💗

💗



الفصل الرابع والعشرون.

سنوات حُرِمَت من الراحة لا هناء في النوم لامتعة في الحياة ألم يتبعه ألم وللمرة الأولى تنعم بنومها متدثرة بفراشها تحتضن أغطيتها لترفع مستوى راحتها، تبتسم في نومها كطفلة تحتضنها أمها لتغرق في سبات عميق ينتهي بكابوس مطبق، صرخات فزعة تسرقها بعنف من حلم وردي استحسنته لتنفرج أهدابها بغتة، وتركل أغطيتها وتنهض مسرعة باحثة بصدمة عن مصدر الصرخات، تتطلع حولها بصدمة لتكتشف أنها ليست بغرفتها، ثانية تلو الأخرى حتى تذكرت ماحدث قبل نومها لتهرول مسرعة صوب الباب على مصدر الآهات، تتجمد أوصالها، تجخظ عيناها تلثم براحتها فاهها لتخفى انفراجه وعينيها تتابع الحدث بصدمة مهولة، تقترب بخطوات مرتعشة من ملك ترفعها عن الأرض من فوق جثمان أمها؛ تحتضنها بقوة لتمتص ألمها فتنتفض بين يديها ملك وتبتعد عنها صارخة، تصدم الجميع بقولها:

ابعدي عني أهي ماتت اللي قهرتيها طول عمرها.

تدخل سعيد قائلا بحزم :

ملك ملوش لزوم كلام زي دا.

صمتت حسناء واستسلمت لفيض من دموعها تنسدل على وجهها.

تطلعت حولها لتري الحزن متجلي بعين كريم ولكنه آثر الصمت عن الحديث، ابتعدت عنهم لتذهب لأولادها فتضمهم لتستمد القوة من أحضانهم وتمدهم بأمان يحتاجونه الآن بشدة..

تحرك سعيد نحوها ليجذبها من يدها ويحيط كتفها بحنان يربت عليها هامسا بأذنها :

حمدالله علي سلامتك خدي العيال واطلعي الشقة.

تطلعت له بدهشة وعينيها مكتظة بالدموع وقالت بصوت مختنق:

مش هطلع واسيب ملك وكريم لوحدهم متخافش عليا أنا مقدرة إحساسهم.

تنهد بحزن وقال :

بس خايف تتعبي.

هزت رأسها نفيا وقالت :

انا حاسة بقوة غريبة متقلقش مش هطلع واسيبهم لوحدهم، في ظرف زي دا..

استدار عنها واقترب من ملك مسد بحنان علي شعرها واقترب من جبينها يقبله فتحدثت بين نحيبها قائلة بلوم :

موديتهاش مستشفى ليه يابابا كانوا ممكن لحقوها وعملولها حاجة.

احتضن رأسها وقال بتأثر :

والله ياحبيبتي ملحقت ربنا استرد أمانته بسرعة وبان للأعمي انها اتوفت بدل متتبهدل في المستشفى جبتها عالبيت.

اقترب كريم منها وصوته يرفض مغادرة حلقه ربت علي كتفها فاستدارت تدفن بحضنه حزنها وتصرخ بألم وفمها مكتوم بكتفه.

ماما ياكريم ماما راحت خلاص.

شدد بيده علي حضنها ليهدئ ألمها غير عابئ بنيران حزنه التي تلتهم قلبه وكل همه تهدئة صغيرته،

أشارت حسناء لأطفالها للصعود والبعد عن المشهد المفجع واقتربت هي من ملك مرة أخري بمحاولة بائسة لتواسيها فقدها وتشعرها بقربها منها، انتفضت ملك من لمسة حسناء وكأن جمر لمس جسدها فصرخت وتأوهت بعنفوان أفزع حسناء وجعلها تتراجع بحزن وخاطر منكسر تلاقت عيناها بعيني كريم فضيق عيناه بإشارة منه للإعتذار منها، أومأت برأسها وعلى وجهها ترتسم ملامح الحزن والأسى، لم تتوقع أو يخطر ببالها تلك المعاملة الصادمة من ملك وكأنها ألقت على عاتقها موت أمها،

صمت مهيب صاحب دخول هاني برفقة فريق من النسوة وبيدهم كفن، يدنون منها ليجهزونها فتنقل من بيتها للحدها، تراقبهم ملك بعينيها المشتعلة تسارعت أنفاسها لتسقط على الأرض تحتضن أمها مرة أخيرة قبل أن يرفعوها من فوقها وألسنتهم تردد الشهادتين وهمهات بكلمات تبث العزيمة داخلها من

_ كل نفس ذائقة الموت

_اذكري الله ياحبيبتي.

