••

••

مها الحربي في سطور 📜


‏مها الحربي، فتاة نشأت في أسرة محبة للعلم والقرآن، عاشت حياتها بين الكتب ومن مسجد لآخر ومن درس إلى درس، حتى أصبحت تعرف بنشاطها وتميزها بين قريناتها، رغم صغر سنها إلا أنها كانت شعلة من النشاط، وقد آتاها الله لسانا فصيحا، وحجة محكمة، وأساليب تعليمية ودعوية ‏وكل من قرأ لها كان يظنها في ال40 من عمرها، وحين يقابلها ينصدم بصغر سنها ورجاحة عقلها وأدبها.


مها من الصالحالت نحسبها والله حسيبها، شديدة البر بوالديها، وكنت أتعجب من فقهها لمعنى البر وهي في هذه السن الصغيرة، أحب إخوتها إلى والديها، وأقربهم، فهي أصغرهم والوحيدة التي لم تتزوج بعد


‏نبغت في حفظ القرآن وإتقانه، وكانت شغوفة بخدمة كتاب الله، وبدأت رحلتها مع التعليم عن بعد، وكانت تدير مجموعاتها وحيدة، وفتح الله عليها أن كانت المجموعات بأعداد كبيرة، وكانت صاحبة خلق ورفق وأدب مع الطالبات مما زادهن قربا منها وإقبالا على حلقاتها. 


‏كانت صاحبة قلب رقيق ودمعة قريبة، شديدة التأثر بالقرآن، إذا قرأت بكت وأبكت، وكانت تقوم من الليل ساعات طويلة تجاهد نفسها في الصلاة لتتقن القرآن، تجد قرآنها يلازمها في كل مكان، وكانت بعض الصديقات يطلبن منها في المجالس العامة، أن تسمعهن شيئا من القرآن فتستجيب لهن بكل أدب ورفق .


‏ثم نبغت في حفظ الحديث، فكانت تحفظ الصحيحين وكتاب البلوغ والأربعين النووية، واللؤلؤ والمرجان والكثير الكثير من المتون العلمية والمعلقات والألفية، وغيرها من الكتب، وأجيزت بالكثير من المتون العلمية، كثيرة الإطلاع والقراءة في كتب التفاسير وكل ما يخص القرآن الكريم.


‏كانت تمشي في الصلح بين الناس ولا تعلم عن خصام بين صديقتين أو أحد الأقارب وغيرهم ممن تعرفهم، إلا وبادرت للصلح بينهم، ورغم صغر سنها إلا أنها كانت تقول: "هذا دأب والدي ومنه أتعلم هذا العمل العظيم" ، وكان حفظه الله يشجعها على هذا ويشد على يدها .


وكانت تسعى على حوائج الضعفاء والمحتاجين ‏وكم مرة رافقتها، وتتنكر حتى لا تعرف ولا تخبر باسمها وتبقى بغطاء وجهها، وإذا خرجنا قلت لها لما لم ترفعي الغطاء؟فتجيب: "حتى لا يحفظوا شكلي ولا يعرفونني أبدا،فإني أتيتهم لله لا لغير ذلك"، وكانت شديدة الحرص على كتم هذا، وكانت قد أخذت الإذن من أهلها في هذا الأمر، ويعلم الله كم ذهبت من غيري .


‏كانت خفيفة الروح شديدة الحياء، هينة لينة، لا تعرف العناد، شديدة الرفق بكبار السن، شديدة الشفقة عليهم، رحيمة بهم وبالجميع والله، لا تتحدث كثيرا، كثيرة الصمت والتأمل، لم أرها يوما غاضبة رغم كثرة المواقف التي كانت تحدث إلا أنها لا تزيد على الله المستعان، غفر الله لكم .


‏مؤخرا بدأت تصمت أكثر وتقول أختها بدأت لا تنام كما كانت سابقا، حيث أن والدتها تقوم من الليل، فتجدها مستيقظة، تسمع صوت تلاوتها، وتارة صلاتها، وكانت سابقا تقوم من الليل نصفه وربما أقل قليلا، ولكن مؤخرا كانت تقوم الليل كله ‏وتقول والدتها، بدأت ألاحظ زيادة وردها من القرآن، فكل يومين أسمعها تكرر نفس السور، وهذا يعني أنها ختمت وبدأت من جديد.


في عصر يوم الأحد قالت لأهلها أريد الذهاب للحرم المكي، وخرجت فالتقتها إحدى الصديقات في ساحة الحرم، وكانت السماء تمطر مع صلاة المغرب، فقالت: "ما أجمل هذا اليوم ‏أشعر بخفة عجيبة"، وقالت لصديقتها شعرت والشيخ يقرأ في الركعة الأولى -كان أول يوم لإمامة الشيخ ياسر الدوسري- شعرت بشيء يسري في جسدي، كأنها السعادة تنبت فيه،ثم لما قرأ في الثانية بسورة الشرح، قالت انشرح صدري وشعرت بروحي تتلهف للصعود إلى السماء.


‏كان اللقاء بينهم قصير، وانقطعت أخبار مها حتى مساء الخميس، حيث وصلتنا رسالة جماعية من جوالها، دعواتكم لمها فهي في غرفة العمليات/ والصحيح أن أختها تلخبطت من السرعة والخوف، فأرادت القول في العناية وليس العمليات، وكانت مها قد تعرضت لأزمة قلبية، أدخلت العناية واستيقظت.


‏وهنا بدأت حكاية الرحيل: 💔


استيقظت مها وذكرت الله وتشهدت مرارا، وقالت لأمها لا تحزني واصبري يا أمي، ثم نظرت إلى والدها وقالت: "قد كنت لي نعم الأب فهل كنت لك نعم البنت؟" قال: "نعم والله كنت كذلك"، وقالت رضاكم عني، قالوا رضينا عليك اللهم ارضى عنها. 


ثم قالت لأمها أعطيني القرآن يا أمي ‏فأعطتها ، فضمته إلى صدرها وقالت: "والله إنك لا تخذل صاحبك"، ثم قالت : "يا رب إن كنت مقبلة عليك فتقبلني بقبول حسن وأكرم وفاتي وأنت الرحمن الرحيم"، وأوصت أهلها، ومكثت تذكر الله وتنظر إلى أهلها حتى فاضت روحها، رحمها الله وغفر لها وأكرم نزلها ووسع مدخلها وجمعنا بها في الجنة.



وصية مها الحربي:


‏قد يطول الغياب، ولعلي لا ألقاكم بعد يومي هذا.

فأوصيكم ونفسي:

لا تبدلوا ولا تغيروا،فإن هذا العمر قصير،وإن طالت أعوامه،أقبِلوا على الله،جدوا في طلب العلم،اجتهدوا في العبادة،لا تركنوا إلى دنيا فانية،ولا إلى صاحب هوى،ولا تميلوا عند ضال فتسقطوا في براثن التيه=


‏واعلموا أنكم ستلقون الله وسيسألكم ماذا فعلتم في هذه الأرض التي استخلفكم فيها لعبادته.

ستتغير هذه الدنيا وتتبدل أحوالها،وسترون النكوص يتجسد أمامكم،وستشعرون بالغربة!فاثبتوا وتمسكوا بعرى الإسلام،ولا تضعفوا،فما دمتم لله ومع الله فهو يتولاكم سبحانه.

أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.


رحم الله مها الحربي





Report Page