020، قال: إن "تنظيم الدولة الإسلامية ما زال يمثل تهديدا للشعب الأميركي ولحلفائنا، وعلينا مواصلة الضغط لمنعه من إعادة تجميع صف

Report Page