جملة والأخرى وتراقبهم ملك، والحزن هو المسيطر عليها، سرق روحها لتراقبهم كشبح تتمنى لو تستطيع مرافقة أمها لداخل قبرها،

اقترب هاني منها وأمسك كتفها ورجّ جسدها بقوة لترفع عينيها تلاقي خاصته، أدمته الحمرة التي أشعلت عينيها وفاحتضنها بقوة وربت علي ظهرها لتشهق هي بألم وتخبره بمرارها يحاول تهدئتها ويتمنى لو استطاع إخبارها تلك الحقيقة المخزية التي عرفها من سويعات قليلة،

تطلع له سعيد وكأنه قرأ مايدور بخلده، قطب حاجبيه ورمقه بنظرة يستجديه بها ليصمت ويبقى علي السر دفين بينهم.

تفهم هاني نظرته فأغمض عينيه بإشارة لسعيد على تفهمه.

Marwa elgendyعند قمر

انتهي العشاء بسلاسة وبعد توديع الضيف عادت سحابة الغضب لتغيم فوق الرؤوس وتطمس قلوب ساكني المنزل بالحزن لم تعد تشعر قمر بتلك الفراشات المدغدغة لقلبها وكل مايشغلها الان رؤية السعادة بعيني والديها أكم من السنوات حلمت بانقشاع الحزن لترى منزلها كما تمنت كم أمضت ساعات وساعات خلف شاشة حاسوبها تبحث عن وسيلة تسترد بها لأبيها سعادته والان وقد بات يرى وعاد لكامل صحته أما آن الآوان لينعموا بقليل من الهناء لم يعتصر الألم قلوبهم لم الرعب بعين والدتها والحزن بعين والدها يالها من مرارة تتجرعها فتؤلم روحها ’

ليتني لم أرى تلك الرسائل ليتني لم أزف لأبي أمل بلم الشمل فترتعب أمي ويهلك القلق قلبها لو يمكنني العودة بالزمن.

طرقة علي الباب جعلتها تنتفض لتخفي دفتر يومياتها اسفل وسادتها وتعتدل علي فراشها وتقول :

اتفضل

لتدلف والدتها وعلي وجهها ابتسامة باهتة تقترب منها وتحنو بجزعها لتقبل رأسها وتقول :

حبيبتي لسة صاحية ليه؟ وبعدين إنتِ بقالك فترة مهملة في مذاكرتك مينفعش ياقلبي دي آخر سنة!

رفعت قمر عينيها إليها ورغما عنها تفر دمعه من مقلتيها؛

فيظهر التأثر علي وجه عفاف، وتجلس جوارها تحتضنها وتقبل كتفها، وتبادلها البكاء يرتفع نحيبها؛ فتحتضنها قمر وتحاول تهدئتها تهمس بأذنها قائلة :

كفاية ياماما عشان خاطري حاولي تنسي اللي حصل زمان وعديه عشان خاطري وخاطر بابا.

تنهدت عفاف بحرارة وبعد وقت استطاعت الهدوء وقالت بصوت خفيض :

مش قادرة أنسى جوعنا وبهدلتنا ولا قادرة أنسى رميتك بتموتي قدام عيني ورمية أبوكِ كل دا مش قادرة أعديه ياقمر، انا اتعذبت وأنا صغيرة كتير أوي عشت في الملجأ واتبهدلت أوي ولما جيت ارتاح شوية بهدلوني أكتر من الملجأ مية مرة.

زفرت قمر وخرج من صدرها تنهيدة أقوى كأنها تسابق والدتها باخراج مكنون روحها، ربتت على كتفها تتمنى لو تربت على روحها لو انتزعت حزنها،

رسمت ابتسامة خفيفة بصعوبة على شفتيها وقالت:

خلاص ياماما محدش هيجبرك تعملي حاجة مش عاوزاها!

تنهدت بحرارة واستطردت :

أصلا معرفش كلام كريم وحكاياته عن أهله حقيقية ولا لا ممكن عمي ميكونش اتغير وملك كمان.

شعرت عفاف براحة فتطلعت لقمر بنظرة أمل وتمسكت بقولها فرددت :

ممكن فعلا يكون بيقول كدا عشان يخلينا نفكر نرجع.

ابتسامة مرتعشة ودموع تتلألأ داخل عينيها تجاهد لتخفيها، وصورة والدها بنظرته الحزينة ومضت بعقلها كأنها تخبرها بخطورة قولها؛

أشاحت عفاف عينيها عنها كأنها ترفض رؤية الحقيقة المرتسمة بعناية على وجهها ونجحت في تبديل موضوع النقاش بقولها :

على فكرة زين بيحبك.

