....

....

البردوني


قصيدة : أبو تمام وعروبة اليوم

ديوان: لعيني أم بلقيس


مــا أصــدقَ الـسَّيفَ إنْ لـم يُـنضهِ الـكَذِبُ

وأكــذبَ الـسَّـيفَ إن لــم يـصدُقِ الـغضبُ


بــيـضُ الـصـفـائحِ أهـــدى حـيـن تـحـمِلُها

أيـــــدٍ إذا غــلَــبـت يــعـلـو بــهــا الــغَـلَـبُ


وأقــبـح الـنـصـرِ .. نــصـرُ الأقــويـاءِ بـــلا

فَـهْـمٍ ســوى فـهمِ كـم بـاعوا وكـم كَـسبوا


أدهـــى مـــن الـجـهلِ عـلـمٌ يـطـمئنُّ إلــى

أنـصـافِ نــاسٍ طـغَـوا بـالـعلمِ واغـتصبوا


قــالـوا: هـــمُ الـبـشر الأرقــى ومــا أكـلـوا

شـيـئـاً كــمـا أكــلـوا الإنــسـانَ أو شــربـوا


مــــاذا جــــرى يــــا أبـــا تــمَّـام تـسـألُـني

عــفـواً ســـأروي ولا تـسـألْ ومــا الـسـببُ


يُــدمــي الــسـؤالُ حــيـاءً حــيـن نـسـألـه

كـيف احتفت بالعِدى «حيفا» أو «النَّقبُ»


مــــن ذا يُـلـبِّـي؟ أمـــا إصـــرارُ مـعـتـصمٍ

كلا وأخزى من «الأفشينِ» ما صُلبوا «1»


الــيـوم عـــادت عُـلـوجُ «الــرُّومِ» فـاتـحةً

ومــوطِــنَ الــعـرَبِ الـمـسـلوبِ والـسَّـلَـبُ


مــــاذا فـعـلـنا؟ غـضِـبـنا كـالـرجـالِ ولـــم

نَــصـدُق وقــد صَــدَقَ الـتَّـنجيمُ والـكُـتبُ


فــأطـفـأت شُــهُــب «الـمـيـراجِ» أنـجُـمَـنا

وشــمـسَـنـا وتــحــدَّت نــارَهــا الــحـطـبُ


وقــاتــلـت دونـــنــا الأبـــــواقُ صـــامــدةً

أمــــا الــرجــال فــمـاتـوا ثَــــمَّ أو هــربـوا


حُـكـامـنا إن تــصـدوا لـلـحـمى اقـتـحـموا

وإن تــصــدَّى لـــه الـمُـسـتعمر انـسـحـبوا


هـــم يـفـرشـون لـجـيـشِ الـغـزوِ أعـيُـنَهم

ويـــدَّعـــون وثُـــوبــاً قـــبــل أن يــثِــبـوا


الـحـاكـمـون و «واشــنـطـن» حـكـومـتهُم

والــلَّامــعـون ومــــا شَــعُّــوا ولا غــربــوا


الــقـاتـلـون نـــبــوغَ الــشَّــعـبِ تَــرضــيـةً

لـلـمُـعـتـديـن ومـــــا أجْــدَتــهُـم الـــقــربُ


لـهم شُـموخ «الـمُثَنَّى» ظـاهراً ولـهم «2»

هـــوىً إلـــى «بـابـك الـخُـرميِّ» يـنـتسبُ


مــا ذا تــرى يــا «أبــا تـمـام» هــل كـذبَتْ

أحـسـابُـنا؟ أو تـنـاسـى عِــرقَـه الــذهـبُ؟


عــروبــةُ الــيــومِ أُخــــرى لا يــنِـمُّ عــلـى

وجـــودهــا اســـــمٌ ولا لــــونٌ ولا لــقــبُ


تــســعـون ألـــفــاً «لــعـمـوريَّـةِ» اتَّــقَــدوا

ولــلــمُـنَـجِّـمِ قـــالـــوا: إنَّـــنـــا الــشُــهــبُ


قـيـلَ: انـتـظار قـطاف الـكَرمِ مـا انـتظروا

نُــضــجَ الـعـنـاقـيدِ لــكـن قـبـلَـها الـتـهـبوا


والــيــوم تـسـعـون مـلـيـوناً ومـــا بَـلـغـوا

نُـضـجـاً وقـــد عُــصـرَ الـزيـتـونُ والـعـنبُ


تـنـسـى الـــرؤوسُ الـعـوالي نــارَ نـخـوتِها

إذا امــتـطـاهـا إلـــــى أســيــادِه الــذَّنَــبُ


«حـبـيبُ» وافـيـتُ مــن صـنعاء يـحملُني

نــسـرٌ وخــلـفَ ضـلـوعـي يـلـهـثُ الـعـربُ


مــــاذا أُحـــدِّثُ عـــن صـنـعـاءَ يـــا أَبَـــتِ

مــلـيـحـةٌ عــاشـقَـاهـا الــسِّــلُّ والــجَــربُ


مـاتتْ بـصندوقِ «وضـاحٍ» بـلا ثـمنٍ «3»

ولــم يـمُتْ فـي حَـشاها الـعشقُ والـطَّربُ


كــانـت تُــراقِـبُ صُـبـحَ الـبـعثِ فـانـبعثت

فــي الـحُـلم ثــم ارتـمـت تـغـفو وتـرتـقبُ


لـكـنَّـها رُغـــم بُــخـلِ الـغـيث مــا بَـرِحَـتْ

حُـبلى وفـي بَـطنِها «قحطان» أو «كَرِبُ»