قطبت قمر حاجبها وقالت بتساؤل :

عرفتي ازاي يعني؟

ابتسمت عفاف وأردفت :

عرفت منه وهو مستني يتأكد منك، بس أنا حسة ان في مشاعر من ناحيتك بردو.

ازدردت قمر ماء حلقها وبعد برهة من التفكير قالت :

ماما أنا فعلا مبقيتش فاهمة مشاعري انا لما شفت الإعجاب في عين يوسف حسيت اني لقيت اللي بدور عليه، ولما شفت نفس الاعجاب في عين زين حسيت نفس الشكل بس انا تخطيت يوسف بسرعة أوي ودا أكدلي انها مشاعر وهمية، ملأت صدرها بالهواء واستكملت حديثها وعينيها بالأرض خجلا وأناملها تتشابك بتوتر :

مش عارفة ليه حسة ان مشاعري لزين بردو وهم.

رمقتها عفاف بتساؤل وقالت :

مش فاهمة تقصدي إيه؟ يعني انتِ بتعترفي انك معجبة بزين؟ وفي نفس الوقت مش معجبة بيه؟

ضغطت قمر علي يديها بقوة توحي بتوترها فمدت عفاف يدها وضغطت علي راحتها بخفة تطمئمها وقالت :

اهدي ياقمر محدش عمره هيجبرك علي حاجة مهما حصل متخافيش.

ابتسامة صافية عبرت بها قمر عن امتنانها واحتضنت والدتها بقوة وتحدثت جوار أذنها قائلة :

ربنا يخليكي ليا ياماما، بس بجد مش هقدر ارتبط بزين ولا بغيره دلوقتي.

اومأن عفاف برأسها وخرجت من الغرفة تفكر بحديث ابنتها، بحثت بالمنزل عن زوجها

وأخيرا تلاقت بعينيه لتبحر العينان بعتاب يرهق كل منهما انتهى باقترابها منه لتلقي برأسها علي صدرة , أغمض عينيه مقاوما لريحقها حتى يقع أثيرا لسحر عبقها الذى عشقه دوما التفت ذراعاه تطوقها ولغة الصمت هيمنت عليهم لتكن لهم خير من ألف كلمة , سبة من الزمن كم تقريبا لا يعرف أحدهم وأخيرا قطع نبيل الصمت بقوله :

وحشتني مراتي بتاعة زمان بحنيتها وقلة حيلتها , رفع بيده زقنها ليبحر بزرقة عينيها مناجيا لها بعينيه , ابتسم وأردف :

فاكرة كنتي بتستخبي فيا زي العيلة الصغيرة ازاى ؟ كنت أمانك والاحساس دا وحشني أوي

تموج الدمع بعينيها فانسابت واحدة وقبل سقوطها تلقفها بيده وتجركت أنامله علي وجهها , أمسكت بكف يده تقبله بحب وقالت :

أنا كمان وحشني أرتاح وأتسند عليك ..

تنفس رائحتها بشوق وقال :

خلاص ارتاحي واطمني أنا دلوقتي أقدر أسندك ولو حتى رجعت لأخويا محدش هيقدر يأذيكم وأنا موجود

فهمت المغزى من حديثه فتراجعت للخلف والغضب تملك من ملامحها ونبرة صوتها وقالت :

مش هنرجع يانبيل مش هجرب حتى هنتعذب ولا لا ..

عبس وجهه ورمقها بحزن قائلا

للدرجة دي ! معندكيش احترام لمشاعرى ولا ثقة في كلامي ؟

طأطأ رأسه بالأرض وتحرك من أمامها ليستوقفه صوت ارتطام جسدها بالأرض فالتفتت لها وصرخ بهلع :

عفااااف ..

منزل علي الطراز الحديث محاط بسياج أبيض اللون وحديقة بديعة الجمال يتوسطها مسبح صغير على حافته أرجوحة تصدر صرير مع كل حركة جعلت زين ينتبه لصوتها فالتفت صوبها , اقترب منها وزفر بضيق قائلا:

بتعملي ايه هنا ؟

توقفت عن التأرجح وهبت واقفة لتقترب بغنج قائلة :

وحشتني جيت أشوفك وبقالي كتير مستنياك هنا ..

رفعت يدها تلمس رقبته برقة متناهية وهي تهمس بأذنه قائلة :

عندي ليك خبر مش عارفة هيعجبك ولا لا .

أمسك يديها ليبعدها عن رقبته ورمقها بتساؤل وقال :

خير ؟

مالت برأسها عليه لتقترب من أذنه وتهمس قائلة :

أنا حامل ..

يتبع...

 

 


Report Page