وفـــي أســـى مُـقـلـتيها يـغـتـلي «يـمـنٌ»

ثــــانٍ كــحُـلـم الــصِّـبـا يــنــأى ويـقـتـربُ


حـبـيبُ تـسـأل عــن حـالـي وكـيـف أنــا؟

شــبَّـابـةٌ فــــي شــفــاهِ الــريــح تـنـتـحبُ


كــانـت بــلادكَ «رحــلاً» ظـهـر «نـاجـيةٍ»

أمـــــا بـــــلادي فـــــلا ظــهــرٌ ولا غَــبَــبُ


أرعــيــت كُــــلَّ جــديــبٍ لــحــم راحــلـةٍ

كــانـت رعــتـهُ ومـــاءُ الـــرَّوضِ يـنـسكبُ


ورُحـــتَ مـــن ســفـرٍ مُــضـنٍ إلـــى سـفـرٍ

أضــنـى ... لأنَّ طــريـقَ الــرَّاحـةِ الـتَّـعـبُ


لــكِـن أنـــا راحـــلٌ فـــي غــيـرِ مــا سـفـرٍ

رَحـلي دمـي .. وطـريقي الجمرُ والحطبُ


إذا امــتــطـيـتَ ركـــابـــاً لــلــنَّـوى فـــأنــا

فــي داخـلـي .. أمـتـطي نــاري وأغـتـربُ


قــبـري ومــأسـاةُ مــيـلادي عــلـى كـتـفي

وحــولــي الــعــدمُ الـمـنـفوخُ والـصَّـخَـبُ


«حـبـيـبُ» هـــذا صـــداكَ الـيـوم أُنـشِـدُهُ

لــكــن لــمــاذا تـــرى وَجــهـي وتـكـتـئبُ؟


مــاذا؟ أتـعـجبُ مـن شَـيبي عـلى صِـغَري

إنِّــي ولِــدتُ عـجـوزاً ... كـيـف تـعتجبُ؟


والــيـوم أذوي وطــيـشُ الــفَـنِّ يـعـزُفـني

والأربـــعـــونَ عـــلـــى خـــــدَّيَّ تــلـتـهـبُ


كــــذا إذا ابــيَـضَّ إيــنـاعُ الـحـيـاةِ عــلـى

وجــــهِ الأديــــبِ أضــــاءَ الـفِـكـرُ والأدبُ


وأنــتَ مَــن شِـبـتَ قـبـلَ الأربـعـين عـلـى

نــــارِ «الـحـمـاسـةِ» تـجـلـوهـا وتـنـتـحبُ


وتــجــتـدي كــــلَّ لــــصٍ مُــتــرفٍ هِــبــةً

وأنـــتَ تُـعـطـيه شِــعـراً فــوق مــا يـهَـبُ


شـرَّقـت غـرَّبـتَ مـن «والٍ» إلـى «مـلكٍ»

يــحُـثُّـكَ الــفـقـرُ ... أو يـقـتـادك الـطَّـلـبُ


طـوَّفتَ حتى وصلتَ «الموصل» انطفأتْ

فــيــكَ الأمــانــي ولـــم يـشـبـع لــهـا أربُ


لـــكــنَّ مـــــوتَ الـمـجـيـدِ الــفــذَّ يــبــدأهُ

ولادةً مـــــن صِــبــاهـا تــرضــعُ الــحِـقَـبُ


«حـبـيـبُ» مـــا زال فــي عـيـنيكَ أسـئـلةٌ

تــبــدو .. وتَــنـسـى حـكـايـاهـا فـتـنـتقبُ


ومـــــا تـــــزالُ بـحـلـقـي ألــــفُ مُـبـكـيـةٍ

مــن رهـبـةِ الـبَـوحِ تـسـتحيي وتـضـطربُ


يــكــفـيـكَ أنَّ عِـــدانــا أهـــــدروا دمَـــنــا

ونــحــنُ مــــن دمِــنـا نـحـسـو ونـحـتـلبُ


ســحــائـبُ الــغــزوِ تَـشـويـنـا وتـحـجـبُـنا

يــومـاً سـتـحـبَلُ مـــن إرعــادنـا الـسُّـحُبُ


ألا تـــــرى يـــــا «أبـــــا تـــمَّــام» بــارِقـنـا

«إنَّ الـسَّـمـاء تُــرَجَّـى حــيـنَ تـحـتـجِبُ»



ديسمبر 1971 م


«1» «حيدر الأفشين»: كان قائد جيش المعتصم ، فخانه فصلب وأحرقوقال أبو تمام في حرقه: رائيته الشهيرة: الحق أبلج والسيوف غواري .. الخ


«2» «المثنى»: هو المثنى بن حارثة الشيباني .. الفارس الشهير


«3» «وضاح» هو: عبد الرحمن بن إسماعيل .. شاعر يماني غلب عليه لقب وضاح لإشراق وجهه ووضوحه أ حبته «أم البنين» زوج الخليفة«الوليد بن عبد الملك» وعندما أكتشف أمره في ساعة وصل خبأته في صندوق وعندما عرف الخليفة أخذ الصندوق ورماه في بئر كان تحت بساطه.

Report Page